الخط العربي : الفنّ والأصالة والتاريخ
أمر يتفق عليه الكل وهو أن الخط ماهو إلا وسيلة لكتابة الحروف، والحروف هي وسيلة لمعرفة المفردات ، و المفردات هي تسمية الأشياء و تكوين اللغة ، واللغة هي وسيلة الحديث وبالتالي التواصل بين البشر ، ولا يوجد خط في عموم اللغات تجاوز هذا التفسير لما هو أبعد منه إلاّ الخط العربي ، إذ أنه تجاوز دور التفسير والتعبير عن اللغة ومفرداتها إلى أبعد من ذلك.
من جهة أخرى فإن الفن ما هو إلاّ مشهد ينساب إلى المشاعر ليأثر بها وتتفاعل معه كما أن الفنّ وسيلة اتصال ولغة حوار تستهدف الحواس كاملة فالصورة أو اللوحة الفنية تُحرّك المشاعر وتستدعي الذكريات ويتجاوز تأثيرها ذلك لتصبح من أدوات التحفيز على التفكير بإبداع ، و ما يهمني من الفن هو - التصوير أو الرسم - .
وتعظم قيمة الفنون التي تنبثق من الأصالة وتمتزج بها وتعبّر عنها فكيف إذا كان هذا الفن بالإضافة إلى الأصالة يأتي معبّراً عن حضارة من جهة وعن تاريخ من جهة أخرى.
إن أقصى ما وصلت إليه في فن الرسم وجدت الخط العربي قد سبقني إليه منذ أمد بعيد
بيكاسو
وعليه نجد أن الخط العربي تجاوز دور كتابة المفردة وفهمها وبالتالي التعبير اللغوي إلى كونه أداة من أدوات الفنون ذات القيمة العظيمة التي ترسم الجمال وتنطلق مبحرةً فيه لتخاطب جماليات النفس ،لينافس الفنون الأخرى ويتفوق عليها بإمتياز من وجهة نظري .
وتاج الفن من وجهة نظري هو الخط العربي فهو أجملها ، لأنه فن ثقافي من الطراز الأصيل يربطنا بلغتنا ويظهر جمالها ويعزز حضور إرثنا التاريخي و الحضاري فحرف من حروف الخط العربي في خط الثلث أو النسخ قد يُشكّل عند رسمه لوحة فنية أصيلة يشعر المتأمل لها بالبعد الجمالي والامتداد النفسي لهذا الجمال في الحضارة والتاريخ ، ناهيك عن ما يشعر به من يصنع الجمال في الخط العربي من ارتباط بالتاريخ وامتداد للحضارة وهذه صفةً أيضاً يكتسب فن الخط العربي التفوق فيها على غيره من الخطوط .
وكما يقول جونسون روس :
إن حروف العربية مرنة سهلة لها في النفوس ما للصور من الجمال الفني
جونسون روس
ختاماً فإن مبادرة وزارة الثقافة في جعل عام ٢٠٢٠ عام الخط العربي ثم تمديده إلى عام ٢٠٢١ هي مبادرة جميلة بحق وكمهتم بفن الخط العربي لا يسعني إلا تقديم الامتنان والشكر على هذه المبادرة والقائمين عليها .