رؤية موضوعية للإعلانات التجارية


يثير «الإعلان التجاري» موجة من الانتقادات الاجتماعية الواسعة، فأصابع الاتهام تشير دوماً إليه لأسباب متعددة وكثيرة؛ ربما كان من أهمها استغلال الأطفال لأغراض تجارية، والحط من قدر المرأة، وإشاعة ثقافة الاستهلاك، والاستخدام الماكر لأساليب تتضمن شيئاً من الكذب والتدليس. إلى جانب ذلك، يعمل الإعلان التجاري على رفع التكلفة النهائية للمنتَج «المُعلَن عنه» على المستهلِك، فتكلفة الإعلان يوزعها التاجر على مجموع ما يبيعه من منتجات. أي أن المستهلِك يدفع في النهاية قيمة ما يشاهده من إعلانات تجارية.. وما لا يشاهده!


ومع وجود عيوب وسلبيات نرفضها في الإعلان التجاري، إلا أنه يبقى، بخيره وشره، مُكوِّناً مهماً لثقافة عصرنا ووعينا الاجتماعي. وحتى لو أوسعناه انتقاداً وطعناً، فسنظل في حاجته. هل يمكننا أن نتخيل صحيفةً أو مجلةً بلا إعلانات؟ سيصبح من المثير للملل مشاهدة صفحات الأخبار عارية دون إعلانات تواري سوءاتها! هل يمكننا رؤية محطة تلفازية، بلا فواصل إعلانية؟ لا يمكننا تصور ذلك! أصبحنا بحاجة إلى الإعلان لكسر الرتابة، وأخذ استراحة تنويع وتجديد، والخروج بعيداً عن دائرة الجاد والمعتاد والمتوقَّع.


يكاد لا يخلو أي لقاء اجتماعي من قصص الإعلانات، فأحد الحاضرين ربما شاهد إعلاناً في الشارع، أو في التلفاز، أو سمعه مُذاعاً، ولا بد من تعليقٍ له عليه، يثير به انتباه من حوله، ويثري به النقاش. الإعلان الذي لا يثير التعليقات، لا ينجح في العادة في الوصول إلى أهدافه التجارية.


لقد أصبح الإعلان مادةً اجتماعية دائمة الحضور في كثير من لقاءاتنا؛ إما للتندر والترفيه، أو الانتقاد والتحليل، أو الاقتباس وإثراء المعلومات. وفي كل الحالات، يكون المتلقي مستفيداً، كما المُعلِن، وإن تفاوت مقدار الفائدة، واختلف شكله عند كل طرف.


في السنوات الأخيرة، تطور الإعلان التجاري إلى أن لامس سقف هموم المجتمعات. وتبنت شركات عديدة أساليب إعلانية جديدة تُروج فيها لمنتجاتها، وتسهم في الوقت ذاته بنشر القيم الجميلة والمفاهيم الإيجابية مثل دعم الجانب الإيماني والأخلاقي، ومكافحة العادات الضارة، وذلك في إطار عام يستهدف تعزيز حس الشركات بمسؤوليتها الاجتماعية، وتحسين صورتها العامة.


وكان الإعلان التجاري، ولا يزال، وسيلة تساعدنا على تسهيل اتخاذ العديد من قراراتنا اليومية الحيوية، بشكلٍ يوفِّر علينا المشقة اقتصادياً وبدنياً ونفسياً. فعند احتياجنا لأي خدمة، فالمُرشِد الأول لنا هو الإعلانات. الإعلان هو من يدلنا على من ينقل أثاثنا، ومن يوصل طرودنا، ومن يرمم بيوتنا ويصلح أجهزتنا.


قف للحظة وتذكّر، كم مرة شَكَركَ فيها شخصٌ ما لأنك أرشدته إلى محل يحل له إشكالاً يواجهه (كإصلاح آلته مثلاً)؟ ما قمتَ به أنتَ شخصياً يُمثّل بالضبط الدور الأساسي للإعلان؛ يرشد الآخرين ويزودهم بالمعلومات، يقنعهم بحلول مجدية لإشكالاتهم المختلفة، ويُذكِّرُهم بهذه الحلول بين فترة وأخرى، من أجل الربح. ولا ضير في ذلك، ما دام يتم في إطار أخلاقي وشرعي.


وليس من قبيل الصدفة أن نعرف إن قدراً كبيراً من ثقافتنا العامة يُعزى إلى الإعلانات. فكم من المعلومات الأساسية، والمعارف التقنية، والمصطلحات الأجنبية تسرب إلى عقولنا عبر رسائل إعلانية. أكاد أزعم أن متوسط مجموع ما تختزنه ذاكرة أي متلقي عادي من كلمات أجنبية مصدرها المحتوى الإعلاني، يفوق مخزون كلمات أي لغة ثانية يعرفها هذا الشخص. ولإثبات ذلك، حاول استجماع ما تعرفه من ماركات أجنبية وخصائص وأنواع لمنتجات وخدمات، وستجد أنك لن تستطيع أن تحصي لها عدداً!


على مستوى الدولة، لا يمكن تأسيس اقتصاد بدون إيجاد أسواق. وأقصد السوق بمعناه المجرد، لا بمعناه الجغرافي؛ أي كل نظام يُسهِّل عملية تبادل المنافع بين البائعين والمشترين. ولا تتم عملية تبادل المنافع (البيع) في الأسواق إلا بوسائل الترويج التي يُعد الإعلان التجاري أهمها. ويلعب الإعلان التجاري دوراً حيوياً في ربط البائع بالمشتري، لإحداث عملية البيع (التبادل)، وتدوير رؤوس الأموال، وتحريك عجلة الاقتصاد، ومنها يتم خلق فرص للدولة لفرض رسوم تدعم دخلها، وللموردين لتقديم عروضهم، وللباحثين عن وظائف للعمل، ولجميع المنتجين ومقدمي الخدمات للاستفادة.


كما أن الإعلانات التجارية تسهم، كأي فنٍ آخر، في تشكيل وإيصال الملامح الحضارية لأي بلد، وتساعد على عكس صورة عامة عنه، وعن اهتمامات الناس فيه، وتعطي تفاصيل كثيرة عن تقاليدهم وطبائعهم، وطبيعة احتياجاتهم ورغباتهم.


إذاً يُعدُّ الإعلان التجاري فرصةً مواتية لنا لكي نعلن عن مدى ما وصلنا إليه من ذوق وتحضر ورقي. آمل أن يستوعب ذلك كثير من تُجارنا وشركاتنا!

كان الإعلان التجاري، ولا يزال، وسيلة تساعدنا على تسهيل اتخاذ العديد من قراراتنا اليومية الحيوية، بشكلٍ يوفِّر علينا المشقة اقتصادياً وبدنياً ونفسياً. فعند احتياجنا لأي خدمة، فالمُرشِد الأول لنا هو الإعلانات.

Join