براءة
أنا عصفورٌ وحيدُ ..
طائرٌ حولي السُّدودُ ..
خالد مصباح مظلوم
في أحد أيام الربيع اللطيفة وفي وقت تفريخ العصافير ، رأيت فرخا صغيرا لم ينبت ريشه بعد ملقى على الأرض ، فالتقطته وأخذته معي إلى البيت في محاولة يائسة لإنقاذه ، ولكن ما لفت انتباهي ذهول الأطفال الصغار بذلك الفرخ الصغير حتى تركوا ما في أيديهم من الألعاب وجلسوا يتطلعون إليه ويطربون لسماع صوته ويبتسمون وقت إطعامه .. استوقفني مشهد الأطفال وهم متحلقين حول هذا الطائر الصغير متعجبين ومسحورين به ، ورحت أفكر في هذا وأتساءل: لماذا يميل الأطفال إلى كل شيء صغير من الألعاب والحيوانات وحتى إلى صغار الآدميين ؟
ظفرت بعد تفكير عميق بمجموعة من الأجوبة ليس من بينها جواب مقنع تمام الإقناع !
قالت لي نفسي: قد يكون ذلك لما بين الأطفال وبين الصغار والطيور من مشابهة في السن
والعمر ، عن لم يكن ذلك الشبه في عدد السنين إنما في نسبة العمر وعدد مراحله ؛ فالطفل الذي يبلغ من العمر ست سنوات كعمر العصفور الذي له عشون يوما وذلك لأن كل منهما في هذه السن قد شب عن طور الولادة والطفولة المبكرة ، والدليل على ذلك - تقول لي نفسي – ما نراه في الناس كل يوم فالشيخ الكبير يميل إلى الشيخ الكبير بل ولا ينسجم تمام الانسجام إلا معه ولا يأنس إلا به وكذلك الصبي مع الصبي والشاب مع الشاب والكهل مع الكهل.
ثم أسأل نفسي قائلا: إذا كانت العلة كذلك فلماذا لا يعجب الطفل بالطفل ويفرح به كما يفعل مع العصفور أو الهرة الصغيرة ؟
فتجيب على ذلك نفسي قائلة: أن للعادة والمخالطة أثرا في ذلك ، فالطفل كثيرا ما يخالط أقرانه ، وكثرة الإختلاط بالشيء والمشاهدة له تفقده بريق الدهشة وتقلل أهميته في النفس.
أما الجواب الآخر هو أن النفوس كل النفوس صغيرها وكبيرها نقدس الطهر وتميل إلى البراءة ، وفي صغار الحيوانات والطير يتجسد ذلك الطهر وتتجسم تلك البراءة ، وكون الأطفال أبرياء وأكثر طهارة من الكبار فهم يعطفون على صغار الحيوانات والطيور أكثر مما يعطف غيرهم عليها.
فقلت لنفسي: هذه أجوبة ولكنها لا تشفي الغليل من معرفة السبب الحقيقي لميل الأطفال إلى صغار الحيوانات والطيور ذلك الميل الذي يذهلهم عن اللعب والأكل ..
كتبه زياد -عفا الله عنه وعن والديه- في مدينة بريدة في الثامن من مايو آيار 2021.
وتمت المعاودة في مدينة باريس في فندق الراديسون بلو في 1 أكتوبر تشرين الأول 2021.