مروضوا النار والآلة
في سعي البشر الدائم الى الرخاء
في السابق كان الانسان، "المخلوق العاقل الوحيد على وجه البسيطة" إذا اراد ان ينجز مهمه معينة استعان بقدراته الجسمانية عليها، كأن يصطاد فريسة مثلا، او يصنع ادواتٍ بدائية للدفاع عن نفسه، كان في صراع دائم للبقاء. لكن ومع مرور الوقت ارتأى لذلك المخلوق المتجول في الغابات أن الاستقرار مع الجماعة والاستعانة بهم ضرورة ملحة لبقاء نوعه واستمرار نسله.
بدى وكأن كل شيء كان يحيط بهم في تلك العصور الغابرة بمثابة اكتشاف جديد، فكانوا يجمعون الحصى ويعلّمون على الاشجار ويطلقون الأسماء على كل جديد ويطلون جدران الكهوف برسومات تعكس صوراً من واقعهم الذي كانوا يعيشون فيه.
ثم تحكموا بالنار، فتمكنوا من الخروج الى العراء وبين أيديهم اكتشاف اشبه بالسحر، ضوء ينير لك عتمة الليل الحالكة وينبذ عنك الوحوش ويملئ جسمك دفئا، وبطنك لحما طريا مطبوخا!!!
فهرعوا الى بناء القرى لأول مرة ثم نظروا الى السماء فقرأوا النجوم، التي كشفت لهم عن اسرارها فعرفوا متى تهاجر القطعان ومتى تنبت المحاصيل، فهجنوا الأنعام واستزرعوا الفدان، وما لبثوا ان يوثقوا اعداد المحاصيل المتزايدة فخطوا القلم وبدأوا يكتبون، فاستحالت بعد ذلك القرى مدنا، وأصبح لكل فرد دور يقوم به في المجتمع، المجتمع الانساني الذي صار منظومة تعتمد على الكل بدلا من الفرد.
وبعد اختراع الكتابة، بدأ تأريخ الأحداث وتوثيقها وانتقلت الكلمة من جيل الى جيل مما ادى الى اختراع عجلة جديدة يبنى عليها حضارة حقيقية …
بعد هذه اللمحة التاريخية المختصرة نجد ان كل تحول في الحضارة الانسانية كان في اتجاه مزيد من الرخاءِ في كل شيء، على صعيده الجسمي والروحي والفكري
ولم يكن ذلك حكرا على العصور السابقة فقط بل إن أكبر التحولات قد حصلت في عصرنا الحديث، وكانت بدايتها بالثورة الصناعية الأولى. وتسمى ايضا بثورة المكننة حيث تم اختراع اول محرك بخاري في بريطانيا في القرن الثامن عشر.
استبدلت المكينة آنذاك وسيلة استخدمها الانسان لقرون، وهو الحصان… المخلوق الذي سدل الستار بين الحضارات المنعزلة ووسّع رقعة الاتصال بينهم ويسّر التنقل والتجارة، والحروب المنظمة أيضا. ثم أحدث اختراع المحرك نقلة أكبر، ومهد لعصر جديد في سبل الصناعة والتجارة والمواصلات.
ومن الشواهد اللطيفة انه لا زلنا الى اليوم نقيس قدرة المحرك بقوة الحصان! وقد ظهر مجال الهندسة الميكانيكية بشكله الحالي خلال الثورة الصناعية الأولى.
في الحقيقه قبل الثورة الصناعية كانت هناك ثورة علمية زلزلت وعي البشرية بدايتاً بكوبيرنيكوس وغاليليو غاللي وغيرهم من العمالقة.. وما الثورة الصناعية الا نتيجة حتمية لتطور تلك العلوم
في منتصف القرن التاسع عشر تفجرت الثورة الصناعية الثانية على يد هنري بسمر بطريقته المبتكرة في تصنيع الصلب وهنري فورد وخطوط الانتاج الضخمة التي ساهمت بشكل كبير في خفض التكلفة وزيادة كفاءة التصنيع. وما يميز تلك الحقبة انها أحدثت تغييرا جذريا في نمط الحياة، حيث أصبحت السلع الأساسية متوفرة للعامة مما أدى لتمدنهم، وذلك لأنهم اصبحوا يعيرون لما كان ينظر على انها كماليات وسلع الطبقات المخملية اهتماما اكبر، واتحدث هنا عن التعليم والفنون والثقافة وجودة المعيشة.