لم أعد أفهمني!


الطريق نحو الصفاء

كنت في الماضي وقبل ثورة تطبيقات التواصل الاجتماعي مختلفاً عن نفسي الآن!

قد يكون السطر الأول للمقالة منطقي لبعضكم، ففي ظل تطور البشرية والعالم من حولنا صرنا نتأثر بتغيرهم وهذا الأمر طبيعي، ولكن

انتظروا قليلاً، سأوضح الجانب المقصود من حديثي.


في الماضي كان مظهر الإنسان وذوقه أقرب إلى أن يكون مختلفاً عن غيره، يصنع هويته الخاصة به بعيداً عن مؤثرين شبكات التواصل والضغط المجتمعي، مختلفاً عن ذوق أصدقاءه وعن أهله، يقتني مقتنيات اختارها لنفسه وأحبها، اختار القطعة تلك لأجل نفسه، أحب اللون الأخضر لأجل راحة ضميره، حُرّ في ذوقه وإن كان في نطاق المعقول.

أما الآن… صرنا نتشابه في أذواقنا بسبب ملاحقة آخر صرعات الموضة وآخر مقتنيات المشاهير الذين صرنا نتابعهم سوياً، صرنا نُريد أن نصبح هم .. لا أن نكون نحن!


صرت في كل مرةٍ أرغب فيها أن أكون أنا .. تبدأ خيالاتي في أن أكون كهؤلاء المشاهير الذين أتابعهم جميعاً !!

أصبحت مجموعة إنسان في داخلي! هويتي وشخصيتي بدأت تتشكل من هؤلاء الذين اتابع نمط حياتهم وذوقهم!

أين أنا من هؤلاء؟

تارة تجدني أنجذب لذوق هذا المشهور فأعشق ذوقه.. أحببت اللون البرتقالي رغم كُرهي له في الماضي! ارتديت حذاء “إيزي” رغم عدم قناعتي التامة به! ومرة أُغرم بسرد هذا المؤلف فأتقمص فنّه متجاهلاً فنّي المميز في الكتابة! ومرات أود أن أكون مثل فصاحة هذا وأدب ذاك!!

 

تخيلوا معي!! لم أعد أعرف ما هو لوني المفضل الآن! أو ذوقي الخاص! أو حتى نمط حياتي! 

صرت كما يرغب فيه المشهور والناس مني! لا ما أود فعله أو اختياره.


صرنا نتشابه في الأزياء، في الألوان، في الجُرأة، حتى صرنا نُقلد بعضنا في طريقة تصويرنا للأشياء، نضع ذات الفلاتر في السناب، نختار كما يختار الناس ليس كما نراه نحن جميل.. نقلد ونقلد ونقلد حتى فقدنا هوياتنا الخاصة.


لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي كبيرٌ جداً على نفسي.. أحب أن أكون كُل شيء.. مما أفقدني التركيز فيما أجيده وأحبه.

أحب أن أكون مصوراً محترفاً كالمشهور فلان.. وفشلت لأني لست من هواة التصوير.

أحب أن أكون معداً للمحتوى كفلان.. فشلت لأني لست ممارساً أو صانع محتوى!

أحب أن أكون روائياً كفلان.. فشلت لأنني لست من هواة أسلوبه، وإنما لي بصمتي الخاصة التي أحبها قبل أن يحبها الناس.

أحب أن أكون أنيقاً.. قد أكون.. ولكن لست مقتنعاً بأن هذا هو ما يريح ضميري وقناعتي. 

أحب أن أكون رياضياً كفلان.. كذلك فشلت، لأني لست أملك الوقت الذي يملكونه في الاندية ودفع اشتراكات بالألوف لأجل غذاء صحي.

أحب أن يكون مكتبي كمكتب فلان.. وفشلت لأني أتصنع ذوق ليس ذوقي.

وهكذا…


هل ما أقوله صحيح؟ 

هل جرى لكم ما جرى لي؟

هل فقدتم هوياتكم؟


ذلك التشتيت أفقدني هويتي الخاصة، والآن حان الوقت لاسترجاع ما أحب أن أكون عليه أنا بما يرضي الله ويرضيني.


وشكراً لنفسي التي صبرت علي حتى تذكرتها الآن.


Join