ريادة الأعمال عندنا وعندهم ..

متى نخرج من عنق الزجاجة؟

لماذا حققت بعض الدول (مثل الصين والعدو الصهيوني) نجاحات أكبر منا بمراحل؟


لماذا لا تحقق الشركات الناشئة لدينا نفس النجاحات التي تتحقق في وادي السيليكون (Silicon Valley)؟

والسؤال الأكبر .. متى وكيف نخرج من عنق الزجاجة؟

هذه الأسئلة هامة جدا وتتكرر في منتديات ريادة الأعمال. وسأحاول الاجابة عليها من وجهة نظري لعلها تساعدنا للوصول الى حل لمعادلة النجاح والخروج بذلك من عنق الزجاجة.

مقارنات سريعة

دعونا نتحدث اولا عن بعض المقارنات الهامة:


معلومة: تصدر عالميا اسلوب الاستثمار بطريقة الملكية الخاصة (Private Equity) ثم ظهر لاحقا اسلوب الاستثمار برأس المال الجريء مع تصاعد شركات التقنية الناشئة (startups).

شركات الملكية الخاصة

العالم العربي

1990s

ظهور شركات الملكية الخاصة

فرق ٣٠ سنة!

امريكا

1960s

ظهور شركات الملكية الخاصة


شركات رأس المال الجريء

العالم العربي

2004

ظهور شركات رأس المال الجريء

فرق ٢٤ سنة!

امريكا

1980

ظهور شركات رأس المال الجريء

نلاحظ ان عالمنا العربي تأخر:

  • حوالي ٣٠ سنة في مجال الاستثمار بالملكية الخاصة.

  • و حوالي ٢٤ سنة في مجال الاستثمار برأس المال الجريء.

أرقام الاستثمار الجريء

دعونا ننتقل للمبالغ المستثمرة عن طريق شركات رأس المال الجريء في الشركات الناشئة. هذه المعلومات توضح حجم السوق مما يعكس الثقة التي يتمتع بها هذا المجال من الاستثمار لذوي الثروة من شركات ومستثمرين افراد وصناديق.


١. أمريكا: (لاحظ المبلغ تعدى ١٣٠ مليار دولار امريكي في ٢٠١٨م)

٢. الصين: (لاحظ وصول حجم صناديق رأس المال الجريء لمستوى امريكا عام ٢٠١٦م)

للأسف لم اجد معلومات احدث عن الصين. من لديه معلومات موثقة يرسل لي ان امكن - مشكورا - لتحديث المقالة.

٣. العدو الصهيوني: (لاحظ وصول المبالغ المستثمرة الى ٦.٥ مليار في ٢٠١٨م)

خلال البحث لاحظت شيء غريب (الرسم البياني أدناه)، في ٢٠١٧م، ٨٤٪ من الاستثمارات مصدرها شركات عالمية!

الرقم عالي جدا مقارنة مع اي منطقة اخرى. لذا يبدو ان المستثمرين والشركات ادركوا أهمية السوق وقدرته على إخراج شركات ناجحة عالميا. وهذا طبعا مثبت لوجود مجموعة كبيرة من الشركات في الأمن السيبراني والخرائط والسيارات ذاتية القيادة وغيرها.

٤. العالم العربي:

افضل عام ٢٠١٨م بحوالي ٧٠٠ مليون دولار اي حوالي ١١٪ من حجم تمويل الشركات لدي العدو الصهيوني و اقل من نصف بالمئة من التمويل لدى امريكا !!


تحفيز الابداع والتخصص

في رأيي الشخصي ان التحفيز على الابداع والتخصص من اهم عوامل النجاح للشركات الناشئة ولاي اقتصاد يريد ان ينهض.


١. التجربة الكورية:

لي تجربة شخصية مع كوريا الجنوبية تركت فيني اثرا كبيرا بعد زيارتها. فنهضة كوريا الجنوبية العظيمة خلال اقل من ٥٠ عاما احد اهم الأمثلة على قوة التحفيز الحكومي والتخصص.

ففي العام ١٩٦٠م كانت كوريا الجنوبية بالكاد انتهت من حرب طاحنة مع جارتها الشمالية. هذه الحرب غيرت ملامح المدن بل وغيرت التضاريس من هول الدمار الناتج عن المعارك الحربية والقنابل. فخرجت البلاد في وضع مزر لا يتعدى فيها دخل الفرد عن حفنة من الدولارات.

ولكن قائدها الفذ اراد ان ينهض بالبلد فاستعان بكبريات الشركات العائلية (يطلق عليهم كلمة تشايبول Chaebol) مثل سامسونج وهيونداي و دوسان وجولدستار وديليم وغيرهم. وقام باعطائهم قروضا مضمونة من الدولة للنهوض بمختلف الصناعات مع تخصص كل منها في قطاع معين تم الاتفاق عليه.

اليوم لا يخفى على احد حجم هذه الشركات عالميا. فقد وصل دخل الفرد ٣٠ الف دولار سنويا اليوم وتمركزت في المركز ١٢ عالميا من ناحية الناتج القومي وبدخل يبلغ ضعف الناتج القومي بالسعودية رغم وجود النفط لدينا بينما لا يوجد لدى كوريا اي مورد طبيعي.


(الصور اسفله: مثال للنهضة والتطوير بكوريا الجنوبية حيث تم تحويل طريق بطول حوال ١١ كم يشق سيئول من مكان مزعج مليء بالاوساخ الى نهر صناعي جميل لتصبح معلما سياحيا رائعا ومتنفسا للسكان).

النهر بعد تجديدة

٢. التجربة الصينية:

هذه التجربة تختلف نوعا ما. فالتجربة الصينية آثرت الانغلاق بهدف حماية الشعب من الغزو الامريكي بكل شيء من العادات والتقاليد الى المطاعم السريعة والكولا. ولكن هذا الانغلاق نتج عنه اعتماد الصين على منتجاتها وتقنياتها بدلا من الاعتماد على الغرب. وكان هذا الانغلاق اكبر محفز للشركات الصينية بكل القطاعات نظرا لحجم الشعب الصيني الهائل الذي اعطى لهذه الشركات سوقا محميا من المنافسة العالمية.

فاضطرت الصين لتطوير محرك البحث الخاص بها (بايدو) بدلا من الاعتماد على قوقل مثلا. واضطرت لتطوير موقع التجارة الالكترونية الخاص بها (علي بابا) بدلا من اللجوء الى امازون واضطرت لتطوير منتجاتها للشبكات (هواوي) بدلا من الاعتماد على سيسكو. ولا شك ان الحكومة دعمت كل هذه الشركات دعما لا محدودا حتى تحقق النجاح المحلي ثم العالمي.

اليوم تتربع الصين على ثاني الترتيب عالميا من ناحية الناتج القومي وتتحرك بسرعة نحو تخطي امريكا.

٣. العدو الصهيوني:

كيان زرع بالقوة وسط الدول العربية والاسلامية مثل السرطان. فاضطر هذا الكيان - نظرا لما يحيط به من مخاطر - ان يعتمد اولا على قدرته العسكرية فطورها بشكل غير مسبوق لكيان بهذا الحجم الصغير نسبيا. وابدع بتطوير القدرة العسكرية التقنية فاصبح لديه واحدة من اقوى الجيوش الالكترونية. ركزت على تطوير قدرتها التقنية في التجسس والاختراق وزرع الافخاخ الالكترونية. فاصبح لديها برنامج متخصص على اعلى مستوى يختار عناصر هذا الفريق الأمني منذ نعومة اظفارهم ويدربهم تدريبا خاصا. فتمكنوا من تطوير تقنيات تجسس لا تزال رائدة عالميا وبالتالي اصبحوا احد الاقوى عالميا في انظمة الحماية الأمنية الالكترونية.

بسبب نجاحهم في التقنية والامن الالكتروني ونظرا للدعم الكبير من امريكا للشركات للاستثمار فيها، تحصلوا على ثقة اكبر من شركات عالمية اسست لها مراكز ابحاث فيها مثل مايكروسوفت وقوقل وسيسكو وامازون ومونسانتو وغيرهم الكثير. ومن هنا تمكنوا ايضا من الدخول في عدة قطاعات تقنية اخرى.


اين الطريق؟

اعتقد من الواضح اننا تأخرنا عن ركب الابداع التقني. لذا علينا ان نسرع الخطى ولكن اين الطريق؟ الركض بدون هدف واضح او طريق للوصول للهدف مضيعة للوقت والجهد.


في نظري يجب علينا اتخاذ عدة خطوات هامة:


١. محفزات ودعم حكومي:

على جميع الحكومات ان تدعم قطاع الشركات الناشئة وتحفز الاستثمار فيه. وبدأنا نرى العديد من المبادرات خصوصا في السعودية والبحرين والامارات وعلى باقي الدول ان تتحرك سريعا.


٢. منظومة الاستثمار:

لايزال حجم المبالغ بعالمنا العربي ضئيلا ليخرج لنا شركات تناطح العالمية. فحجم الاستثمارات بالشركات الناشئة في كل الدول العربية بالكاد يصل ٧٠٠ مليون دولار عام ٢٠١٨م والذي كان افضل عام على مدى العشر سنوات الاخيرة. بينما في الكيان الصهيوني لوحدة يبلغ الاستثمار لنفس الفترة حوالي عشرة اضعاف ذلك (٦.٥ مليار دولار). وفي امريكا والصين ١٨٠ ضعف ما يستثمر في بلادنا (١٣٠ مليار دولار).


٣. حجم السوق (العملاء):

كل عمل بطبيعته يستهدف شريحة معينة من العملاء. مثلا محطات البترول تستهدف من لديهم سيارات لخدمتهم. لذا فهي محدودة بعدد السيارات في هذا البلد او المنطقة.

فاذا قارنا عدد السكان لبعض الدول العربية التي تشهد حراكا واضحا في عالم الاستثمار بالشركات الناشئة نجد:

مصر: ٩٧ مليون نسمة

السعودية: ٣٣ مليون نسمة

الاردن: ١٠ مليون نسمة

الامارات: ١٠ مليون نسمة

المجموع: ١٥٠ مليون نسمة


قارنها مع سوق امريكا: ٣٢٧ مليون نسمة (اكثر من ضعفي اربع دول عربية)

الصين: ١،٣٨٦ مليون نسمة! (!!!)


اذن حجم السوق له دور كبير في قدرة هذه الشركات على التوسع.


٤. استقطاب الرواد العالميين:

من اهم الامور التي تغيب عن الذهن دائما ان معظم الشركات العالمية التي نجحت في وادي السيليكون (Silicon Valley) - وهي احد اشهر المناطق التقنية بالعالم - مؤسسيها ليسوا امريكيي الجنسية. ولكن نجحت أمريكا باستقطابهم بصفتها ارض تحقيق الاحلام - بالنسبة لهم.

فمثلا لو عدنا للوراء قليلا لوجدنا الكسندر جرام بل (Alexander Graham Bell) مخترع الهاتف ومؤسس اكبر شركات الاتصالات في ذلك الوقت من اصل سكوتلندي. ومن اقرب المعروفين عالميا نجد ايلون مسك (Elon Musk) احد مؤسسي Pay Pal ومستثمر والمدير التنفيذي لعدة شركات رائدة من اصل جنوب افريقي.

في الواقع اكثر من ٤٥٪ من اكبر الشركات الامريكية التي تسمى فورتشن ٥٠٠ (Fortune 500) مؤسسيها مهاجرين من اصول غير امريكية او من ابنائهم. 


لذا علينا ان نجد المعادلة اللازمة لاستقطاب الكفاءات العالمية التي ترغب بتأسيس شركاتها بالسعودية والعالم العربي. وبحكم الحركة القائمة اليوم بالسعودية والخليج في ريادة الاعمال والاستثمار الجريء، فإني ارى ان السعودية مهيأة لريادة العالم العربي واستقطاب الكفاءات من رواد الاعمال العرب وكذلك من الدول القريبة مثل باكستان وافريقيا وسيريلانكا وغيرهم. كما ان المبادرات التي نراها مؤخرا بالمملكة مشجعة جدا في هذا الاتجاه مثل مبادرة هيئة الاستثمار وغيرها.


٥. التعاون والبيئة المحفزة:

لاشك ان من مميزات سيليكون فالي (Silicon Valley) وجود عدد كبير من التجارب والخبرات في منطقة جغرافية صغيرة. وبالتالي يمكنك وبسرعة ايجاد من يساعدك في حل معضلة فنية او فهم طبيعة سوق معين. كما يمكنك توظيف ذوي الكفاءات في اي مجال تحتاجه بكل سهولة.

هذه المميزات تعتبر ميزات تنافسية من الصعب تكرارها الا بوجود اماكن مشابهة في منطقتنا العربية.


٦. الناتج القومي:

وهو يمثل حجم الاعمال لكل بلد وقدرتها المادية سواء على مستوى الحكومة او القطاع الخاص. ايضا دعونا نأخذ نفس المثال للدول العربية الاربعة:

مصر: ٢٣٥ مليار دولار

السعودية: ٦٨٤ مليار دولار

الاردن: ٤٠ مليار دولار

الامارات: ٣٨٢ مليار

المجموع: ١،٣٤١ مليار دولار.


لو قارناها مع امريكا: ١٩،٣٩٠ مليار دولار (١٤ ضعف الدول العربية الاربع)

ومع الصين: ١٢،٢٤٠ مليار دولار (١٠ اضعاف الدول الاربع)


اذن الناتج القومي ايضا له دور في قدرة السوق على استيعاب الشركات ومساعدتها على التوسع.


٧. الاستعداد الذهني:

سؤال: هل تعتقد ان بامكانك انشاء شركة تناطح شركة قوقل او أبل؟

اذا كانت اجابتك “لا” فهنا تكمن المشكلة.

معظم من ينشأ بمنطقتنا يعتقد انه لايمكننا تحقيق نجاح عالمي يضاهي ما تحقق لبعض الشركات العالمية. وهذا هو التفكير الانهزامي الذي يطيح بك قبل ان تبدأ. لا اقول ان من السهل مناطحتهم ولكنه ليس مستحيلا بطبيعة الحال.

وهذه الحالة الذهنية في رأيي نابعة من عدم وجود أمثلة محلية يحتذى بها

(Role Model). بحيث يمكن للجيل القادم ان يأخذها مثالا له لتحقيق النجاح المنشود. هذه الحالة الذهنية لوحدها يمكنها تحقيق العجائب.


٨. في الاتحاد قوة!

في ضوء ما سبق من فجوات واسعة في الناتج القومي والتعداد السكاني والمبالغ المستثمرة في الشركات الناشئة .. وفي ضوء وجود قوة حقيقية لدى كل دولة من الدول العربية ارى ان احد الحلول يكمن بالبناء على نقاط القوة لكل بلد ضمن اطار تعاوني عال لتنمية الجميع. هي نظرية ولا اعلم كيف يمكن تحقيقها.


فربما يكمن الحل في ايجاد منطقة مشتركة يمكن للجميع العمل بها مثل نيوم مثلا!


٩. افضل نمو عالميا!

من نقاط قوة منطقتنا انها تحقق باستمرار خلال السنوات القليلة الماضية احد افضل معدلات النمو عالميا. كما اننا نتمتع بتركيبة سكانية شابه تتقبل الجديد وتقبل عليه بشغف. ومن اكبر الأدلة تحقيق الشركات الناشئة معدلات نمو كبيرة اعلى من نظيراتها العالمية بنفس القطاع. ولا ننسى استحواذ اوبر على شركة كريم والتي ارى انها قصة نجاح ستدعم هذا القطاع دون شك. هذه عناصر قوة يجب البناء عليها.


شخصيا .. ارى المستقبل مشرق باذن الله. وهذه التسعة عناصر - اذا ما عملنا عليها كل في موقعه - فسنصل بحول الله عاجلا ام اجلا. ولقد دخلنا منذ عدة سنوات غمار الاستثمار في الشركات الناشئة واشجع الجميع على ذلك بوعي طبعا.


فما رأيك؟

هل سنخرج من عنق الزجاحة قريبا؟

اتشرف بتواصلكم جميعا ..

ايميل:       kais@visionvc.co