السعودية الدولة الناشئة
الرؤية الواعدة للأمير محمد هي الأمل الوحيد حاليا للنهوض بالعرب لمستقبل أكثر استقرارا ورخاءا
الرؤية الاقتصادية الجديدة للسعودية غيرت الكثير من المعتقدات التي كنا نعتقدها عن أنفسنا. فقد سهلت الطريق لأن نرى مستقبل اقتصادي متنوع وواضح. لن أخفي عليكم أنني كأي شخص محب لوطنه، كنت قلقا على مستقبل السعودية الاقتصادي. فكنت اقرأ التقارير الاقتصادية المختلفة عن إنتهاء عصر النفط وكيف أن الاعتماد عليه أصبح غير مجدي. كل هذه التقارير المزعجة دفعتني لأخذ محاضرات في اقتصاديات الطاقة، رغم أنني لست متخصصا بهذا المجال، لكن فقط لأستطيع أن أجيب على بعض الأسئلة التي كانت تراودني. في عام ٢٠١٣ توقعت أننا على مشارف يونان أخرى، فقد كانت مصاريفنا أكثر من انتاجنا الحقيقي. كانت فترة مخيفة لأننا لا نملك خطة لمستقبلنا. كل ذلك تغير عبر الرؤية حيث جسدت رغبتنا في استغلال قدراتنا الاقتصادية وتوجيهها بالشكل الأمثل. بل أن الرؤية تفاجأنا بمشاريع مبتكرة لم نكن لنتخيلها كمشاريع الجزر الشاطئية، المدن الترفيهية، والاستثمار في الشركات التقنية الواعدة.
الرؤية تؤسس لدولة حديثة تسعى لأهداف اقتصادية واعدة
أحب أن أسمي السعودية دولة ناشئة في الفترة الحالية، فالنمو المستقبلي المتوقع، سيجعل الوضع الحالي ناشئ. أن الحديث عن الصعوبات التي قد تواجه شركة ناشئة هي كبيرة بدون شك، فتحتاج الشركة أن تبتكر منتجات، تبحث عن سوق، تؤهل كوادر، تدير فريقا من عدة أشخاص، فما بالك بالحديث عن دولة ناشئة اقتصاديا يقطنها ملايين الأشخاص تتقاطع فيها الكثير من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والدولية المعقدة. فقرار عمالي قد يؤثر بشكل سلبي أو إيجابي مع قرار آخر. هناك الكثير من النجاحات والصعوبات والإخفاقات التي ستواجهنا دون شك في مسيرة الرؤية ولكننا في الاتجاه الصحيح.
في هذا المقال، سأستعرض رأيي في العديد من الجوانب التي أراها قد تكون إضافة للجهود الحالية للوصول للهدف المنشود.
أساس قوي لنهضة لتنافسية:
وجود البترول بكميات وفيرة في السعودية أعطى الدولة فرصا اقتصادية كان من الصعب تحقيقها في فترة وجيزة فضلا على القوة السياسية التي جاءت موازية لهذه القوة المالية. استمرارية هذه الميزة التنافسية غير معروف خاصة مع التطور الكبير في تقنيات الطاقة ودخول العديد من الدول في خانة الدول المصدرة للنفط. لذلك كانت الرؤية الإقتصادية التي تبناها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الإجراء المناسب.
السعودية تملك عناصر النجاح للوصول للهدف الذي يسعى له الأمير الأمل. حيث تمتلك قوة بشرية شابة متعلمة نسبيا، موارد طبيعية تمكنها من الانطلاق ، وفرة مالية داعمة، وتأثير سياسي ناتج من ثلاثة محاور وهي موقع المملكة العربي الإسلامي، ضماناتها لطاقة العالم، وشبكة استثماراتها العالمية. العالم السياسي لا يعرف الإ قوة المال أو الإقتصاد واستثمار السعودية في الأسواق العالمية في السنتين السابقة، سيجعل موقعها قويا خلال عشر سنين.
ثلاث مراحل للنمو اقتصاديا:
لأي تجمع بشري مدني هناك ثلاث مراحل للنمو الاقتصادي وهي كالتالي:
المرحلة الأولى: في هذه المرحلة يكون هناك فرصا اقتصادية محلية مبدئية تعتمد على تقديم الخدمات داخل المجتمع وتساعد في إبقاء صرف الأموال داخل سوقها المحلي. في الحالة السعودية تتمثل هذه المرحلة في مبادرات هيئة الترفية.فبدلا أن يصرف الفرد السعودي أمواله لمشاهدة فيلم في دبي، فبإمكانه صرف هذه الأموال داخل السوق المحلي. أيضا، مشاريع التقنية المحلية المنتشرة مؤخرا التي توصل الطعام، تضمن أن جزءا من أرباح المطاعم تبقى في السوق المحلي، بدلا من ذهابها لشركات السليكون فالي. هذه الفرص في العادة قد لا تتطلب مهارات عالية وفي الغالب تتواجد بالسوق المحلي وقد تحتاج لبعض التدريب.
المرحلة الثانية: في هذه المرحلة يكون هناك فرصا اقتصادية محلية تعتمد على ثروات طبيعية غير ابتكارية . وهذه الفرص، لحسن الحظ، تزخر بها المملكة. وأمثلة ذلك هي مشروع جزر البحر الأحمر، مشاريع النفط والبتروكيماويات،مشاريع التعدين، مشاريع تصدير البن والتمر، وموقع السعودية الجغرافي في الربط بين القارات. فهذه المشاريع تستغل قدرات لم نبتكرها، وإنما لوجودها بالسعودية طبيعيا. هذه الفرص لا تجعل الدول دولاً صناعية من الدرجة الأولى ولكنها داعمة لذلك و تدر أموالا جيدة ووظائف نوعية جيدة. في منطقتنا العربية، تشكل دبي مثالا ناجحا لذلك حيث استطاعت استغلال ميزتها السياحية النسبية في جذب السياح ورؤس الأموال. باعتقادي بأن السعودية ستستغل كافة هذه الفرص خلال ١٠ سنوات بشكل ممتاز. هذه الفرص تحتاج مهارات متوسطة لمهارات تخصصية دقيقة.
المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة يكون هناك فرصا اقتصادية محلية تعتمد على ابتكار الإنسان مستغلة الثروات الإقتصادية للبلد. ومثال ذلك الصناعات التقنية الدقيقة والتطبيقات البرمجية العابرة للحدود. وهذه الفرص يجب أن تكون هدف السعودية الاقتصادي، لأنها ستساعدها في التصدير، جلب الدولار، وحل مشكلة البطالة الخاصة بالسعودية عبر توفير وظائف ذات دخل عالي. لكن هذه الفرص تحتاج جامعات ومعاهد تدريب عالية لتوفير مهارات متخصصة و دقيقة.
لبناء مجتمع اقتصادي، أو مدينة متطورة اقتصاديا، قد يتطلب ذلك تطبيق هذه المراحل السابقة بالترتيب. فمن الصعب تطبيق المرحلة الثالثة ولم يتم تطبيق المرحلة الأولى والثانية. فمثلا، لكي تتطور الطائف اقتصاديا، يتطلب من سكانها توفير خدمات أساسية لبعضهم البعض لتدوير الأموال بينهم (المرحلة الاقتصادية الأولى). وقد يرغبون في تصدير الورد الطائفي كمادة خام أو مواد تجميل (المرحلة الاقتصادية الثانية). وقد تتعاون جامعة الطائف مع شركة محلية في تطوير مصل مستخلص بتقنية ابتكارية من الورد الطائفي للتصدير بأسعار عالية مما يخلق دخل عالي لشركات التجميل المحلية. هذا قد يحفز شركات صناعية في تطوير الآلات مبتكرة لقطف الورد بطريقة أسرع وبيعها لتجار الطائف والعالم (المرحلة الاقتصادية الثالثة). يتضاعف قوة اقتصاد مدينة الطائف لو استثمرت قدراتها الأخرى في الرمان، البن، وابتكارات أبنائها التقنية.
السعودية أولا:
الأنظمة والاتفاقيات الاقتصادية الدولية وجدت لدول ناضجة اقتصاديا وترغب في حماية مصالحها عبر هذه الاتفاقيات لذلك ليس لزاما على السعودية أن تلتزم بهذه الإتفاقيات وأن تختار ما يناسب كل مرحلة نمو اقتصادي تمر بها ويحقق عائدا اقتصادي لها. ليس هناك دولة نمت اقتصاديا التزمت بجميع الاتفاقيات التجارية الدولية وما يحدث بين أمريكا وبعض الدول أفضل مثال على حماية المصالح التجارية بغض النظر عن الأطر العام للاتفاقيات الدولية.
نختار ما يناسبنا من اتفاقيات دولية لكل مرحلة اقتصادية
أرى أيضا أنه لا مانع من منع الإستيراد لبعض السلع الغير حيوية و يمكننا الاعتماد على قدراتنا الاقتصادية لصناعتها. قد يتضرر المستهلك في المرحلة الأولية ولكنها تفيد اقتصاده لاحقا وتزيد من ثراءه. يجب تقييم المنتجات التي يمكن منع استيرادها بالتوازي مع الميزان التجاري وقدراتنا الاقتصادية التي تجعلنا مستقلين بأقل ضرر.
شركات سعودية عابرة للحدود:
وجود الشركات الضخمة هي من إحدى برامج الرؤية وبدون شك هي مبادرة مهمة للاقتصاد المحلي فضلا عن كونها مفيدة للشركات الخاصة. الشركات التي تصدر منتجاتها للخارج تبني الخبرات التي نحتاجها بالأسواق العالمية،وتزيد من قيمة الصادرات وداعم كبير للشركات الصغيرة المحلية. فهي مكون مهم للاقتصاد ومكمل للشركات الصغيرة حيث تحتاجها للنمو بشكل أكبر. فمثلا، لنفترض أن شركة محلية صغيرة تصنع منتجات غذائية مميزة، هذه الشركة قد تحتاج لعشر سنوات لتستطيع النمو في العديد من الأسواق الدولية. ولكن لو تم شراء هذه الشركة من قبل شركة سعودية عابرة للحدود، لكان بالإمكان نقل منتجات هذه الشركة الصغيرة لدول عديدة في مدة زمنية أقصر واستفاد الاقتصاد المحلي من زيادة انتاج هذه الشركة.
لدي ملاحظتين على الشركات المحلية وبعض رجال الأعمال السعوديين. فالأولى هي انتظارهم للكثير واللامنطقي أحيانا من الدعم الحكومي ويتجنبون المخاطرة في دخول مجالات اقتصادية مبتكرة. أما الثانية فهي أن هناك بعض الشركات المحلية التي لديها القدرة على التصدير الخارجي للأسواق العالمية ولسبب أو آخر، لا نجد لديها الحافز على النمو خارج الأسواق المحلية. قد يكون عدم وجود ضرائب على الدخل أو الهامش الكبير للربح سببا للاسترخاء.لذلك يجب على الحكومة دراسة منتجات هذه الشركات وإلزامها على ووضع خطط للتصدير. يجب دعم هذه الشركات بكوادر تساعدها على المنافسة وفهم الأسواق العالمية.
في الفترة الأولية، قد نحتاج كسب خبرة التصنيع في مجالات مختلفة قبل التوجه مباشرة للمستهلك العالمي تحت أسماء علامات تجارية سعودية، لذلك قد تكون استراتيجيات بعض الدول كالهند وتونس في توفير صناعتها للعلامات التجارية الخاصة بشركات التجزئة الأمريكيةالكبرى مناسبة لنا.
نقل المعرفة:
اسمع كثيرا هذا المصطلح في الإعتماد على هذه الفكرة. منطقيا ليس هناك دولة أو شركة ترغب في نقل ما توصلت له لدولة أو شركة أخرى خاصة إذا كانت هذه المعرفة مصدرا للدخل. فكرة الاستحواذ على شركات معينة ونقل تقنيتها قد لا يكون ممكنا أيضا. تجارب الشركات الآسيوية مثلا جيدا على المصاعب التي واجهتها من الشركات الغربية في نقل التقنية. أيضا، بعض شركاتنا المحلية الحكومية واجهت عقبات مشابهة في ذلك. إذا ما العمل لنقل التقنية والمعارف؟ لدينا طريقتين مكلفتين، إحداها مستدامة والأخرى غير ذلك. الأولى: الترجمة وإرسال الطلاب لتعلم العلوم التي نحتاجها. قد يستغرق وقتا طويلا للحصول على نتائج ولكنه خيار مستدام. الثاني: جذب المتقاعدين الذين عملوا في الجامعات أو الشركات العالمية والإستفادة من خبراتهم. البعض منهم توقف عن العمل ولكنهم قادرين على العمل لفترات قصيرة ولديه القدرة على نقل خبراته إذا كان العائد مجزيا. المزعج في هذا الخيار أنه غير مستدام ومكلف.
يجب أن نتقبل أننا نبني جيل يتعلم يحتاج بعض الوقت للإنتاج الإبداعي وكسب الخبرة. لكن لحين ذلك الوقت، لدينا بعض المال الذي سيمكننا في سد الخلل لحين نكون جاهزين للعمل من أنفسنا. عدد الكتب المترجمة سنويا وعدد المبتعثين يجب أن يكونا هدفان ومعياران وطنيان لمعرفة مدى تقدمنا في هذا المجال.:
التقنية وحدها ليست كافية :
هناك العديد من المبادرات الحكومية الداعمة لريادة الأعمال في الجانب التقني وهذه المبادرات بدون شك مهمة وإيجابية للاقتصاد ولكنها لا تكفي لأن التقنية مجرد أداة مسهلة للكثير من القطاعات الإقتصادية الأخرى. فما الفائدة من تطبيق "حصيل" إذا لم يكن لدينا إنتاج زراعي متطور. و مالفائدة الإقتصادية الحقيقية لوطننا إذا سهلنا التجارة الإلكترونية وأغلب المنتجات المباعة من خلال هذه المتاجر في منتجات من دول أخرى. تحتاج المبادرات الحكومية التركيز على كلا الجانبين وتطورهم معا. نجاحنا النسبي التقني كان سريعا لسهولة تنفيذ العديد من المنتجات السوفت وير(Software) ولكننا تقريبا لم نشاهد منتجات تقنية ملموسة (Hardware) لحد الآن.
الاقتصاد لا يعرف سعودي أو غير سعودي: