مبهمات
ليست ابتذالا، بل معان إستعصى على صاحبها الإيضاح.
حوار مع إبليس
كان الشعور شديد. بل قد كان ساحق يتراءى لصاحبه أكثر المعاني سواداً. تخشى أن تسأل وتفتح عليك أبوابٌ منها أشجع الألباب تهاب. ولكن هي فكرة يستحيل أن تندثر بعد أن علمتها نفسك. فتصبح بين أسرين. فإن لم تجب السؤال، أصبحت في حسرة من الجهل، فما أعتى أن تعمد الجهل. وإن ذهبت تجيب عن السؤال، تخشى الجواب أن يقتلك أو يزلزل معانٍ أخرى سكُنت من زمان. بعد حيرةٍ طويلة، ارتأيت أن أسعى للجواب مهما كانت الكُلفه. ظللت ليالٍ طوال أبكي خوف الجواب. لا أعلمه بعد، ولكن أخاف لو علمته أن أجد نفسي في تيهٍ عظيم. ولكن عزمت الأمر!
ذهبت لمنحدر التل. كان تلٌ عظيم تملؤه الظلمه. ظلمةٌ، سوادها يزداد سكوبا كلما انحدرت فيها. الطريق طويل، مع كل جانب، ترى لمحات العفاريت تتخطفك. يعلمون قدومك ويتهامسون. يسألون: ما دهى ابن آدم أن أتى؟ أتراه يلقى حتف فضوله مرة أخرى، أم ترى العكس يحدث له، ولكن ما كان أن حدث ذلكم قبل. أكملت الطريق، ودموع الرعب بدأت تنزل. لم يحدث أن بكيت رعباً من قبل، ولكن ذلك المشهد كان هو الأكثر رهبة. إزداد المنحدر حدةً، ولم يصبح لوهج القمر من مكان، فغطت الظُلمة كل شيء، حتى القمر. لم أستطع أن أرى طريقي، ولكن أُخبرت بأن أكمل المسير حتى أصطدم بالبئر، الذي سموه لي بالـ"البئر العظيم"، حيث هو هناك.
شعرتُ أن المكان يتهارب، ولكن حمداً لم يختفي. لم يعد هناك صوت، نور، أو حتى شعور، فالكل هناك معدوم. اصطدمت بشيء. علمت أنه البئر، وأنه قد حان النزول للعمق. عُمق البئر، حيث هو ينتظر. وضعت قدماي، كما طُلب مني، وأغمضت عيناي، وانتظرت أن أُنزل مع احد الشياطين لأسفل البئر العظيم. في لحظة وقبل أن يرتدّ إليّ طرفي، أصبحت في قاع العمق، في دُنيا البئر. لم أعلم كم هو عُمق البئر ولكن تيقنت أنها الأعمق في الأرض. كان العمق شاسع السعة، ولم يكن هناك سواي أنا وهو، الذي أتيت للقائه، إبليس.
. . . لم تنهى
مكان
في مكان مبهم، لا يعلم منه شيء سوى أنه مكان، وفي لفظ "مكان" يتجسد أكثر الأوصاف عموما وأصعبها دلالة. تمنيت لو استطعت حتى ألا أقول "مكان"، ولكن ليس هناك حقاً وصفٌ آخر، فنحن معَ المكان في أزَل. فأيّ مكانٍ ذاك الذي ليس في مكان!
في هذا المبهم يتكئ ابن آدم. يتجرع الإبصار رغم أنه لا يرى شيء ويبكي الرعب على أنه لا يدرك حقيقته. هوَ حبيسُ الواقع، فهو يشعر أنه لا يتناسب معه، رُغم كلّ ما رآه وعاشه وآمن به، تلامسه نفسه بأن هنالك شيء ما يهتف بأن الواقعَ أمرٌ آخر. يتحسس صوتاً أيضاً مبهم. ينصت له. يذهب خلفه في دبيبٍ غريب، يومئ ببطء، ببطء شديد ثم يخطو للمجهول. أما ذاك المجهول فأقلّ إبهاماً، ولمَ لا وابن آدم يعلم أنه لا يعلمه. أما المجهول فهي أرضٌ فلات يخيّل لسائرها أنه أحاط بآخرها. في هذه الأرض ثلاثة أحياز، أو كما يقال ثلاثة عوالم. بعد المسير دون الأرض، لا تنسوا أني أعني المجهول، يُصبح كل شيء مختلف. فالضياءُ ليس بعدُ نور، بل سراب متفرقٌ يحجب السماء، والأرض ولله ما أغربها فهي بجبالها تتموجُ كما أنها هبَاء.
نعم كان يعنيها، فحقاً كل شيء مختلف.
معقدات
لا أظنها تهاويل، بل معقداتٌ أبت إلا الظهور، تساءلت، ما بال ذوي اللب؟ أهو زمان أقسمت بغياً عليهم المشوهات فيه إلا البدور؟
اختفت ثانيةً، ولم يرى أنها ظهرت سوى في قبلة اهل تلك الدور، أجلاءٌ أظنهم سُموا أهل ما وراء السور، حكماءٌ ليُقبلَ عليهم، وجَب على السائل إحدى إثنتين. أن يرى كم في ظلمات الليل من عُمق ونور أو كم يحيا من لم يغادر السور في جمود وفتور.
أما بالمعقدات فقصدتُ أعماق الإيمان، وأما الحكماء فبهم أشرت لذوي موسى ولقمان.
عليهما السلام
خلف أستارهم
خلف أستار تلك الطقوس، أبصرت رهباناً هامين يتلاومون. ما بنا! ما حال القوم لجوا فينا لغيرنا!
فظاهرت لومهم ساحرةُ أقوام فانين وقالت: هي الدنيا.. قد اشمأزت نظرنا، ولِدير العتاةِ أخذَ الأغرار عنا، ثم أقسمت وتلت، فلا هم والله لبثوا يعون ما بنا أو عزموا يسألون العلم من لدنّ.
لمطلعها عنيت الإبصار الإبصار إبصار العقل، وأما فحواها فأردت النذير النذير لا مجرد النقل.
كُن مثلهم
كن مثلهم. ولمَ تفعل ذلك يا صديقي؟
ما الذي تجده في أن تكفر بالسائد أو تتمرد على العاهد أو حتى أن تستبصر وتُمَاجد؟
ولمَ يا صديقي ألا تكون مثلهم؟ ما بالهم؟ أنظر لهم. هم الذين دوماً يُقدمون واختزالاتهم بها الجميعُ يأخذون. أنظر لهم. ترى أنفسهم دائمافي سكون، ولما لا ترى تطمئن. وأما غيرهم، كل جفن فيهم في احتيارٍ يئن.
أطعني وابق مثلهم. كن دائما عوناً لهم. أكتب بأقلامهم ولا تخرج عن صناديقهم.
وإن سألتني عن ذاك، فنعم. لربما يا صديقي أن مثلهم يُستحيى وغيرهم يموت يزدرى. لمن الممكن، أن سواهم يبقى وعداهم يصمت يفنى. فكن.. كن مثلهم.
لئلا تكتئب، وفي وحدتك ستبقى خائفًا منتصب، ترتقب ثم ترتقب وحتى الأمد ستظل مغترب. فكن كن مثلهم، فدونهم ستبقى دائم القلقِ مضطرب.
لا شيء يا صديقي جيد في ألا تكون منتمي، وبأفكارك دائماً منزوي، لذلك توقف لأنك حتما يوما ستنحني.
أرض كثيرة المعنى
أرض شديدة الظلام، سماؤها غائمة، لا تعي أين أنت سوى الظلام ولكن يتبادر إليك أنها صحراء قاتمٌ نورها، وهناك في كل مكان كرات صغيرة منيرة برؤى وألوان مهيبه، كلما اقتربت من بعضها ازدادت بعداً، والأخريات يُظهرن لك ما بهن، فإما جمالٌ آسر، او معانٍ مختلفه،وأحيانا يرينك بعضاً من البؤس، لكنه ليس ذاك البؤس الضعيف، فأنت تزداد بهِ قوة. أرض ساحره، خباياها تحكي لك قصصاً عنك، او عن المجهول.