6:30 AM
صوت رنين المنبه
تستيقظ متأخرًا، تستعجل الدقائق في الاستحمام وارتداء ملابسك، تقوم بتشغيل سيارتك متجهًا لموعد مقابلة لوظيفة أحلامك، يفاجئك ازدحام الحركة المروريةأمامك، تفكر بطريق مختصر يوصلك إلى وجهتك في الوقت المحدد، تسلك طريقًا مختلفًا وتجد أمامك شخصًا يسير بسرعة أقل من المسموح، تبدأ نبضات قلبك بالتزايد، ويرتفع صوت أنفاسك مع ارتفاع حرارة جسدك المتعرق، يرسل جهازك العصبي إشارات لجسدك ليتخذ وضعية الدفاع، يقوم جهازك الهضمي بإبطاء نشاطه ليحافظ على طاقته متسببًا بجفاف حلقك، تتوسع أوعيتك الدموية ليزداد ضغط دمك محولًا بذلك وجهك للون الأحمر، كل هذه علامات نموذجية لشعورك بنوبة غضب
في هذه التدوينة عن
الغضب أكتب.
يولد الإنسان بستة مشاعر أصلية وهي السعادة، الحزن، الخوف، الاشمئزاز والدهشة وأخيرًا الغضب..
أما بقية المشاعر فيكتسبها بالتجارب والخبرات التي يمر بها أثناء حياته، الغضب سلوك نفسي معقد، يصوره بعض الباحثين كحالة شعورية، بينما يعرفه آخرون بأنه سمة عاطفية والبعض الآخر يعتبر الغضب حالة معرفية تشير إلى حدٍ كبير إلى الكيفية التي يقيم بها الناس عوالمهم.
وفي وسط هذه الرؤى المختلفة للغضب وماهية الغضب، ندرك أنه شعور مهم جدًا وله فائدة على حياة الإنسان، فالغضب يحفز المشاعر والسلوك بشكل قوي ويجعلها عدوانية وهذه العدائية هي التي سمحت لأسلافنا قديمًا بالقتال والدفاع عن أنفسهم.. لأنه قديمًا لم يكن هناك إلا طريقة واحدة متاحة لدى أسلافنا للتعبير عن غضبهم وهذه الطريقة عبر القتال الجسدي واستخدام أدوات بدائية مثل العصي والحجارة. لكن هذه الطريقة لم تعد مسموحة اليوم لأن القوانين والأعراف الاجتماعية والفطرة السليمة وضعت قيودًا على المدى الذي يمكن أن يقودنا إليه غضبنا.
نحن لم نعد نستطيع شن هجوم جسدي على كل شخص أو حدث يزعجنا ويضايقنا، و ساهم في ذلك تطورنا خلال السنوات الماضية، وهذا التطور أدى إلى ابتكارنا عدة عمليات واعية ولاواعية للتعامل مع مشاعرنا الغاضبة.
ماذا يحدث للإنسان عندما يغضب؟
الغضب هو حالة عاطفية تتفاوت في شدتها من شخص إلى آخر.
وفقًا لتشارلز سبيلبيرجز وهو متخصص في علم النفس وتحديدًا في دراسة الغضب، أن الغضب كحالة شعورية يترافق معه تغييرات فسيولوجية وبيولوجية، عندما تغضب تزداد نبضات قلبك ويرتفع ضغط دمك، ويزداد تدفق هرمون الأدرينالين والنورادينالين في جسدك.
كل هذا يحدث في داخلك في ثواني معدودة.
الباحث في سلوك الإنسان الغاضب ريان مارتن بعد سنوات في مجاله من مقابلة الناس والحديث معهم يطرح تساؤلات مثل:
لماذا يغضب الناس؟
وماهي نوعية الأفكار التي تراود الناس أثناء الغضب؟
وهل يمكن أن يكون الغضب شعورًا صحي ومفيد؟
عندما نغوص في ذاكرتنا لنستحضر مواقف كان الغضب هو عنوانها، سواءً مواقف شخصية أم مواقف شهدناها كمتفرجين، مثل أن يغضب مدير من أداء أحد موظفيه لصفقةٍ ضخمة!
أو أن يغضب طالب من ازدحام مروري قبل موعد امتحان مصيري!
أن تغضب لأنك قلق! قلق بشأن مستقبلك، أو أن تغضب لذكرى حدث مرت عليه سنوات.
ندرك أننا نغضب عندما نكون في مواقف غير سارة وغير عادلة، وتحجب عنا الوصول لأهدافنا وغاياتنا، نحن نغضب عندما نتعرض لمواقف كان من الممكن تجنبها وجعلتنا نشعر بالعجز عن مواجهتها.
إن الغضب لا يحدث من فراغ، قد يشعر الإنسان بالغضب في نفس الوقت الذي يشعر فيه بالخوف أو الحزن!
إن التعبير عن مشاعرك الغاضبة بطريقةٍ حازمة وليست عدوانية هي الطريقة الأكثر صحة للتعبير عن الغضب
لكن! لايدرك كل الناس ذلك.
يميل الأشخاص الغاضبون إلى التفكير بشكل خاطئ وإلقاء اللوم في غير موضعه، ليس فقط على الأشخاص بل على الجمادات أيضًا
يميل الغاضبون للمبالغة ويستخدمون كلمات مثل دائمًا وأبدًا ودومًا وذلك يحدث لي ولا أحصل أبدًا على ما أريد.
يمارس الغاضبون السباب وينعتون الناس بالأغبياء والحمقى والوحوش وقت الغضب.
لوقت طويل أشار علماء النفس لتلك التصرفات بإسم
التشوهات
المعرفية والمعتقدات الغير منطقية
إن غالبية الناس يرون الغضب كمشكلة وشعورٍ سلبي لكن مارتن يؤكد على أن الغضب قوة عظيمة وصحية في حياتك، ومن الجيد أن تشعر به.
نحن البشر لا نستطيع التخلص من عواطفنا الفطرية ومن ضمنها الغضب لكننا نستطيع التحكم في حدته وتحويله من طاقة غضب سلبية إلى سلوك وأفعال ومشاعر إيجابية.
يقول ستيفن كوفي مؤلف كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية، وبيع منه ١٥ مليون نسخة وترجم إلى ٣٨ لغة.
٩٠٪ من أحداث حياتنا تعتمد على ردود أفعالنا
و ١٠٪ من أحداث حياتنا خارجة عن إرادتنا ولا نستطيع السيطرة عليها.
لهذا السبب فإن مهارة التحكم في المشاعر تختلف في المعنى عن كبتها، لأنك عندما تحاول كبت مشاعرك ودفنها في أعماقك فأنت ترفضها حتى لا تظهر وهذا أسلوب خاطئ لعدة أسباب
أولًا:
يتطلب كبت الغضب مجهودًا وهذا المجهود يسبب ألامًا داخلية.
ثانيًا:
عندما تظن أنك نجحت في كبت غضبك فأنت مخطئ، أنت استطعت كبته لفترة قصيرة
ثالثًا:
هذا الكبت للمشاعر بداخلك سينفجر عاجلًا أم أجلًا.
على المدى البعيد إن عملية كبت المشاعر تشكل ضغطًا نفسيًا وعصبيًا يضر بالصحة العامة للجسد.
تخيل أنك تملك كوبًا فارغًا بداخلك، كلما حدث شيء يغضبك بدأ هذا الكوب بالامتلاء حتى أخذ الغضب يتراكم بداخل الكوب وامتلأ حتى سال على الأرض وتسبب في نتائج سلبية غير محببة.
إن التحكم في مشاعرك ليست محاولة لطردها أو دفنها في الأعماق، إنما هي عملية تحويلية، الهدف منها إدارة الغضب وخوض المشاعر الانفعالية والدوافع النفسية التي تسبب الغضب.
أنت لا تستطيع أن تتخلص أو أن تتجنب الأشياء أو الأشخاص الذين يسببون لك حالة الغضب ولن تستطيع تغييرهم.
لذلك من الضروري أن تتحكم في ردود أفعالك وذلك عن طريق الآتي
لابد أن تفهم الجوانب الخارجية لحياتك والجوانب الداخلية لتفكيرك التي خلقت هذه المشاعر وضخمتها وأبقتها ضاغطة عليك.
تعامل مع هذه الجوانب وقم بتغييرها من أجل تغيير ردود فعلك العاطفية مستقبلًا.
التحكم في مشاعرك لن يغيرك على الفور، هناك قفزات في عملية التحكم في المشاعر يمكنها أن تخلق تغييرات عاطفية، التغيير يحدث خطوة خطوة.
أثناء تغيير حياتك وكيفية تفكيرك فيها، قد تكون المشاعر أحيانًا سلبية وتعتبر بذلك علامات على أنك تقوم بأشياء لا تتماشى مع قيمك وأن هناك حاجة للتغيير مطلوبة، وأحيانًا قد تكون علامات على أن تفكيرك في بعض المواقف غير عقلاني وأن التغيير الداخلي مطلوب.
“عندما تتحكم في انفعالاتك ستكون متصلًا مع مشاعرك ولا ترفضها وتحاربها بل على العكس تمامًا ستذهب إلى جذورها العميقة وتقوم بتفكيكها.”
السؤال هنا: كيف تستطيع التحكم في مشاعرك وانفعالاتك؟
وفقًا لعالم النفس د. جيري بارتشر المتخصص في إدارة الغضب،فإن بعض الناس هم بالفعل أكثر غضبًا من الآخرين، هم من السهل إغضابهم ونوبات غضبهم أشد من متوسط الناس.
هناك أيضًا من لا يظهرون غضبهم بصوتٍ عال ومشاهد ملفتة ولكنهم مصابون بالتوتر المزمن
الأشخاص سريعو الغضب ليسوا بالضرورة أنهم يشتمون ويقذفون بالأشياء من حولهم؟
أحيانًا ينسحبون اجتماعيًا ويعبسون ويمرضون جسديًا.
الأشخاص سريعو الغضب لديهم ما يسميه علماء النفس ضعف القدرة على تحمل الإحباط، وهذا يعني ببساطة شعورهم بأنهم لا يجب أن يتعرضوا للإحباط أو الإزعاج أو المضايقة.
هم لا يمكنهم النظر للأحداث بمنظور واسع ويغضبون إذا بدأ لهم الموقف غير عادل
على سبيل المثال: أن يصحح لهم أحدهم خطأ بسيطًا.
كل فرد لديه مشاعر، لذلك التحكم في هذه المشاعر شيء على كل فرد أن يفعله في نقطة ما في حياته، إن المشاعر شيء طبيعي ويمكن أن تكون عظيمة ولكنها أيضًا يمكن أن تضعفك عند مواجهة مشكلةٍ ما.