عندما قرأت تحذير السرطان

على كوب ستاربكس!

إذا كنت من عُشّاق القهوة، فتخيّل أن تقوم ذات صباح لتشتري كوبك المعتاد، لتجد عليه جملة تحذر من مخاطر الإصابة بالسرطان عند شربك للقهوة!


شعور غريب سينتابك، وربما تقفز إلى ذهنك فكرة احتمال تلوث هذه القهوة (بالذات) بمواد كيميائية ضارة! وربما رميت كوبك وتوجهت إلى مقهى آخر لشراء كوب قهوة، لتتفاجأ بأن عليه ذات التحذير!

والقصة الواقعية تقول: أن قاضٍ في ولاية كاليفورنيا الأمريكية أصدر حكماً يُجبر الشركات التي تبيع القهوة في الولاية، مثل ستاربكس وماكدونالدز ودانكن دوناتس وغيرها، على وضع علامات تحذير على قهوتهم تفيد المستهلكين باحتمال الإصابة بالسرطان عند استهلاك القهوة. وفي حال عدم الالتزام بوضع التحذير، فمن المحتمل أن تتعرض هذه الشركات لغرامات مليونية.


وتعود الحكاية إلى 2010م، حيث قامت منظمة أهلية أمريكية غير ربحية تُسمّى "مجلس التعليم والأبحاث حول المواد السامة" CERT، بتقديم دعوى ضد شركات القهوة، مطالبة إياهم بوضع علامات التحذير بموجب قانون ولاية كاليفورنيا المعروف باسم "اقتراح 65" الذي ينص على وجوب وضع تحذير على المنتجات التي تحوي مواد كيميائية ضارة تسبب السرطان. وقال القاضي الأمريكي في حكمه: "إنه لا يمكن استثناء شركات القهوة من الالتزام بالقانون، وذلك بعدما أخفقت في إثبات أن تناول القهوة مفيد لصحة الإنسان".

وفي رأيي الشخصي أن الموضوع يحمل مبالغةً وتضخيماً؛ فالمادة الكيميائية الضارة المقصودة هي مادة "الأكريلاميد" والتي تنتج بشكل طبيعي من تحميص حبوب البن. وهذه المادة تتكوّن في الأطعمة المقلية أو المحمّصة أو المحمّرة، كما توجد في رقائق البطاطس والخبز. فهل سيشمل التحذير مستقبلاً الخبز المحمص والبطاطس المقلي؟ وحسب الدراسات، فالإنسان يستحيل أن يستهلك كميات ضخمة من "الأكريلاميد" بشكلٍ يحفز ظهور الخلايا السرطانية، كما حدث مع فئران التجارب.


لكن، حتى وإن كان القاضي مبالغاً في رأيه، فالحكم قد صدر، وقد يثبت في الولاية، وقد ينتقل إلى باقي الولايات، وربما إلى باقي الدول.

وعند ثبوت الحكم وبدء تطبيقه، فإن على كل مُصنّعي ومقدمي القهوة وضع علامات تحذير تفيد المستهلكين باحتمال الإصابة بالسرطان، وقد نعتاد على قراءة التحذير على أكواب قهوة ستاربكس وبقية المقاهي. والسؤال المهم الآن: هل سيحجم الناس عن شرب القهوة بسبب التحذير المكتوب على الأكواب والعبوات؟


أرى أن القهوة من فئة المنتجات التي أميل أن تسميتها بـــ"منتجات الكيف"، وهي متعلقة بأمزجة الناس ومرتبطة بالتعود وربما الإدمان، مثل القهوة والشاي والسجائر. لذا أرى من الصعب أن يُحجم محبي القهوة عن قهوتهم المفضلة بسبب وجود عبارة تحذير السرطان على كوبهم المعتاد، فلم يُجدِ ذلك نفعاً في المدخنين الذين استمروا في شراء علب السجائر المليئة بالصور المريعة والعبارات التحذيرية المخيفة حول السرطان وأمراض الرئة والشرايين والقلب. بل إن كل المؤشرات تشير إلى استمرار ارتفاع نسبة المدخنين في العالم، رغم كل التحذيرات مختلفة الأشكال.


وكان على شركات القهوة خوص معارك قضائية طويلة لإثبات بطلان الادعاء لكنها لم تؤت ثماراً، أو الإذعان في النهاية ووضع علامات التحذير (وهو الأقرب حدوثاً). وإن تم وضع علامات التحذير على القهوة، فلا بد أن تقوم هذه الشركات بمجهود توعوي وتثقيفي جيّد حتى توضّح الأمر للمستهلكين، خصوصاً على صعيد العلاقات العامة والإعلام، وهذا جزء من مسؤوليتها التجارية والاجتماعية، وتبيّن للناس حقيقة "الأكريلاميد"، لتضع قرار استهلاك القهوة على بصيرة بيد المستهلكين.

Join