قراءة أدبية لأغنية “نجمة ونهر”
استهلال
اهتمّت اللغة العربية بالتشبيه، وفصّلت بأنواعه وأحكامه، واهتمّت بإعرابه وطرق استخدامه، فظهر الوصف، والموصوف، والمشبه، والمشبه به، في مختلف المواقف والأحداث، والحكم والأمثال. حتى لما أنزل الله قرآنه الكريم بلسان عربي، استخدم سبحانه نفس الأدوات المستخدمة عند العرب - بصورة أكمل وأحكم - فكان التشبيه حاضرًا حتى في القرآن الكريم.
مقدمة
بعد تعاونهم في: الموعد الثاني، عطني المحبة، ليلة تمرّين، زمان الصمت، وغيرها من الأغاني… جدّ تعاونٌ جديد بين القيثارة والبدر لتولد أغنية "نجمة ونهر" ضمن ألبوم "منهو حبيبك" عام 1990م.
الأغنية التي لحنها طلال مداح؛ تنضم لسلسلة ألحانه مع كل من: ابتعد عني، وابتدت تحلى الحياة، وأجاذبك الهوى والـــــ 325 لحنًا الآخرين.
أباكل أكلك وأبحلّي عليك 😡❤️❤️❤️
استهلّ بدر بن عبدالمحسن قصيدته بـ "لو" لنفتح معه بابًا للخيال..
"لو حبت النجمة نهر .. وطاحت على صدره سنا"
دعونا نتخيّل ذلك، لو أن إحدى النجوم التي تبعد ملايين السنين الضوئية حبت نهرًا، وأسقطت عليه أشعتها تعبيرًا له عن حبها..
" إن مرت الغيمة قهر .. وإن هبت النسمة قهر"
" ولو رمى طفلٍ حجر، عكّر مواعيد الهنا"
فبالرغم من المسافة الطويلة التي يواجهها الحبيبين والتي تُحيل بينهما اللقاء، إلا أن حتى نظر الحبيبين إلى بعضهما قد لا يكون متوفرًا، حيث أن أي غيمة فوق النهر ستحجب الحبيبين عن بعضهم، ومرور نسمة الهواء، أو رمي قطعة حجر كفيلة بأن تحرّك مياه النهر وتبعدها بعيدًا عن أنظار حبيبته..
"إنتي وأنا نجمة ونهر"
"طالت مشاوير السهر"
البدر العبقري استخدم اسلوب التشبيه هنا، فتح بابًا للخيال وأوصل لك معاناة الحبيبين، كسب تعاطفك بالخيال ليربطه لاحقًا بالواقع، طريقة ربط الظروف بين النجمة والنهر وبين الواقع هي الرمزية العبقرية للبدر، فالنجمة العالية جدًا، المشعّة جدًا، والبعيدة جدًا، والجميلة جدًا، لا يمكن أن يصل إليها أحد سوى النجوم والأقمار والكواكب الأخرى، وكأن البدر يريد أن يشرح لنا ظروف اختلاف الطبقات الاجتماعية بين الحبيبين في القصيدة.
"بيني وبينك الغيم .. والشمس وأغصان الشجر .. وحكي العواذل والحذر"
يعود البدر، ويضيف بعض الظروف التي قد تحول بين النهر والنجمة البعيدة، وكل ظرف من تلك الظروف له رمزيته الخاصه ما عدا "حكي العواذل" و "الحذر" فقد ذكرها هنا صراحةً..
"يا بنت للنجمة سماء .. وأنا لي الوادي"
استسلم الحبيب..
سلّم أمره، وسلّم حبيبته للسماء،
ورضى لنفسه بالوادي..
ورضى بأن كل حبيب له طبقته الاجتماعية الخاصة به..
"محتار في قربك انا .. محتار في بعادك انا "
"امشي ولا ودي .. لو تمسكي يدي"
ولازال التردد سيّد الموقف، يبعد عنها بخطوات بطيئة جدًا وينتظر منها أي ردة فعل
"لا أضيع في امواج البحر .. ويضيع ميعادي!"
يسرد لنا البدر نسجًا من خياله، حيث يتخيّل شكل الوادي وكأن له أمواج تتلاطم تعبيرًا عن فرحته لو أن النجمة مسكت يده قبل أن يذهب.