الصور وتأثيرها علينا
التأثير والأثر
لا أُخفي اهتمامي الشخصي بالصورة وما تمتلكه من قدرةٌ على التأثير في النفس البشرية وقد دأب العديد من العلماء والمهتمين من غيرهم في دراسة الصورة عبر شتى فنون العلم لمحاولة التعرف على التأثيرات المحتملة بدأً من علم النفس ومروراً بعلوم الاتصال وقد تعدد التأليف في هذا الجانب وتنوع من حيث النوع وكذا التأثير والهدف
أجد أن شعر امرؤ القيس يصلح بأن يكون مدخلاً لأحدد المقصود بمصطلح الصورة في هذا المقال، إذ يقول في معلقته المشهورة
فَيَــا لَكَ مَنْ لَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَـهُ
بِـأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُمِّ جَنْــدَلِ
هذه صورة أو قل إن شئت تصوير وفي هذا البيت غير مفهوم الصورة معنى آخر وهو السياق الثقافي في تفسير الصور وعوداً على بدء فإن هذا النوع من التصوير ليس هو مدار هذا المقال
وما يتمحور حوله هذا المقال هو الصورة البصرية أو الفوتوغرافية والصورة لغوياً يتعدد معناها رجوعاً إلى ما كانت اسم أم فعل ، أما تعريف الصورة اصطلاحاً فيصعب تحديد تعريف جامع لتنوع العلوم التي تناولتها واتساع الصورة لتعبر عن كثير من جوانب الإبداع الإنساني .
بعد هذا التقديم تُعتبر الصور من أقوى الوسائل للتأثير على المشاعر الإنسانية لما تمتلكه من قدرة فريدة على التواصل مع عقولنا وقلوبنا بطرق قد تكون أعمق وأسرع من الكلمات إذ يمكن للصورة الواحدة حكاية قصة أو أن تلِج بوابة الذكريات لتنثرها، تخلق مشاعر متعددة وحتى معقدة، ناهيك عن ما للصورة من تأثير يدوم .
قد يتبادر إلى الذهن تساؤل كيف تؤثر الصور على المشاعر؟
ولمحاولة الإجابة على هذا التساؤل سأتطرق للعوامل التي تعزز هذا التأثير، مع محاولة لعرض أمثلة مشاهدة في حياة كل أحد منا اليومية
قوة الصورة في التواصل
تعتبر الصور أداة فعّالة للتواصل لأنها تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية لما تتميز به من ناحية أنّه يمكن لأي شخص بغض النظر عن لغته أو خلفيته الثقافية أن يفهم ويتفاعل مع صورة معينة مما يجعل الصور وسيلة ذات قوة لنقل الرسائل والأفكار، فكم أثارت فينا مشاعر الفرح والتفاؤل صورة لطفل يبتسم، وكم أحزنتنا صورة لشخص يعاني من الألم، ما يميّز الصور أنّها لا تحتاج إلى تفسير معقد فهي تتحدث مباشرة إلى العواطف.
تأثير اللون والإضاءة
تلعب الألوان دورًا كبيرًا في كيفية تأثير الصور على مشاعرنا، الألوان الدافئة مثل الأحمر والبرتقالي يمكن أن تثير مشاعر الحماس والطاقة، بينما الألوان الباردة مثل الأزرق والأخضر يمكن أن تخلق شعورًا بالهدوء والراحة بالإضافة إلى ذلك يمكن للإضاءة في الصورة أن تؤثر على الجو العام للصورة والمشاعر التي تثيرها،فالإضاءة الخافتة قد تضفي شعورًا بالغموض أو الحزن، بينما الإضاءة الساطعة قد تجلب شعورًا بالبهجة والتفاؤل.
التكوين والعناصر البصرية
تُعد كيفية ترتيب العناصر في الصورة، أو ما يُعرف بالتكوين، عنصرًا أساسيًا في التأثير العاطفي للصورة إذ يمكن أن يؤدي التكوين المتوازن والمنظم إلى شعور بالراحة والنظام، في حين أن التكوين الفوضوي قد يثير مشاعر التوتر والارتباك علاوةً على ذلك يمكن لعناصر معينة في الصورة، مثل تعابير الوجه والجسم، أن تساهم بشكل كبير في التأثير العاطفي ،على سبيل المثال يمكن لتعابير الوجه الحزينة أن تثير التعاطف، بينما يمكن لتعابير الوجه السعيدة أن تجلب الفرح.
الأمثلة المشاهدة يومياً لتأثير الصور على المشاعر
الإعلام والإعلانات
تستخدم وسائل الإعلام والإعلانات الصور بشكل متكرر للتأثير على مشاعر الجمهور،إذ أن الإعلانات التي تحتوي على صور لأشخاص سعداء يستخدمون منتجًا معينًا أن تخلق ارتباطًا إيجابيًا بين المنتج والمشاعر الجيدة وفي في المقابل تستخدم المنظمات غير الربحية الصور المؤثرة لأشخاص يعانون لإثارة التعاطف ومن ثم تحفيز التبرعات.
الشبكات الاجتماعية
تلعب الصور دورًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي فالصور التي نشاركها ونشاهدها تؤثر بشكل كبير على مشاعرنا وحالتنا المزاجية، على سبيل المثال قد تجلب صور العطلات والمناسبات السعيدة مشاعر الفرح والراحة، بينما قد تثير الصور الحزينة مشاعر التعاطف والحزن.
الصور في الفن والثقافة
في مجال الفن تُستخدم الصور كوسيلة قوية للتعبير عن المشاعر والأفكار فيمكن للرسومات واللوحات أن تثير مجموعة واسعة من المشاعر بناءً على الموضوع والألوان والتكوين ،على سبيل المثال يمكن للوحة تعبر عن مشهد طبيعي هادئ أن تجلب شعورًا بالسلام، بينما قد تثير لوحة تعبر عن مشهد حربي مشاعر الرهبة والخوف.
العوامل النفسية والاجتماعية
تتأثر كيفية استجابتنا للصور بالعديد من العوامل النفسية والاجتماعية إذ أن الخبرات الشخصية والذكريات أن تلعب دورًا كبيرًا في كيفية تأثير الصور علينا على سبيل المثال قد تثير صورة لمكان معين ذكريات ومشاعر مرتبطة بذلك المكان بالإضافة إلى ذلك يمكن للعوامل الثقافية أن تؤثر على كيفية تفسيرنا للصور والمشاعر التي تثيرها.
الأمثلة على التأثير العاطفي للصور
عندما نشاهد صورًا لكوارث طبيعية مثل الزلازل أو الفيضانات أو صور لحروب ونزاعات فإنها تثير مشاعر الحزن والتعاطف مع الضحايا فهي تبرز حجم المعاناة الإنسانية وتحث المجتمع على تقديم المساعدة والدعم وفي المقابل، يمكن لصور النجاح والإنجازات أن تثير مشاعر الفرح والفخر على سبيل المثال، صورة لشخص يحتفل بفوزه في مسابقة ما يمكن أن تلهم الآخرين وتخلق شعورًا بالإيجابية.
من جهة أخرى تشير الدراسات إلى أن الصور يمكن أن تؤثر على صحتنا العقلية بطرق متعددة فالصور الإيجابية والمحفزة يمكن أن تحسن المزاج وتزيد من الشعور بالرفاهية بينما يمكن للصور السلبية أو المزعجة أن تؤدي إلى زيادة مستويات القلق والتوتر لذلك من المهم أن نكون مدركين لنوع الصور التي نتعرض لها بشكل يومي.
في الختام
تلعب الصور في حياتنا اليومية دورًا محوريًا في كيفية فهمنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا .