المزة بساتين.. أرضُ طفولتي


مررتُ قبل أيام من تلك المنطقة، كلُّ ما رأيته أرضٌ مثل صفحة دفترٍ فارغ، طوت الأرضُ قريتي الصغيرة مثل كتاب، وأكلتْ البيوتَ الصغيرةَ الدافئة التي كانت على أطراف الطريق، ولكنها لم تطلها في الذاكرة.

تلك الأرضُ التي قضيتُ فيها طفولتي، وهدموها لأنها بيوت عشوائية، وتركوها صحراء، على أمل أن تصبح أبراجاً حضارية يوماً ما.

المزَّة بساتين، أرضُ الطفولة.

إليكم صور من المزَّة بساتين.. أرض طفولتي، ما زالت تعبق بها الذاكرة.


أرضُ الصبار:

اشتهرت بساتين المزة بالصبار (التين الشوكي)، وهو فاكهة شوكية لذيذة.

عملَ بزراعته، وقطفه، وبيعه أكثر من نصف أهل المزة.

وأذكرُ أنَّ في موسم بيع الصبار لا أرى أبي إلا قليلاً.

صناعة الحِبال:

عملَ جدي وجدتي بصناعة الحبال، وكان هذا عمل الكثيرين من أهالي المزة قبل التسعينات، وقرأتُ في كتاب “تاريخ المزة و آثارها وفيه المعزة فيما قيل في المزة” أنَّ الحبال التي كانت تصنع في المزة بساتين تصدر إلى الصين وفرنسا.

كانت تسمَّى بين سكان المنطقة مهنة “ البُلغة”.

زراعة الورد:

لا تغيبُ صورةُ البساتين المليئة بالورد التي كانت في منطقتي، وكنا نلعب في تلك البساتين، ورائحة الورد تغمرنا.

ومما قرأته في كتاب تاريخ المزة:

“كان من يمر في الشارع الرئيس للمزة ترافقه رائحة العطر كيلومترات”، وكانت أزهارها تصدر إلى فرنسا وغيرها لصناعة العطور.

مجرى النهر الديراني:

كان يمر النهر الديراني، وهو أحد فروع نهر بردى، من كل مكان في المزة بساتين، ولذلك كثرت فيها الزراعة، والتفت فيها الأشجار.

أرض الصحابة الكرام:

سكن في المزة الصحابي دحية الكلبي، وقبره موجود فيها. وسكن فيها الصحابي أسامة بن زيد، وفي المزة مسجدٌ باسمه.

وهي قرية الحافظ المزي تلميذ ابن تيمية ومؤلف تهذيب الكمال. قال عنها ابن بطوطة: (وهي من أعظم قرى دمشق. بها جامع كبير عجيب، وسقاية معينة)

وقال عنها ابن جبير: (قرية كبيرة، هي من أحسن القرى).

عشتُ على أرضِ المِزَّة سنوات طويلة، وكانت أرضُ أجدادي، نعرفُ أهلها الطيبين ويعرفوننا، وكأنها قرية صغيرة وسط العاصمة دمشق.

لا يمكن أن تعبر حاراتها دون أن تحمل سلاماً من الأهل والجيران.


Join