التعليم و المشاعر
نَفْسُ الطَّالِب وَ مَشَاعِرُه هِيَ كالمرآه تَنْظُرُ إِلَى حَوَادِث الوُجُود وفواعله وَ تَعْكسُ عَلَيْهَا رُسُوم تِلْكَ الأخيلة. لِهَذَا لاَبُدَّ مِنْ شَخْصٍ يُوَجِّهُ هَذِهِ النَّفْس تَوْجِيهًا صَحِيح.
التَّوْجِيه الصَّحِيح يَحْتَاجُ إِلَى مُعَلِّمٍ يُفَكِّرُ بِشَكْلٍ صَحِيح اِتِّجَاهَ التَّطَوُّر وَ يتواكب مَعَ مُعْطَيَاتِ الحَيَاةِ الجَدِيدَة وَ مَا لَدَى الطَّالِبِ من مُغْريَات لَا نَسْتَطِيعُ حَصْرَ أَبْعَادِهَا. فَكَيْفَ يَكُونُ المُعَلِّم القَادِر عَلَى تَوْجِيهِ هَذِهِ المَرْحَلَة العُمْرِيَّة لَدَى أَطْفَالِنَا لِتَمُر بِشَكْلٍ يَسْتَغِلُّ فِيهَا الطَّالِب فَوَائِدَ التكنولوجيا وَ التَّطَوُّر بَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ضَحِيَّة لمغرياتها. كَيْفَ يَتِمُّ تَوْجِيه الطَّالِب لتقديم مُحْتَوَى إِبْدَاعَي على اليُوتْيُوب بَدَلًا مِنْ ان يَكُون مُجَرد مُتَلَقي يَقْضِي جَمِيع سَاعَاتِ يَوْمِه فِي تَفَاهَاتِ اليُوتْيُوب؟ كَيْفَ يَتِمُّ تَوْلِيد فضول لِلمَعرفة تَجْعَلُهُ يَسْتَغِل عالم الانترنت الوَاسِع لِخَلْق ثقافة موسوعية، بَدَلًا مِنْ اِسْتِغْلَال الانترنت لَه لِتَجْعَلَه مُسْتَهْلِكًا هَمَّه شِرَاء كُل مَا صُور لَهُ كشيء "كوول؟ كَيْفَ نَجْعَل الطَّالِب يَرَى قِيمَتَه فِي مَا يملك مِنْ ثَقَافَة وَ مَعْرِفَة وَ مَهَارَات، وَ لَيْسَ فِي مَا يَشْتَرِي مِنْ ألعاب و اجهزة جديدة.
يَجِب أَنْ يَكُون لِلمُعَلِّم لُغَة وَأُسْلوب حَيَاة يُحِبُّهُ الطَّالِب وَيَرْغَب فِي التَّعَاطِي مَعَه، بِمعنى أَنْ المُعَلِّم يَجِب أَنْ يَكُونَ الغِلَاف المُحَبَّب لِحَقْنِ أَسَالِيب التَّعَاطِي مع الحياة الأفضل. يَجِب أَنْ تكون شَخْصِيَّة المُعَلِّم وَ طَرِيقَة عَرْضِه لِلأَفْكَار جَذَّابَة لِلطَّالِب أَكْثَر مِنْ مَشَاهِير اليُوتْيُوب وَ السناب. نَحْنُ نَادِرًا مَا نَسْمَع مِنْ أَبْنَائنا "أَنَا أَبي أصير زَي أُسْتَاذ الرياضايات لما أَكبر" وَ لَكِننا كثيرا ما نسمعهم يَقُولُون "أَنَا أَبي أصير يوتيوبر". هَذَا لِأَنَّ اليوتيوبر لَا يَنْجَح الَا إذَا أَبْدَعَ فِي طُرُق تَعَاطِيه مَعَ المُشَاهِد يَوْمًا بعد يَوْم، فِي الوَقْت أَنَّ المُعَلِّم سَيَحْصل عَلَى رَاتبه في نِهَايَة الشَّهْر مَهْمَا طَفَشَ طُلَّابُه وَ لَا يُوجَد لَهُ تَقْيِيم أَوْ لَايْك وَ سبسكرايب فِي نِهَايَة كل حِصَّة.
وَالسُّؤَال: لِمَاذَا نَحْتَاج إِلَى تَغْلِيف المَعْرَفَةِ بطرق محببة رغْمَ أَنَّها الأَدَاة الأَهَم لِفَهْمِ الحَيَاة؟ لِأَنَّ المَعْرفَة تُخَاطِب العَقْل وَالمُعْطَيَات المُحَبَّبَة لِلطَّالِب تُخَاطِبُ العَاطِفَة. نَحْنُ نَحْتَاج أَنْ نُوصِلَ المَعْرَفَةَ بِالطَّرِيقَة الَّتِي تَصِل إِلَيْه المُحَبَّبَات لَدَيْه، عَنْ طَرِيقِ العَاطِفَة.
رَئِيس شَرِكَة نيتفليكس اِسْتَثْمَر مؤخراً في تطبيق على الايباد لِتَعْلِيم الرِّيَاضِيَّات يَسْتَخْدِم نَفْس أَسَالِيبَ نِيتْفْلِيكْس فِي تَقْدِيمِ المُسَلْسَلَات لِمُخْتَلِف مُشَاهِدِيه لِيُشَاهِدُوا مُسَلْسَلاً بَعْدَ مُسَلْسَل بلا ملل، وَ لَكِن لحل مُعَادَلَات الرياضيات بِطُرُق محببة لِلطَّالِب تَتَعَاطَى مَعَ رغبته فِي الفَوْزِ باللعبة وَ توجهها لِفهم الرِّيَاضِيَّات.
الإِنْسَان لَا يَدْرِي مَا يَقُولهُ العُصْفُور فَوْقَ أَطْرَافِ الشَّجَر، ولا الجداول عَلَى الحصباء ولا الأمواج إِذَا أَتَتْ الشاطىء بِبُطْء وَلَا يفقه مَا يُحَاكِيه المَطَر إِذَا تَسَاقَطَ منهملاً عَلَى أَغْصَانِ الشَّجَر أَوْ عِنْدَمَا يَطْرُقُ بِأَنَامِلِه اللَّطِيفَة بلور نَافِذَتِه. وَلَا يَفْهَمُ مَا يَقُولَهُ النَّسِيمُ لِزُهُورِ الحَقْل، وَلَكِنَّهُ يَشْعُرُ أَنَّ قَلْبَهُ يفقه وَيَفْهَم أَثَرَ هَذِهِ الأَصْوَاتِ عَلَيْهِ فَيَهْتَزُّ لَهَا لِأَنَّهَا مُوسِيقَى الحَيَاة.
كَيْفَ فَهِمَ الإِنْسَان هَذَا كُله مِنْ غَيْر أَنْ يُعلمه أَحَد؟ نَحْنُ نَحْتَاج إِلَى مُعَلِّمٍ يَتَفَاعَلُ مَعَ الإِنْسَانِ بِفِطْرَتِه وَسَجِيَّتِه. بَأن يَسْتَشْعِر احتياجات الطَّالِب وَ يَتَعَاطَف مَعَه وَيُدْرِك مُطَالَبَه عَلَى إخْتِلَافِهَا فِي كُلِّ طَالِب. وعلى المعلم أن يخلق بِيئَة يَشْعر كُل طَالِبٍ فِيهَا بِالأَمَان لِلتَّعْبِيرِ عَنْ أَفْكَارِه مُدْرَكًا أن البِيئَة الآمِنَة المُجَرَّدَة مِن الخَوْف هِيَ البِيئَة الخَصبَة لِلإِبْدَاع. المُعَلِّم الذي يَحْرِصُ عَلَى هَذَا هُوَ المُعَلِّم الَّذِي يُدْرِك الدَّوْر العَظِيم الذي يَقُومُ بِه.
إِنَّ الثَّقَافَة وَ الحَضَارَة تَبْدَأُ فِي المَدْرَسَة، فَإِنْ كَانَ المُعَلِّم مُدْرَكًا لِدَوْرِه العَظِيم، أَصْبَحَتْ المَدْرَسَة مصرحاً يَجْذِبُ أَبْنَاءَ الوَطَن المُبْدِعِين الَّذِينَ يَخْدِمُونَ مُجْتَمَعَهُم بِبِنَاء أَجْيَالٍ تسارع لِلمَجْدِ وَ العلياء، وَ عَدَم إِدْرَاك هَذَا يَجْعَل التَّعْلِيم جَذَّابًا لصبابين الشَّاي وَالقَهْوَة الذينَ يَتَبَادَلُون الأَعْذَار فِي اِجْتِمَاعَاتٍ تَقْهَرُ الإِبْدَاع وَ تَمْنَعُ التَّطَوُّر، فَيَجْعَلُونَ أَبْنَائنا ضَحِيَّةً لِمُهَنْدِسِين الإِدْمَان عَلَى الإِنْتِرْنِت الَّذِينَ سَمَّاهُمْ جسْتن روزينستاين (الذي عَمِلَ كَمُهَنْدِس فِي جوجل وفيس بوك) تُجَّار المُخَدرَات الجُدُد.
تَأْهِيل المُعَلِّم بِالشَّهَادَة مُهِم، وَلَكِنَّ الإِخْلَاص فِي العَمَل وَ الرَّغْبَة فِي إِتْقَانِه أَهَم بِكَثِير. كَمْ مِنْ أب وَ أَمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ القراءة ولَا الكِتَابَة رَبوا أَبْنَائهم عَلَى الفَضِيلَة، وَ عَلَّمُوهُمْ القِيَم، وَغَرَسُوا فِيهم مَكَارِمَ الأَخْلَاق لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُخَلِّصِين فِي تَرْبِيَتِهِمْ، وَ كَمْ مِنْ أب وَ أمْ متعلمين رَبْوا أَجْيَالًا مِنْ المُدَلَّلِينَ بِلَا قِيَمٍ وَ لَا أَخْلَاق.
نَحْنُ نَحْتَاج إِلَى المُعَلِّم الذي يَدْعَمُ دَوْرَ الأَب وَ الأُم لِأَن أُسَاسَ عَمله ذَلِك. فَالمُعَلِّمُ يَجِب أَنْ يَكُون لُغَةَ النُّفُوس، وَأَنْ يكون تَعَاطِيَه مَعَ الطَّالِب كنسيمات لَطِيفَة تَجْلِب الرَّاحَة وَ الأمان وَ تَسْتَحْضِرُ عَلَى صَفَحَاتِ مُخَيِّلَتِه بِدَايَةِ الأَفْكَار. يجب أن يكون أسلوب المُعَلِّمُ كرَنَّة وَتر تَدخلُ مَسَامِع قَلْبك مَحْمُولَةٍ بِالمَعْرَفَة وَأُسْلُوبها العَذب يخرُجُ مِنْ عَقْلِك فِكْرَة تَجْعَل شَفتاك تبستم لِأَنَّكَ فَهِمْتَ شَيْئًا جَدِيدًا غَيْرَ حَيَاتِك، دَفَعَكَ لِلأَمَامِ بِحَمَاس، وَ شَرَحَ صَدْرَك لِلحُب وَالإِيجَابِيَّة.
أَخِيرًا نَحْنُ بِحَاجَة إِلَى المُعَلِّم الَّذِي يَرْغَبُ فِي أَنْ يَكُونَ مُعَلِّم وَيَرَى نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ الصَّدِيق وَالقُدْوَة وَالأَخ وَالأَب وَالعَائِلَة.
المشاعر والعملية التعليمية
يَقُولُ أَحَدُ الكُتَّاب بِأن الحَقَائِق العَظِيمَة الفَائِقَة الطَّبِيعَة لَا تَنْتَقِل مِنْ بِشَرٍّ إِلَى آخَرَ بِوَاسِطَةِ الكَلَامِ البَشَرِي فَقَطْ وَلَكِنَّهَا تَخْتَارُالسَّكِينَةَ لِتَكُونَ سَبِيلًا بَيِّنَ النُّفُوس، وَ لَيْسَ بَيْنَ العُقُول وَلِأَنَّ السَّكِينَة هِيَ المَدْخَل المُنَاسِب لِأَيِّ إِنْسَان، حَبَّذَا لَوْ اسْتَخْدَمْنَا هَذِهِ العَاطِفَة فِي تَغْلِيف كُل مَا نُرِيد تَوْصِيلُهُ إِلَى أَبْنَائِنَا لَنَجْعَلُهُمْ مُدْرَكَيْن لَوَاقِعِهِمْ كَمَا هُمْ مُدْرَكَيْن لِأَلْعَابِهِم.
عِنْدَمَا يَكُون لَدَى المُعَلِّم هَذَا الثَّرَاء مِن المُعْطَيَات (وَأَقْصِد فِي هَذَا القُدْرَة وَ الإِخْلَاص فِي التَّعَاطِي مَعَ العَاطِفَة البَشَرِيَّة) فَهُوَ قَادِرٌ بِكُلِّ تَأْكِيد أنْ يُوصِل مَا يُرِيد مِنْ خِلَالِهَا.
وَلَكِنَّ يَجِب أَنْ نَعْرِف أولاً مَا هِيَ العَاطِفَة وَكَيْفَ يَتَعَامَل مَعَهَا المُعَلِّم. العَاطِفَةُ هِيَ حَد بَيْنَ شَكٍّ يُرَاوِدُ القَلْب فَيَحُزْنَه وَيَقِين يُفْعِمُهُ فَيغبطه. العَاطِفَة هِيَ الفَصْلُ الأَوَّل مِنْ رِوَايَةِ الإِنْسَان الجَدِيدَة وَ عُرْوَةٌ تُوثِقُ غَرَابَةَ المَاضِي بِبَهَاءِ الآتِي. هِيَ مُلَامَسَةٌ لِلقَلْب تُحَاكِي مُرُورَ أَنَامِل النَّسِيم عَلَى ثغرِ زَهْرَةِ الوَرْد حَامِلَةً مَعَهَا رِسَالَة مِنْ حَنَانِ الشَّمْسِ. هِيَ بدء اِهْتِزَازَاتٍ سِحْرِيَّة إِلَى عَالَمِ الوَحْيِ وَالأَحْلَام.
ًفاذا أدْرك المُعَلِّم تِلْكَ العَاطِفَة اإسْتَطَاعَ بِكُلِّ فَنٍّ وَيُسْر أَنْ يُنَظِّمَ نَثْر الحَيَاةِ شعراً وينشىء مِنْ مَعَانِي العُمْر صُوَرا تقرؤها مخلية الطالب وَيُدْرِكُهَا العَقْل وَالقَلْب مَعًا فَيُصْبِح الطَّالِب فِعْلًا طَالِب، أَي طَالِبًا لِهَذَا المَشْهَد المُمْتِع وَ رَاغِبًا فِيه وَمُتَقَبِّلًا لِمُحْتَوَاه وَ مُبَادِرًا لِإِنْجَازِ مَهَامِه. إِنْ لَمْ يَكُن، فَعَلَيْنَا تَغْيِير كَلِمَة طَالِب إِلَى هَارِب، هَارِب يَنْتَظِر أَي فُرْصَة لِلهَرَبِ مِنْ مدرسة تكَتِمُ رُوحهُ بِمَزِيجٍ مِن الخَوْفِ وَ الملَل.
قَدْ عَلِمَ الكسائي هَارُونَ الرَّشِيد، وَعَلم سُقْرَاط أَفْلَاطُون. فِي تَعْلِيمَهِمْ لِهُمْ، لَمْ يَطْبَعُوا إمْتِحَانَات إخْتَرْ الإِجَابَة الصَّحِيحَةَ، وَلَكِن عَلمُوهُمْ مَهَارَاتِ الحَيَاةِ وأعْدوهُمْ لِيُصْبِحُوا قَادَةَ المُجْتَمَع.
لَا يصْلح أَنْ يَكُونَ المُعَلِّم الَّذِي نُوَكِّلُهُ مُهِمَّةَ تَرْبِيَةِ أَجْيَال وَطننَا أَيَّ شَخْص يَجْتَاز شَهَادَة جَامِعِيَّة، بَلْ يَجِب أَنْ يَكُون مُؤَهَّلًا لِبِنَاءِ الحَضَارَة.