يوم من الذاكرة
أبله سارة
كان صباحا صيفيا جميلا ، كان النسيم اللطيف يصل إلى غرفتي قادما من النافذة الكبيرة المفتوحة أمام الدرج ، السكون يملأ المكان سوى من أصوات مزامير السيارات التي تمر من حين لآخر عبر تقاطع الطرق أمام منزلنا ، وهذه عادة سيئة جدا ؛ حيث من المفترض أن تقف كل سيارة قبل عبور هذا التقاطع للتأكد من خلوه من السيارات دون الحاجة إلى تزمير !
في غرفتي الصغيرة تحاول أمي اختيار ملابسي بعناية وهدوء دون إصدار أصوات مزعجة كي لا يستيقظ إخوتي الصغار ؛ حيث هذا هو اليوم الأول لي في الروضة ويجب أن أظهر بمظهر أنيق.
وقع اختيارها على قميص أبيض بأكمام طويلة فوقه صدرية ذات لون كحلي ، وبنطلون من القماش كحلي اللون لا يكاد يصل إلى عقب قدمي ، وجزمات كحلية كذلك دون عنق وبقاعدة سفلية بيضاء ، وجوارب بيضاء بالكاد تصل عقب القدم.
بعد ساعة من الزمن كنت قد وصلت الروضة ، دخلت أمي معي لكي تلتقي بالمربية وتحرصها على العناية بي حتى أكون بعض الصداقات ...
مر اليوم الأول بسرعة ، كانت الأنشطة خلاله هي:
- حصة تعارف بين الطلاب مع استقبال أي مشاركة منهم كالأناشيد أو القصص القصيرة أو الألغاز ..
- وجبة إفطار أثناء مشاهدة العم باباي على مشغل الفيديو.
- حصة خارجية مفتوحة تشمل المراجيح والزحاليق والدراجات وكرة القدم وألعاب الرمل من الحفر والدفن والبناء ...
- كانت الحصة الأخيرة ، مناقشة هل استمتعنا أم لا ، وانتهت باستلامي لورقة صغيرة تحتوي على عدة أغراض يجب أن أشتريه من المكتبة لكي أحقق الفائدة من هذه السنة التمهيدية.
وهكذا انتهى اليوم الأول بسلام إلا أن رغبتي كانت عدم العودة غدا ، ولا أدري ما السبب فقد كانت جميع الأنشطة مرحة وممتعة ، وكانت أستاذتنا ( الأستاذة سارة ) جميلة ومبتسمة دائما ، محياها يبعث على الطمأنينة ، فقد أحببتها على الفور ❤ .. بعد ذلك تطور هذا الحب بيننا نحن طلاب فصلها وصرنا نُنشد لها :
أبلة سارة يا عيوني يا اللي لابسة الليموني ..
لابسة ساعة لماعة تسوى كل الجماعة ..
الغريب أنها لم تكن تلبس ثوبا ليمونيا بل على العكس كان هناك زي شبه موحد بين المدرسات وهو ( بلوزة بيضاء و تنورة من درجات اللون الأزرق ) ، كانت طلتها بسيطة جدا كفتيات ذلك الجيل ، ولا أعتقد تناسبها ساعة غالية الثمن كما تقول الأنشودة !
ولكنها كانت بحق أستاذة مميزة فقد أحببتها واستمتعت معها خلال تلك المرحلة ، وأكبر دليل على ذلك فأنا مازلت أذكر اسمها كاملا ، وعندما أغمض عيني أستطيع أن أرى تلك الابتسامة الجميلة والتي أسرتني منذ اليوم الأول.
كتبه: زياد بن خالد -عفا الله عنه وعن والديه- في 4 شوال 1441 هـ ، والمعاودة في 9 شوال 1442 هـ.