نماذج من نصرة النبي صلى الله عليه و سلم و اتباع أوامره حال حياته
نحري دون نحرك
إن أول ركن من أركان الإسلام العظيمة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتحقيق الشطر من الشهادتين وهو شهادة أن محمدًا رسول الله، تتم من خلال الأمور التالية:
أولاً: تصديق النبي في كل ما أخبر به، وأوَّله: أنه رسول الله ومبعوثه إلى الجن والأنس كافة؛ لتبليغ وحيه تعالى بالقرآن والسنة المتضمنين لدين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى دينًا سواه.
ثانيًا: طاعته والرضا بحكمه، والتسليم له التسليم الكامل، والانقياد لسنته والاقتداء بها، ونبذ ما سواها.
ثالثًا: محبته فوق محبة الوالد والولد والنفس؛ مما يترتب عليه تعظيمه، وإجلاله، وتوقيره، ونصرته، والدفاع عنه، والتقيد بما جاء عنه.
و لقد سطَّرَ الصحابة و الصحابيات رضوانُ اللهِ عليهم أروع صورِ الحبِّ و الفداء لرسول الله صلى الله عليه و سلم و الدفاع عنه و عن سنته و امتثال أوامره و اجتناب نواهيه ..
فهذه أُمَّ سلَيْم رضي الله عنها و أم سليم هذه هي الرميصاء و أختها هي أم حرام رضي الله عنهن و قيل: أن أم سليم خالت النبي صلى الله عليه و سلم بالرضاعة فاتخذتْ أم سليم يَوْم حنين خنجرا فرآهَا أَبو طلْحة زوجها فقال: يا رسول اللَّه هذه أُمُّ سُلَيْم معها خِنْجر فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم: ما هذا الْخِنْجر قَالَتْ اتَخذْتهُ إِنْ دنا مِني أَحد من المشركين بقرتُ به بطْنَه جعل رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَضْحك فقَالَتْ أم سليم: يا رسُول اللَّه اقتلُ بهذا الخنجر من بعدنا من الطلقاء انهزمُوا بكَ " أي: أقتل من انهزم عنك يا رسول الله فقال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه و سلم: يا أُم سليم إن اللَّه قد كفى و أَحْسَن
و هذا أبو طلحة رضي الله عنها زوج أم سُليم يقي رسولَ الله صلى الله عليه و سلم بصدره يومَ أحد و يقول: بأبي أنت و أمي يا رسول الله لا تشْرف فيصيبُونَك نَحري دون نحرِك يا رسول الله صدري دون صدرِك يا رسول الله هكذا هي المرأة تعين زوجها على حب النبي صلى الله عليه و سلم و حب سنته.
إن طاعة النبي صلى الله عليه و سلم و اتباع سنته و الامتثال لأمره هو الإيمان و الحب الحقيقي للنبي صلى الله عليه و سلم فقد كان الواحد من الصحابة رضي الله عنهم و أرضاهم يطبق تطبيقاً عملياً لكل ما يؤمن به حيث كانوا ذا طاعة تامة و امتثال مباشر و هذه هي الحقيقة الإيمانية و كذلك النساء في عهد النبي صلى الله عليه و سلم كن ينفذن أوامره في الحال لا يعترضن على أي أمر من أوامر الله و رسوله و استمع عبد الله استمعي أمة الله لسرعة استجابة الصحابيات رضي الله عنهن و امتثالهن أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن من عرف الحق هانت عنده التضحيات و يقدم حب الله و رسوله على حب شهواته و لذائذه فيسعد في دنياه و يسعد في أخراه
وفي قصة أخرى من قصص اتباع أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم وهي موجودة في صحيح المسلم ومسند أحمد بن حبل رحمهما الله بروايات مختلفة وقد جمعت بين الروايتين :
أَنَّ جُلَيْبِيبًا كَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ و كان دميم الخِلقة لكنه رجل أعطاه الله من الإيمان ما أعطاه و كان كلما تقدم إلى بنت رفضته لأنه دميم الخلقة و لأنه قصير لا ترغب فيه النساء وَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَيِّمٌ- و المرأة الأيِّم التي لا زوج لها - سواءٌ كانت بكراً أم ثيباً لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَلنبيِ صلى الله عليه و سلم فِيهَا حَاجَةٌ أَمْ لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم ذَاتَ يَوْمٍ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، فَقَالَ فرحاً: نِعِمَّ وَ نُعْمَةُ عَيْنٍ- أي: و نعم الزوج و نعم النسب - ظن هذا الأنصاري أن النبي صلى الله عليه و سلم يريد أن يتزوج بابنته فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه و سلم: إِنِّي لَسْتُ لِنَفْسِي أُرِيدُهَا، قَالَ الأنصاري: فَلِمَنْ؟، قَالَ: لِجُلَيْبِيبٍ، قَالَ الأنصاري: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا- أي: أستشير أمَّها- فكأنه كان متردداً في تزويج ابنته لجليبب، فَأَتى الأنصاري زوجته فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَخْطُبُ ابْنَتَكِ، ففرحت الزوجة وهللت و كيف لا تفرح و زوج ابنتها خيرالخلق قَالَتْ: نِعِمَّ وَ نُعْمَةُ عَيْنٍ، زَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم َقالَ لها زوجها: إِنَّهُ لَيْسَ يُرِيدُهَا لِنَفْسِهِ، قَالَتْ: فَلِمَنْ؟، قَالَ لِجُلَيْبِيبٍ قَالَتْ: حَلْقَى إذاً- و هذه اللفظة تقوله العرب إذا أصابتهم مصيبة، و معناها أصابني وجعٌ في حلقي فكان الخبر كالصاعقة عليها حتى أصابها وجعٌ في حلقها- أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ مَرَّتَيْنِ لَا لَعَمْرُ اللَّهِ لَا أُزَوِّجُ جُلَيْبِيبًا لابنتي فَلَمَّا قَامَ أَبُوهَا لِيَأْتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم سمعت الفتاة بالخبر و أصبحت في حيرة من أمرها - فهي الآن في أمرين و بين موقفين: أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ذلك المنظر القبيح الذي لا تتحمله - ماذا قالت الفتاة قَالَتْ الْفَتَاةُ لِأُمِّهَا مِنْ خِدْرِهَا: مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمَا، قَالَتْ أمها : النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم .. فقالت البنت لأمها و لأبيها: أتردان أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم؟، أين تذهبان من قول الله تعالى: {وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ادْفَعُونِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعُنِي فَأَتَى أَبُوهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم، فَقَالَ أبوها: شَأْنَكَ بِهَا فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا
نصرة الصحابة للنبي
موقف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في الليلة التي أُسري بها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى بيت المقدس؛ وذلك واضحٌ فيما رواه الألباني عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ، قالوا: أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ و جاء قبل أن يُصبِحَ؟ قال: نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ)، وقد أشار كلٌّ من الحاكم والذهبي -رحمهما الله- إلى أنّ هذا الحديث صحيح الإسناد.
موقف سعد بن معاذ -رضي الله عنه- في غزوة بدر؛ وذلك عندما شاور رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه في خوض القتال مع قريش، فما كان منه -رضي الله عنه- إلّا أنّه أكّد على نصرة الأنصار ووقوفهم وقفة رجلٍ واحدٍ إلى جانبه -صلّى الله عليه وسلّم- داخل وخارج ديارهم على حدّ سواء، وطلب منه أن يأخذ ويدع ما يشاء من أموالهم، وأشار إلى أنّهم مستعدّون لخوض البحر معه ولِأجله، ويُشار بالبنان أيضاً إلى موقف المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- في تلك اللحظة التي أعلم فيها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّهم لن يكونوا مكتوفي الأيدي عن نصرته كما فعل قوم موسى -عليه السلام- بنبيّهم وقالوا له: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، بل مستعدّون للقتال مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عنه في كلّ لحظةٍ
أبو عبيدة بن الجراح تكسر أسنانه وهو ينتزع حلقتا المغفر من خد النبي قال أبو بكر رضي الله عنه:
لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أول من جاء النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فجعلت أنظر إلى رجل بين يديه يقاتل عنه ويحميه فجعلت أقول: كن طلحة فداك أبي وأمي
مرتين. قال: ثم نظرت إلى رجل خلفي كأنه طائر فلم أنشب أن أدركني فإذا أبو عبيدة بن الجراح فدفعنا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وإذا طلحة بين يديه صريع فقال صلى الله عليه وسلم: دونكم أخوكم فقد أوجب قال: وقد رمي
في جبهته ووجنته فأهويت إلى السهم الذي في جبهته لأنزعه
فقال لي أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني
قال: فتركته فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه [أي يحركه] ويكره أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استله
بفيه، ثم أهويت إلى السهم الذي في وجنته لأنزعه.
فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأخذ السهم بفيه وجعل ينضنضه ويكره أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ثم استله.
وكان طلحة أشد نهكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم أشد منه، وكان قد أصاب
طلحة بضعة وثلاثون بين طعنة وضربة ورمية.
[رواه ابن حبان في صحيحه]