واقعة مكة
سُجل محضر من الحجاز إلى القاهرة والتهمة كانت القبض على مجموعة من الأشخاص متلبسين وهم يشربون "القهوة" بجوار الحرم!
وعلى أثر هذه الواقعة عُقد اجتماع طارئ لمناقشة هذا الشراب الجديد القادم من أرض اليمن. تضمن الاجتماع والي الحجاز الباشا (خاير بك) وقضاة الإسلام وثلة من علماء الانام ممن اتصفوا بالزهد والورع والدين ممن يقتدى بقولهم وفعلهم مثل قاضي القضاة (صلاح الدين الشافعي) والقاضي (نجم الدين المالكي).
توصل العلماء في نقاشهم إلى أن الإشكال يكمن في ما يصاحب القهوة من مظاهر كالخمارات (بيوت القهوة)، حيث يجتمع فيها الرجال والنساء وينتشر فيها لعب القمار والرهان. أما الحب المسمى بالبن فحكمه حكم النباتات والأصل فيه الإباحة لقوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعا}.
قرر العلماء ترك القول الفصل إلى الأطباء لينظروا في ضرر القهوة على البدن و العقل. حضر الطبيبين (نور الدين الكازروني) وأخوه (علاء الدين الكازروني) وكان الحكم كالتالي: "قشر البن يابس مفسد للبدن المعتدل". وتبعًا لذلك أصدر الوالي بتحريم "تعاطي القهوة" بمكة ونواحيها وطرقها.
ظلت القهوة منذ ذلك الحين محل خلاف وجدال بين الأنصار المعارضين لأكثر من عقدين من الزمن، غير أن عشاق البن من الشعراء لم يبرحوا صامتين فأخذوا بشحذ قرائحهم وكتبوا القصائد في سبيل الدفاع عن محبوبتهم، قال أحدهم:
إن أقواماً تعدوا والبلا منهم تأتي
حرموا القهوة عمداً قد رووا إفكًا وبهتا
إن سألت النص قالوا إن عبد الحق أفتى
والطريف بالذكر هنا أن من سوء حظ هذا المشروب الجديد أن أطلق عليه اسم (القهوة) التي كانت من أسماء الخمر عند العرب ففي معجم لسان العرب أورد معنى القهوة:
الخمر، وسميت بذلك لأنها تقهي شاربها عن الطعام، أي تذهب بشهواته.
أما اليوم فقد انتصرت حبة البن برحلتها الشيقة حيث أصبحت مشروب الضيافة الأول في أغلب الدول العربية وجزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا العربية.