السعودية الدولة الناشئة

الرؤية الواعدة للأمير محمد هي الأمل الوحيد حاليا للنهوض بالعرب لمستقبل أكثر استقرارا ورخاءا

الرؤية الاقتصادية الجديدة للسعودية غيرت الكثير من المعتقدات التي كنا نعتقدها عن أنفسنا. فقد سهلت الطريق لأن نرى مستقبل اقتصادي متنوع وواضح. لن أخفي عليكم أنني كأي شخص محب لوطنه، كنت قلقا على مستقبل السعودية الاقتصادي. فكنت اقرأ التقارير الاقتصادية المختلفة عن إنتهاء عصر النفط وكيف أن الاعتماد عليه أصبح غير مجدي. كل هذه التقارير المزعجة دفعتني لأخذ محاضرات في اقتصاديات الطاقة، رغم أنني لست متخصصا بهذا المجال، لكن فقط لأستطيع أن أجيب على بعض الأسئلة التي كانت تراودني. في عام ٢٠١٣ توقعت أننا على مشارف يونان أخرى، فقد كانت مصاريفنا أكثر من انتاجنا الحقيقي. كانت فترة مخيفة لأننا لا نملك خطة لمستقبلنا. كل ذلك تغير عبر الرؤية حيث جسدت رغبتنا في استغلال قدراتنا الاقتصادية وتوجيهها بالشكل الأمثل. بل أن الرؤية تفاجأنا بمشاريع مبتكرة لم نكن لنتخيلها كمشاريع الجزر الشاطئية، المدن الترفيهية، والاستثمار في الشركات التقنية الواعدة.

الرؤية تؤسس لدولة حديثة تسعى لأهداف اقتصادية واعدة

أحب أن أسمي السعودية دولة ناشئة في الفترة الحالية، فالنمو المستقبلي المتوقع، سيجعل الوضع الحالي ناشئ. أن الحديث عن الصعوبات التي قد تواجه شركة ناشئة هي كبيرة بدون شك، فتحتاج الشركة أن تبتكر منتجات، تبحث عن سوق، تؤهل كوادر، تدير فريقا من عدة أشخاص، فما بالك بالحديث عن دولة ناشئة اقتصاديا يقطنها ملايين الأشخاص تتقاطع فيها الكثير من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والدولية المعقدة. فقرار عمالي قد يؤثر بشكل سلبي أو إيجابي مع قرار آخر. هناك الكثير من النجاحات والصعوبات والإخفاقات التي ستواجهنا دون شك في مسيرة الرؤية ولكننا في الاتجاه الصحيح.


في هذا المقال، سأستعرض رأيي في العديد من الجوانب التي أراها قد تكون إضافة للجهود الحالية للوصول للهدف المنشود.

أساس قوي لنهضة لتنافسية:

وجود البترول بكميات وفيرة في السعودية أعطى الدولة فرصا اقتصادية كان من الصعب تحقيقها في فترة وجيزة فضلا على القوة السياسية التي جاءت موازية لهذه القوة المالية. استمرارية هذه الميزة التنافسية غير معروف خاصة مع التطور الكبير في تقنيات الطاقة ودخول العديد من الدول في خانة الدول المصدرة للنفط. لذلك كانت الرؤية الإقتصادية التي تبناها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الإجراء المناسب.

السعودية تملك عناصر النجاح للوصول للهدف الذي يسعى له الأمير الأمل. حيث تمتلك قوة بشرية شابة متعلمة نسبيا، موارد طبيعية تمكنها من الانطلاق ، وفرة مالية داعمة، وتأثير سياسي ناتج من ثلاثة محاور وهي موقع المملكة العربي الإسلامي، ضماناتها لطاقة العالم، وشبكة استثماراتها العالمية. العالم السياسي لا يعرف الإ قوة المال أو الإقتصاد واستثمار السعودية في الأسواق العالمية في السنتين السابقة، سيجعل موقعها قويا خلال عشر سنين.


ثلاث مراحل للنمو اقتصاديا:

لأي تجمع بشري مدني هناك ثلاث مراحل للنمو الاقتصادي وهي كالتالي:


المرحلة الأولى: في هذه المرحلة يكون هناك فرصا اقتصادية محلية مبدئية تعتمد على تقديم الخدمات داخل المجتمع وتساعد في إبقاء صرف الأموال داخل سوقها المحلي. في الحالة السعودية تتمثل هذه المرحلة في مبادرات هيئة الترفية.فبدلا أن يصرف الفرد السعودي أمواله لمشاهدة فيلم في دبي، فبإمكانه صرف هذه الأموال داخل السوق المحلي. أيضا، مشاريع التقنية المحلية المنتشرة مؤخرا التي توصل الطعام، تضمن أن جزءا من أرباح المطاعم تبقى في السوق المحلي، بدلا من ذهابها لشركات السليكون فالي. هذه الفرص في العادة قد لا تتطلب مهارات عالية وفي الغالب تتواجد بالسوق المحلي وقد تحتاج لبعض التدريب.


المرحلة الثانية: في هذه المرحلة يكون هناك فرصا اقتصادية محلية تعتمد على ثروات طبيعية غير ابتكارية . وهذه الفرص، لحسن الحظ، تزخر بها المملكة. وأمثلة ذلك هي مشروع جزر البحر الأحمر، مشاريع النفط والبتروكيماويات،مشاريع التعدين، مشاريع تصدير البن والتمر، وموقع السعودية الجغرافي في الربط بين القارات. فهذه المشاريع تستغل قدرات لم نبتكرها، وإنما لوجودها بالسعودية طبيعيا. هذه الفرص لا تجعل الدول دولاً صناعية من الدرجة الأولى ولكنها داعمة لذلك و تدر أموالا جيدة ووظائف نوعية جيدة. في منطقتنا العربية، تشكل دبي مثالا ناجحا لذلك حيث استطاعت استغلال ميزتها السياحية النسبية في جذب السياح ورؤس الأموال. باعتقادي بأن السعودية ستستغل كافة هذه الفرص خلال ١٠ سنوات بشكل ممتاز. هذه الفرص تحتاج مهارات متوسطة لمهارات تخصصية دقيقة.


المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة يكون هناك فرصا اقتصادية محلية تعتمد على ابتكار الإنسان مستغلة الثروات الإقتصادية للبلد. ومثال ذلك الصناعات التقنية الدقيقة والتطبيقات البرمجية العابرة للحدود. وهذه الفرص يجب أن تكون هدف السعودية الاقتصادي، لأنها ستساعدها في التصدير، جلب الدولار، وحل مشكلة البطالة الخاصة بالسعودية عبر توفير وظائف ذات دخل عالي. لكن هذه الفرص تحتاج جامعات ومعاهد تدريب عالية لتوفير مهارات متخصصة و دقيقة.


لبناء مجتمع اقتصادي، أو مدينة متطورة اقتصاديا، قد يتطلب ذلك تطبيق هذه المراحل السابقة بالترتيب. فمن الصعب تطبيق المرحلة الثالثة ولم يتم تطبيق المرحلة الأولى والثانية. فمثلا، لكي تتطور الطائف اقتصاديا، يتطلب من سكانها توفير خدمات أساسية لبعضهم البعض لتدوير الأموال بينهم (المرحلة الاقتصادية الأولى). وقد يرغبون في تصدير الورد الطائفي كمادة خام أو مواد تجميل (المرحلة الاقتصادية الثانية). وقد تتعاون جامعة الطائف مع شركة محلية في تطوير مصل مستخلص بتقنية ابتكارية من الورد الطائفي للتصدير بأسعار عالية مما يخلق دخل عالي لشركات التجميل المحلية. هذا قد يحفز شركات صناعية في تطوير الآلات مبتكرة لقطف الورد بطريقة أسرع وبيعها لتجار الطائف والعالم (المرحلة الاقتصادية الثالثة). يتضاعف قوة اقتصاد مدينة الطائف لو استثمرت قدراتها الأخرى في الرمان، البن، وابتكارات أبنائها التقنية.

السعودية أولا:

الأنظمة والاتفاقيات الاقتصادية الدولية وجدت لدول ناضجة اقتصاديا وترغب في حماية مصالحها عبر هذه الاتفاقيات لذلك ليس لزاما على السعودية أن تلتزم بهذه الإتفاقيات وأن تختار ما يناسب كل مرحلة نمو اقتصادي تمر بها ويحقق عائدا اقتصادي لها. ليس هناك دولة نمت اقتصاديا التزمت بجميع الاتفاقيات التجارية الدولية وما يحدث بين أمريكا وبعض الدول أفضل مثال على حماية المصالح التجارية بغض النظر عن الأطر العام للاتفاقيات الدولية.

نختار ما يناسبنا من اتفاقيات دولية لكل مرحلة اقتصادية

أرى أيضا أنه لا مانع من منع الإستيراد لبعض السلع الغير حيوية و يمكننا الاعتماد على قدراتنا الاقتصادية لصناعتها. قد يتضرر المستهلك في المرحلة الأولية ولكنها تفيد اقتصاده لاحقا وتزيد من ثراءه. يجب تقييم المنتجات التي يمكن منع استيرادها بالتوازي مع الميزان التجاري وقدراتنا الاقتصادية التي تجعلنا مستقلين بأقل ضرر.

شركات سعودية عابرة للحدود:

وجود الشركات الضخمة هي من إحدى برامج الرؤية وبدون شك هي مبادرة مهمة للاقتصاد المحلي فضلا عن كونها مفيدة للشركات الخاصة. الشركات التي تصدر منتجاتها للخارج تبني الخبرات التي نحتاجها بالأسواق العالمية،وتزيد من قيمة الصادرات وداعم كبير للشركات الصغيرة المحلية. فهي مكون مهم للاقتصاد ومكمل للشركات الصغيرة حيث تحتاجها للنمو بشكل أكبر. فمثلا، لنفترض أن شركة محلية صغيرة تصنع منتجات غذائية مميزة، هذه الشركة قد تحتاج لعشر سنوات لتستطيع النمو في العديد من الأسواق الدولية. ولكن لو تم شراء هذه الشركة من قبل شركة سعودية عابرة للحدود، لكان بالإمكان نقل منتجات هذه الشركة الصغيرة لدول عديدة في مدة زمنية أقصر واستفاد الاقتصاد المحلي من زيادة انتاج هذه الشركة.

لدي ملاحظتين على الشركات المحلية وبعض رجال الأعمال السعوديين. فالأولى هي انتظارهم للكثير واللامنطقي أحيانا من الدعم الحكومي ويتجنبون المخاطرة في دخول مجالات اقتصادية مبتكرة. أما الثانية فهي أن هناك بعض الشركات المحلية التي لديها القدرة على التصدير الخارجي للأسواق العالمية ولسبب أو آخر، لا نجد لديها الحافز على النمو خارج الأسواق المحلية. قد يكون عدم وجود ضرائب على الدخل أو الهامش الكبير للربح سببا للاسترخاء.لذلك يجب على الحكومة دراسة منتجات هذه الشركات وإلزامها على ووضع خطط للتصدير. يجب دعم هذه الشركات بكوادر تساعدها على المنافسة وفهم الأسواق العالمية.

في الفترة الأولية، قد نحتاج كسب خبرة التصنيع في مجالات مختلفة قبل التوجه مباشرة للمستهلك العالمي تحت أسماء علامات تجارية سعودية، لذلك قد تكون استراتيجيات بعض الدول كالهند وتونس في توفير صناعتها للعلامات التجارية الخاصة بشركات التجزئة الأمريكيةالكبرى مناسبة لنا.

نقل المعرفة:

اسمع كثيرا هذا المصطلح في الإعتماد على هذه الفكرة. منطقيا ليس هناك دولة أو شركة ترغب في نقل ما توصلت له لدولة أو شركة أخرى خاصة إذا كانت هذه المعرفة مصدرا للدخل. فكرة الاستحواذ على شركات معينة ونقل تقنيتها قد لا يكون ممكنا أيضا. تجارب الشركات الآسيوية مثلا جيدا على المصاعب التي واجهتها من الشركات الغربية في نقل التقنية. أيضا، بعض شركاتنا المحلية الحكومية واجهت عقبات مشابهة في ذلك. إذا ما العمل لنقل التقنية والمعارف؟ لدينا طريقتين مكلفتين، إحداها مستدامة والأخرى غير ذلك. الأولى: الترجمة وإرسال الطلاب لتعلم العلوم التي نحتاجها. قد يستغرق وقتا طويلا للحصول على نتائج ولكنه خيار مستدام. الثاني: جذب المتقاعدين الذين عملوا في الجامعات أو الشركات العالمية والإستفادة من خبراتهم. البعض منهم توقف عن العمل ولكنهم قادرين على العمل لفترات قصيرة ولديه القدرة على نقل خبراته إذا كان العائد مجزيا. المزعج في هذا الخيار أنه غير مستدام ومكلف.

يجب أن نتقبل أننا نبني جيل يتعلم يحتاج بعض الوقت للإنتاج الإبداعي وكسب الخبرة. لكن لحين ذلك الوقت، لدينا بعض المال الذي سيمكننا في سد الخلل لحين نكون جاهزين للعمل من أنفسنا. عدد الكتب المترجمة سنويا وعدد المبتعثين يجب أن يكونا هدفان ومعياران وطنيان لمعرفة مدى تقدمنا في هذا المجال.:


التقنية وحدها ليست كافية :

هناك العديد من المبادرات الحكومية الداعمة لريادة الأعمال في الجانب التقني وهذه المبادرات بدون شك مهمة وإيجابية للاقتصاد ولكنها لا تكفي لأن التقنية مجرد أداة مسهلة للكثير من القطاعات الإقتصادية الأخرى. فما الفائدة من تطبيق "حصيل" إذا لم يكن لدينا إنتاج زراعي متطور. و مالفائدة الإقتصادية الحقيقية لوطننا إذا سهلنا التجارة الإلكترونية وأغلب المنتجات المباعة من خلال هذه المتاجر في منتجات من دول أخرى. تحتاج المبادرات الحكومية التركيز على كلا الجانبين وتطورهم معا. نجاحنا النسبي التقني كان سريعا لسهولة تنفيذ العديد من المنتجات السوفت وير(Software) ولكننا تقريبا لم نشاهد منتجات تقنية ملموسة (Hardware) لحد الآن.


الاقتصاد لا يعرف سعودي أو غير سعودي:

بدون أدنى شك، توظيف السعودي هو خطوة مستدامة في الطريق الصحيح لإقتصادنا المحلي ويجب أن نسعى لذلك على المدى الطويل لإزالة كثير من مواطن الخلل بالسوق فضلا على الأهمية الأمنية لذلك. ولكن الاقتصاد لا يهمه جنسية من يعمل، يهمه فقط من يعمل بجهد لإنتاج سلعة وبيعها أو تصديرها. أجزم من رأي شخصي، أننا بحاجة لكثير من العمالة الغير ماهرة أكثر من حاجتهم لنا وهم مهمين لكي نتمكن من الأكل والنمو ومن الصعوبة أن نجد سعوديين كثر لتنظيف صحون المطاعم على الأقل في الفترة المتوسطة القادمة.

هنالك خلل في ثقافة العمالة الغير سعودية بسوق العمل المحلي فهي لا توظف سعوديا ولا تحبذ ذلك والسبب يعود في أن نسبة كبيرة من هذه العمالة لا تستطيع ضمانة الإستقرار في السوق لذلك تحاول جاهدة في منع أي تهديد يواجهها. فالموظف الغير سعودي لا يرغب بتوظيف السعودي لكيلا يحل مكانه. هذه الثقافة هي سلوك طبيعي فالكل يرغب في حماية مصالحه والخلل هنا هو بنظام العمل الذي لم يستطع أن يوفر الضمانة لهذا العامل. بطاقات الإقامة الدائمة قد تقلل من بعض هذه السلوكيات السلبية. أعتقد أن هناك فرصة لجعل بطاقات العمل الدائمة تشمل فئات اقتصادية أقل أو تشمل الغير سعوديين ولكنهم ولدوا وتعلموا في السعودية. أين يكن وزير العمل السعودي فإن وظيفته حساسة للإقتصاد وتحمل العديد من الصعوبات.


المعلم هو الركيزة المهمة للاقتصاد:

الاقتصاد السعودي بحاجة لخطة اقتصادية وعمالة متعلمة ومدربة بنفس الوقت. الخطة هو ما يتمثل في الرؤية ولكننا نحتاج بعض الوقت في تنمية المهارات اللازمة. الرؤية الاقتصادية لا تنشأ اقتصادا لوحدها بدون عمالة مدربة والعكس صحيح. نحتاج للالتفات لثلاث نقاط خاصة بالتعليم في السعودية:

- جامعتنا تملك البنية التحتية اللازمة للنجاح ولكنها تعاني خللا في جودة مخرجاتها البحثية التطبيقية ذات العلاقة بمشاكل اقتصادنا فضلا عن طريقة تعاملها مع الطالب. أفضل طريقة بوجهة نظري لتحفيز الجامعات هي "تجويعها". هذا المقال قد يوفر بعض الأفكار بهذا المجال.

- نحتاج معرفة ما هي المجالات الاقتصادية التي نرغب في التركيز عليها، وتدريب العدد المتوقع للمهنيين الذي يحتاجهم السوق ويساعدون الشركات في نمو عملياتهم.

- التعليم الجيد يحتاج معلمين أكفاء. والمميزات الوظيفية والمالية هي الكفيلة بجذب المميزين للعمل كمعلم. هذا المعيار هو الأساس في معرفة أننا نسير في الطريق الصحيح فيما يختص بالتعليم. نحن دولة ناشئة تنقصها الخبرات والعلوم ولا تهاجر لنا العمالة المتعلمة ومن الخطأ مقارتنا بدول متطورة منذ ٢٠٠ سنة. لذلك التعليم الجيد هو الوسيلة الوحيدة للنمو. تجارب الدول الآسيوية في التعليم تتناسب مع حالتنا بشكل كبير.

التشريعات الجديدة للجامعات، خطوة في الاتجاه الصحيح

مجانية التعليم في السعودية هو من أجمل أدوات العدالة في مجتمعنا، وبإمكان العديد من الدول الاستفادة من تجربتنا. وأتمنى أن نحافظ على استدامتها. حيث أنها توفر الفرصة للفقير قبل الغني للوصول إلى طموحه الفردي المالي. ولكن هذه العدالة تكلف الاقتصاد ماليا ، حيث أن التعليم مجاني وتتحمل الدولة تكاليف ذلك. ولست هنا من دعاة خصخصة التعليم بشكل كامل، وإنما اشجع انخراط الطالب بالعمل في السوق مقابل الحصول على التعليم المجاني. فنحن نخدم الاقتصاد مرتين. فمرة في الإعتماد على القوة البشرية المحلية للعمل في وظائف لا تحتاج لمهارة عالية والتقليل من العمالة المستوردة ، ومرة في تعليم وتدريب الطلاب بمهارات جامعية متقدمة بشكل مجاني وعادل للجميع.

الصناعة الأم التي تلد الصناعات الأخرى:

تحتاج الدولة أن تحفز نمو قيام صناعة واحدة تسهم في خلق صناعات صغيرة متعددة من خلالها. لنفترض أن الدولة قررت أن صناعة المركبات الكهربائية هي الصناعة التي ترغب في أن تحفزها وتناسب قدراتنا التنافسية وحاجتنا لخلق الوظائف. فصناعة مثل هذه ستحفز قيام صناعات معدنية (ناتجة من صناعة هياكل المركبات) وصناعات برمجية (ناتجة من صناعة تطبيقات المركبات البرمجية) وصناعات البطاريات ( ناتجة من صناعة البطارية الكهربائية للمركبة) وصناعات المطاطات (ناتجة من صناعة كفرات المركبات) وصناعات المحركات ( ناتجة من صناعة محركة المركبة) وصناعات الجلديات ( ناتجة من صناعة مقاعد للمركبات) والصناعات التصميمية . سيتضاعف الناتج المحلي لو ركزت الحكومة على صناعة جديدة كل ٥-٧ سنوات.

كل أنواع الصناعات مهمة لأي اقتصاد ولكن اقتصادنا ناشيء فيجب أن نختار صناعة تحفزها وتحقق أهدافنا الاقتصادية. ولضمان النجاح يجب أن تخلق الدولة عدة شركات بكل صناعة لأن المنافسة تحفز النجاح وتجنبنا الإخفاق الماليزي في الصناعة الذي اعتمد على شركات وحيدة بدون أي منافسة. رؤية الدولة في شراء مركباتها من الشركات المحلية هي خطوة في الاتجاه الصحيح ومن أدوات التحفيز المباشر المهمة. إذا استطعنا أن نصنع مركبة أو طائرة بإمكننا صناعة أي شيء آخر وسيكون الاقتصاد قادرا على النمو لوحده بدون التدخل الحكومي.

في كل الصناعات، نحتاج معامل مدعومة حكوميا لتنفيذ وتسهيل تنفيذ كثير من المنتجات في نماذجها الأولية تسهل لريادي الأعمال الجديد الإستفادة من هذه المعامل لتصنيع منتجه وتغليفه بشكل يقلل من المخاطرة ولكنها تزيد من إمكانية نمو الناتج المحلي. نحتاج أن نعرف ماهي القطاعات الواعدة التي تتناسب مع الميز التنافسية لقدرات اقتصادنا والتركيز عليها لنستطيع المنافسة عالميا.

البنوك السعودية تحب العشاء المجاني:

كلنا يشاهد الأرباح الجميلة التي تحققها البنوك السعودية وأتمنى أن تنمو سنة بعد أخرى. لكن بوجهة نظري أن سبب هذه الضخامة في الأرباح، هو بسبب الحماية من المنافسة المتوفرة للسوق فهو سوق مغلق ومحكم جيدا من قبل مؤسسة النقد. وهنا أرغب أن أشكر المؤسسة على عملها الرائع في تجنيب القطاع المالي العديد من المشاكل المالية التي حدثت بهذا العالم. لكن اقتصاديا، ضخامة أرباح البنوك نسبيا مقارنة بغيرها من القطاعات يدل على دلائل كثيرة منها هي قلة المخاطرة في السوق وهذا غير منطقي ونحن دولة تحتاج أن تنمو اقتصاديا. تخاطر الحكومة بخطوات اقتصادية جديدة ويخاطر رواد الأعمال بمشاريع مبتكرة كل يوم، ولكن في الجانب الآخر تتجنب البنوك ضخ السيولة الكافية للكثير من المشاريع لتجنب المخاطرة. الشركات لكي تنمو تحتاج سيولة مالية، ومع تحفظ البنوك للدعم المالي، قد لا يحدث أي نمو اقتصادي معتبر. اثق أن البنوك الحكومية الغير ربحية لعبت دورا محوريا في النمو الاقتصادي خاصة في المشاريع المبتكرة العالية المخاطر التي نجحت في دفع اقتصادنا للأمام بينما ركزت البنوك الخاصة على مشاريع قليلة المخاطرة. ليس هناك عشاء مجاني كل يوم ، ولا يجب على البنوك أن تأكل عنبا كل يوم، لا مانع من بعض الزبيب.


رؤية الأمير في عالم عربي قوي اقتصاديا:

مالذي يجعل مطعما اميركيا في قرية غير معروفة بعد عدة سنوات يصل إلى الصين. ببساطة هو حجم السوق الامريكي . حيث باستطاعة هذا المطعم النمو لسوق كبير متوحدة فيه اللغة، القوة الشرائية، العملة، والأنظمة القانونية.فبإمكان مطعم في أمريكا أن يتوسع إلى ٣٠٠٠ فرع حول أمريكا الشمالية، مما يعطيه قوة مالية وشرائية تسهل عليه النمو للأسواق العالمية. لذك حجم السوق المحلي، محفز لقدرة الشركات على المنافسة عالميا. يجب أن نستوعب أن سوقنا المحلي السعودي جذاب ولكنه لن يجعلنا قوة اقتصادية كبرى. هذه المقالة تشرح هذا الجانب من خلال تجربة سوقية حقيقة. والحل يكمن في نظرة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جعل العالم العربي أوروبا جديدة. السوق العربي مغري للنمو، فهو يتحدث نفس اللغة وهناك العديد من التشابة الثقافي، الاجتماعي والديني بين أكثر من ٣٠٠ مليون أخ وأخت عربية. لذلك يجب أن تحفز السعودية الدول العربية في النمو، التعليم، تطوير الاقتصاد ، واستقرار الأمن وإنتشار التسامح بين الشعوب. لا أحب الحديث في السياسة كثيرا لأنني ببساطة غير ملم بأبجدياتها ولكنني لا أعتقد أن العالم العربي بإستطاعته النمو وهناك مشكلة ضخمة تنبع منها مشاكل متفرقة، ألا وهي القضية الفلسطينية وحقوقهم الإنسانية. شخصيا، لا أرى نموا اقتصاديا متكاملا لأي دولة عربية وهذه القضية لم تحل.

الرأسمالية لا يجب أن تكون أقوى من الحكومة:

ما يحدث في أميركا بخصوص الرعاية الصحية، التعليم العام، وحمل السلاح، هو مسخرة بحد ذاتها. وهذا شيئا ليس مفرحا أن يحدث في أي دولة. وسبب ما يحدث هو ببساطة قوة الشركات ورغبتها في حماية مصالحه الرأسمالية وهذا سلوك متوقع وطبيعي لأي شخص أو شركة. أن التمادي الرأسمالي بدأ يؤثر في قوة المجتمع الأمريكي ويدل دلالة واضحة على ضعف مؤسسات الدولة في توازن المصالح داخلها. الرأسمالية هي سلوك طبيعي ولا يتعارض مع التعاليم الإسلامية، فنظرة الإسلام الاقتصادية هي رأسمالية منضبطة. ولكن يجب أن نحذر عندما نبني سياسة مجتمعية تكون مصدرها مصالح رأسمالية بحتة ، ستكون العواقب وخيمة. مثال ذلك، تعتمد ميزانيات المدارس الحكومية في أمريكا بشكل كبير على دخل الضرائب في المنطقة التي تكون فيها. فإذا كانت المنطقة غنية ستكون ميزانية المدارس عالية وتستطيع هذه المدارس تقديم جودة تعليمية جيدة. والعكس صحيح، فالمدارس في المناطق الفقيرة لا تستطيع تقديم تعليم جيد لسكانها فيستمر الفقر في هذه المناطق. بالتأكيد هذه السياسيات الرأسمالية ترجع بالأساس لدوافع عنصرية ولكنها مثال على توحش الرأسمالية وتأثيرها على صحة وقوة المجتمع . الرؤية بدون شك ستخلق اقتصادا وشركات ضخمة ولكن يجب أن تحرص الحكومة على نقطتين. الأولى: التأكد من أن أي سياسة اقتصادية هي سياسة مستدامة بحيث تخدم نمو الشركات وصحة وقوة المجتمع المحلي. النقطة الثانية:يحب أن تحافظ الحكومة على قوة مالية عالية مثل ما يحدث الآن لكي لا ترضخ لرغبات الشركات الرأسمالية.

نقاط متفرقة:

●  يجب أن ندرس التعداد السكاني بالتوازي مع سياستنا الإقتصادية والصحية.

●  سياسات التأمين الصحي التجاري مخيفة ولا تبني مجتمعات صحية.

●  التعليم يجب أن يحتوي على مزيدا من الترويج للتسامح الديني والثقافي والنظرة للمرأة.

●  الجهات الحكومية تجذب الكثير من الكفاءات من القطاع الخاص. يجب أن نضمن رجوعهم للقطاع الخاص ليكونوا مساهمين لنمو الاقتصاد. وجودهم في القطاع الحكومي لا يفيد الاقتصاد بشكل كبير.

●  ثقافة السعودية الإسلامية المميزة هي الشيء اللي يميزها عن بقية العالم. يجب أن تحافظ عليها لأنها تحمل قيم جميلة فضلا أنها ستساعدنا على الجذب السياحي.

هل نستثمر في السعودية الناشئة:

لوفرة الدخل النفطي بحياتنا، تكون لدى بعض الأفراد السعوديين حافز أقل للإنتاج وهذا يضر اقتصادنا، لذلك يجب أن نحفز الجميع للعمل وافساح المجال للمرأة . لا أرى أي سببا لعدم وصولنا للهدف المنشود. فلدينا القيادة الطموحة، المجتمع المتعلم، القدرات الاقتصادية وبعضا من المال. في نمونا الاقتصادي سيكون هناك العديد من السياسات الاقتصادية وستحتاج الرؤية لخبراء في السلوك الاقتصادي للأفراد "Behavioral Economics " لكل السياسات الاقتصادية الجديدة. السلوك المجتمعي المتوقع من السعوديين يجب دراسته وتحليله مع جميع السياسات حتى وأن بدأت منطقية اقتصاديا. فكثير من قرارات الأفراد غير منطقية. كل الدول الصناعية لديها خبراء متخصصين في هذا المجال يقدمون استشاراتهم بهذا المجال لصناع السياسات.

الخلاصة، لو كانت السعودية شركة ناشئة لاستثمرت بها. هي الأمل الوحيد حاليا لشرق أوسط أكثر استقرارا.