الكاتب الإعلاني Copywriter:

الجندي المجهول خلْف أشهر العبارات الإعلانية التي نحفظها

ما الذي يجري خلف كواليس الإعلان؟ ومن هو مبدع النص الإعلاني؟ النص الذي ربما أمضى معنا الكثير من السنوات دون أن نعرف من هو مبدعه! بعض تلك النصوص الإعلانية الشهيرة، امتزجت بأحاديثنا العائلية، صاحبت ضحكاتنا وتعليقاتنا، ارتبطت بمراحل معينة من حياتنا وربما كانت محور نقاش جدي في عالم الأعمال ولعلها في مكان آخر تمثل حملة إنسانية أو تتصدر قضية ساخنة. ولكن لماذا لا نعرف الكثير عن الكتابة الإعلانية في عالمنا العربي رغم أننا نحفظ الكثير والكثير من النصوص الإعلانية الشهيرة؟

 

الكتابة الإعلانيةCopywriting هي عملية إبداع النصوص للإعلانات التجارية وصياغتها بأسلوب جذاب من أجل شد انتباه الجماهير المستهدَفة إلى وجود منتَج ما، وترغيبها أو تذكيرها به. الكتابة الإعلانية مهنة إبداعية في الأساس، ولكنها موجهة لأهداف تجارية. فالكاتب الإعلاني يكتب كل ما من شأنه الترويج للمنتجات على تعدد أشكالها وأنواعها، من الإعلانات المرئية (المتلفزة) والمسموعة (الإذاعية) والمطبوعة (الصحفية وإعلانات الطرق وغيرها)، وحتى الرقمية الحديثة. كما يقوم الكاتب الإعلاني بتأليف الأغاني أو الأهازيج الترويجية الخفيفة التي ترسخ في أذهان المتلقين، مثل: «أووه.. ما أطيب قودي»، أو حتى الإعلانات التي تقوم على أفكار غنائية. كما يقوم الكاتب الإعلاني أيضاً بابتكار الأسماء التجارية للمنتجات والخدمات والمشروعات والمنظمات، ويقوم كذلك بكتابة جميع النصوص الموجودة على المنتجات، وبكتابة المطبوعات الترويجية.

 

وقد يخلط بعض الناس بين مصطلح الكتابة الإعلانيةCopywriting ومصطلح آخر هوCopyrighting وهو مصطلح قانوني يعني حفظ الحقوق الفكرية للمصنفات الفنية والأدبية، أما المصطلح الذي نتحدث عنه هنا فهو مصطلح إعلاني تسويقي مختلف تماماً، ولكن تشابه المصطلحين في طريقة النطق والكتابة بالإنجليزية قاد البعض إلى هذا الالتباس والخلط.

 

لماذا لا يعرف الكثيرون في عالمنا العربي عن الكتابة الإعلانية؟ إن عملية صنع الإعلان برمتها عملية تتم خلف الكواليس، فلا يرى الجمهور إلا المنتَج النهائي وهو الإعلان مع اسم الشركة (أو الماركة) الظاهر فيه، ويعتقد معظمهم بأن الشركة أو الماركة هي من ولّد فكرة الإعلان ونفذها، ولا يلامون، فهذا هو الجزء الظاهر من عملية صناعة الإعلان، أما الباقي فهو غائب تماماً عن الأنظار، فلا يعرف الناس كيف تم إبداع الإعلان، ولا يعرفون عن الوكالات الإعلانية، ولا عن طبيعة عملها.. فمن الطبيعي إذاً بألا يعرف الناس الكثير عن الكتابة الإعلانية كما أن مجال الكتابة الإعلانية ليس بذلك المجال المعروف كمهنة واختصاص، حتى في الغرب، ولا يعرفه في العادة إلا أهل الصنعة والمقربين من مجال التسويق والإعلان.

 

الكتابة الإعلانية مجال جديد نسبياً بالمقارنة مع مجالات الكتابة الأخرى، ولم ينشأ ويصبح مجالاً قائماً بذاته إلا في القرن الماضي على يد الأمريكيين تحديداً. وسُمي هذا المجال في الإنجليزية بذلك لأن كلمةCopy تعني "نص الإعلان"، كما تعارف أهل الاختصاص على ذلك ممن أسسوا هذه الصنعة. ونص الإعلان هو مجموع الكلمات التي يحملها الإعلان التجاري، سواء أكان الإعلان مقروءاً أم مرئياً أم مسموعاً. والكاتب الإعلانيCopywriter هو الشخصية المركزية التي تضطلع بدور رئيس في إبداع الفكرة الإعلانية وصياغتها وتقديمها بشكلها النهائي.

 

وفي الكتابة الإعلانية، يأتي الإلمام بقواعد اللغة ودقائقها لاحقاً عند تقييم قدرة الكاتب الإعلاني، ولا يكون هذا الإلمام مهماً إلا عند كتابة النصوص الطويلة كالمطويات الترويجية والكتيبات التعريفية والتقارير المؤسسية والأفلام الوثائقية. وأنا أعرف شخصياً عدد من الكتاب الإعلانيين ممن ليس لديهم إلمام جيّد بقواعد اللغة وأصولها، لكن هذا لم يمنعهم من إبداع إعلانات مبهرة. وقد يعتمد بعض هؤلاء أحياناً على مدققين لغويين، أو على أي فرد آخر داخل الوكالة الإعلانية يكون لديه إلمام لغوي جيد.

 

وكثيراً ما تكون الرسالة الإعلانية بالدارجة المحلية، فلا تحتاج إلى تدقيق.. لأن اللغويين يرفضون استخدام العامية في الكتابة إجمالاً، وهو موقف أحترمه، لكن استخدام العامية في الإعلان قد يُعد أسلوباً مشوقاً يزيد من جاذبية رسالة المعلِن ويُسهِّل استيعابها. وأذكر من الأمثلة الناجحة على توظيف اللهجة الدارجة النسخة العربية من شعار بطاطس ماركة برينجلز Pringles، حيث كانت رسالتها الأصلية بالإنجليزية:

Once you pop, you can’t stop!

فكان الكاتب الإعلاني العربي موفقاً جداً عندما واءم هذه العبارة ثقافياً وصاغها بالعامية عندما ظهرَت: (لـمّا تُفك.. ما حتصُك!)، وانتشرت هذه الرسالة سماعياً ولاقت نجاحاً كبيراً. 

 

إن المقدرة الجوهرية التي يتطلبها عمل الكاتب الإعلاني أينما كان هي الإبداع في صياغة الرسالة الإعلانية (الأفكار الرئيسة للحملات، وعناوين الحملات، والكلمات الرنانة والشعارات اللفظية، والأسماء التجارية)، وهذا أمر يتطلب فهماً لقواعد التسويق وذكاءً في الصياغة مع فهم عميق للثقافة التي ينتمي لها الجمهور الذي يستهدفه الإعلان.

 

التقدير الذي يبحث عنه أغلب الكتّاب يبدأ من وسم اسم الكاتب على غلاف كتابه أو في ختام مقالته ولكن للكاتب الإعلاني قصة أخرى، فقَدَرهُ أن يكون دوماً في الظل، بسبب طبيعة صناعة الإعلان، حيث كل شيء في النهاية يُنسَب للمُعلِن (الشركة أو الماركة) ويخرج للناس باسم هذا المُعلِن و يرى أن هذا الأمر عادي، فالكتابة الإعلانية ليست فناً إبداعياً محضاً كالتشكيل والنحت، لكنه فن موجه لتحقيق أهداف تجارية، والكاتب الإعلاني ووكالة الإعلان يأخذون من المُعلِن حقهم المادي كاملاً وهذا هو التقدير الذي يبحثون عنه في الحقيقة. التقدير الآخر الذي يبحث عنه كل كاتب إعلاني هو أن تُرشَّح أعماله الإبداعية في المسابقات الدولية وأن ينتشر صيته، لكن هذا لا يتأتى إلا من خلال العمل لوكالات إعلانية كبرى.

 

المزيج السحري الذي يصنع كاتباً إعلانياً متميزاً مُكوَّن من حب اللغة وفهم طبيعة التسويق والأعمال التجارية إضافةً إلى الاطلاع الواسع؛ فالكتابة الإعلانية مثلها مثل أي فرع آخر من الكتابة، لا تحتاج إلا إلى ملَكة الإبداع، وشيء من أدوات التمكن اللغوي، وكثير من القراءة والاطلاع وفهم الثقافة.

 

وفيما يخص نقل إعلانات ومعلومات المنتجات الأجنبية إلى العربية فإن ما يقوم به الكاتب الإعلاني ليس الترجمة ولا التعريب، لكنه يقوم بـــما أسميه «المواءمة الثقافية»، ويعد ذلك نقلاً للمعنى الأصلي للرسالة الإعلانية من لغتها الأجنبية إلى العربية، ولكن بأسلوب إبداعي يتوافق مع ثقافة المتلقين ويوضح رسالة المعلِن الأساسية. ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك شعار: «لا دموع بعد اليوم» المنقول عن الشعار الأصلي بالإنجليزية:(No more tears)لشامبو الأطفال من جونسون آند جونسون. لقد كان شعاراً فاعلاً من الناحية التسويقية، إلى درجة أنه لم تستطع أية شركة من اختراق هذا السوق (سوق شامبوهات الأطفال) حتى الآن، وبقي مسيطراً عليه من قِبل جونسون آند جونسون لعقود.

 

إن المواءمة الثقافية تتطلب من الكاتب الإعلاني العربي فهماً جيداً للغةٍ أجنبية

(الإنجليزية في العادة)، مع فهمٍ عميق للثقافة المحلية التي يخاطبها النص الإعلاني المنقول.






 



 المزيج السحري الذي يصنع كاتباً إعلانياً متميزاً مُكوَّن من حب اللغة وفهم طبيعة التسويق والأعمال التجارية إضافةً إلى الاطلاع الواسع؛ فالكتابة الإعلانية مثلها مثل أي فرع آخر من الكتابة، لا تحتاج إلا إلى ملَكة الإبداع، وشيء من أدوات التمكن اللغوي، وكثير من القراءة والاطلاع وفهم الثقافة.


 ملاحظة:

هذا المقال تمت إعادة صياغته وتلخيصه من لقاء أجرته أ. خلود العيدان من القسم الثقافي في صحيفة الجزيرة السعودية، بعنوان: "الكاتب الإعلاني الجندي المجهول خالد السالم لـلثقافية:ما السر خلف أشهر العبارات الإعلانية التي نحفظها عن ظهر قلب". الجزيرة الثقافية، عدد رقم 406، الخميس 16 مايو 2013م.

 

الرابط:اضغط هنا

http://www.al-jazirah.com/culture/2013/16052013/hauar32.htm

 

Join