أصنع من المعنى فنًا جميلًا؛
لقاء مع أفنان باويّان
ليس من الحكمة التخلي عن الأحلام، أحلامك المجنونة خصوصًا. فمن المعيب أن يكون التخلي أمتثالًا للعقل، عقل الآخرين خصوصًا.
قاسم حداد
ألتقيت بضيفة لقاء اليوم لأول مرة في أحد نوادي السينما بمدينة جدة ومن ثم تجدد لقاءنا مرة أخرى حينما كانت أحد ضيوفنا الخاصين في جامعة عفت لحضور العرض الأول والخاص لفيلم ستوب موشن قصير تجريبي. في لقاءنا ذلك لفتني فيها إهتمامها بالتفاصيل الصغيرة وشغفها العميق بمجال صناعة الأفلام ولُطفها وتشجيعها لكل من هو مهتم بالدخول للمجال.
أفنان باويّان هي مشرفة نص سينمائي وكاتبة دخلت مجال صناعة الأفلام بالصدفة البحتة ولكن مشاركتها في العديد من الأفلام الطويلة بعد ذلك كان بسبب عملها الشاق وسمعتها الرائعة كمشرفة نصوص سينمائية.
لو صادفتي غريبًا اليوم وسألك من هي أفنان باويان، كيف ستعرفين بنفسك؟
“ إنسانة فضولية تحاول أن تصنع من المعنى فنًا جميلًا. “
في الحقيقة أنا أندرج من عائلة فنية
متى كانت اللحظة التي أيقنتِ فيها أنك تنتمين إلى عالم الفنون وصناعة الأفلام بالتحديد؟
“ أتذكر قديمًا عندما كان الناس يسألوني عن تخصصي الجامعي وكنت أخبرهم بأنني أدرس الكيمياء، أخبروني أن شكلي وهيئتي تدل على أنني أدرس مجال من مجالات الفنون ومستبعد أنني أدرس مجال علمي. وفي الحقيقة أنا أندرج من عائلية فنية ولكن موجة الوظائف الحكومية أبعدتنا عن المهن الفنية بحجة “الأمان الوظيفي”، ثم أدركت بأنني أنتمي لعالم الفنون عندما أبعدت كل معايير المجتمع في تقييم الوظائف والمكانة الاجتماعية وبحثت في داخلي عما أنتمي له حقًا وما يظهر أفضل ما عندي، وأدركت حينها أنني فنانة بالفطرة وأن أي مجال يتعلق بالفن سأبدع فيه وأنطلق معه بقوة. “
السينما بالنسبة لي هي كل شيء
ماهي السينما بالنسبة لك؟
“ السينما بالنسبة لي هي كل شيء، بسبب فضولي الدائم حول أشياء كثيرة في الحياة: الفلسفة، العلوم، الفنون اليدوية، التاريخ، العمارة، سيكولوجية الإنسان.. إلخ، وجدت في السينما وعالم صناعة الأفلام المكان الذي أستطيع فيه توظيف كل المعارف والعلوم وأستخدمها وأطوعها لإنتاج قصص ذات طبقات غير محدودة من المعنى والخيال والفن. “
“ أستخدم علم الفلسفة في صنع محن تصنع شخصيات الفيلم في اختبارات اخلاقية، أستخدم العمارة في اختيار المساحة التي تتحرك من خلالها الشخصيات وتعبر عنه وعن مرجعيته البيئية، أستخدم التاريخ في اختيار الحقبة الملائمة والتي تناسب القصة وهكذا. وخيالي كان خصبًا منذ الطفولة ولكنني لم أدرك أنه يجب علي أن أستخدم هذه الهبة في الحياة العملية، وها أنا أعود لمفاتيح قوتي بالعمل في مجال صناعة الأفلام. “
كيف وجدتي نفسك كمشرفة نص سينمائي؟ هل كان عن طريق الصدفة أم كنتي مخططة لشغل هذا الدور؟
“ في الحقيقة لم أخطط أبدًا للعمل كمشرفة نص سينمائي على الرغم من أنه الدور الذي أدخلني إلى مجال السينما بقوة وجعلني من مصافي الناس وأكثرهم تواجدًا في ساحة صناعة الأفلام، حدث الأمر صدفة في عام ٢٠١٨م عندما وجدت إعلانًا في ستوري انستغرام لأحد المنتجين يطلب فيه أشخاص لعدة أدوار للعمل في فيلم طويل سيتم تصويره في مدينة جدة، ومن هذه الأدوار كانت (مشرف نص سينمائي)، كنت قد عملت قبلها ككاتبة سيناريو في استديو أنميشين، ومن بحثي عن مهام مشرفة النص أعتقدت أن الدور يمكن أن يناسبني وخضت التجربة في تصوير فيلم (الملاهي) للمخرج وائل أبو منصور وأدركت أن الإشراف النصي يناسب شخصيتي وطريقة تفكيري بالفعل، وأصبحت محترفة في الإشراف النصي. “
تعلمت الكثير من مهارات التعامل مع المشكلات الطارئة
لك العديد من المشاركات المختلفة كمشرفة نص سينمائي منها قبل إفتتاح السينما في المملكة في الفيلم الروائي الطويل (مدينة الملاهي) وبعد إفتتاحها في الأفلام (المسافة صفر)، (أخر زيارة)، (أربعون عامًا وليلة) ومؤخرًا في فيلم (الأبطال). ماهي الخبرات التي أكتسبتيها من وجودك في مواقع التصوير المختلفة بهذا الدور؟
“ هذا الدور مهم جدًا في صناعة أي فيلم أتاح لي الجلوس بجانب العديد من المخرجين السعوديين في أفلامهم الطويلة الأولى، تعلمت منهم الكثير حول هندسة المشهد دراميًا وكيف يتم اخراج النص السينمائي حسب معطيات موقع التصوير وحالة الممثلين، وتعلمت الكثير عن التمثيل. تواجدي الدائم في مواقع التصوير أكسبني أيضًا الكثير من مهارات التعامل مع المشكلات والمشكلات الطارئة التي تحدث كل يوم في تصوير كل فيلم، أكسبني هذا مهارة التكيف والتأقلم مع الظروف، كما تعلمت إتيكيت التعامل مع الأشخاص المختلفين من مخرج إلى منتج ذو عقليات ورؤى مختلفة، ومن غافر إلى كهربائي بخلفيات وجنسيات مختلفة، كما بدأت التعامل مع فرق عمل تأتي من خارج السعودية أكثر إحترافية ومن خلفيات ثقافية ودينية مختلفة، وهذا يكسب الشخص صفة التعايش والسلام. “
يجب أن يتقبل الشخص أن العمل في هذا المجال مرهق
أيام التصوير تعتبر من أكثر الأيام إرهاقًا فقد تصل إلى ثمانية عشر ساعة وأحيانًا تتجاوز الأربعة وعشرين ساعة، ماهي التحضيرات التي تحرصين على فعلها قبل أيام التصوير وفي التصوير لتساعدك على الإستمتاع بالتجربة؟
“ طبعًا أولًا وأخيرا يجب أن يتقبل الشخص أن فكرة أن العمل في هذا المجال مرهق ويمتد لساعات طويلة، ومع ذلك أحرص على العمل مع الشركات التي تتعامل بإنسانية والتي لا ترغم فريق العمل على العمل لأكثر من ١٢ ساعة، أحرص على أن يكون أكلي صحي وآخذ بعض المكملات الغذائية والفيتامينات التي تحافظ على مناعتي وأحرص على أن يكون عقلي صافي غير مشغول بإرتباطات أخرى غير العمل. أرحب بجميع زملائي وأحييهم كل صباح، كما أعقد عدة اجتماعات خاصة بعملي مع الأقسام المتنوعة حتى نكون بنفس المفهوم والديناميكية أثناء العمل. “
قصة الفيلم كانت نتيجة لتأملات في كبار السن
فاز نص فيلمك القصير الأول “سليق” في مسابقة ضوء لدعم الأفلام الذي سيتم تصويره بتقنية الـ (Stop Motion) في الولايات المتحدة الأمريكية. ماذا يمكنك أن تخبرينا عن الفيلم؟ دوافع كتابتك وتجهيزاتك له؟ وما هو سبب أختيارك لأن يتم تصوير الفيلم بهذه الطريقة؟
“ بعد العمل لسنتين متتاليتين كمشرفة نص سينمائي كان من الجميل أن أستعيد لياقتي ككاتبة، فكرة القصة كانت موجودة في عقلي منذ عام ٢٠١٦م وعندما عدت لكتابتها في ٢٠١٩م كانت عناصرها مكتملة بالفعل، قمت بتطوير النص ومفهوم القصة عدة مرات أثناء التقديم للبحث عن تمويل، وبالفعل حصلت على دعم وزارة الثقافة من مسابقة ضوء. قصة الفيلم كانت نتيجة لتأملات في كبار السن وطريقة تعاملهم مع المتغيرات حولهم ومع مشاكلهم الشخصية، مزجت هذا مع تخيلات وأساطير شعبية في قصة فيلم سليق، قابلت العديد من الفنانين الذين يمكن أن يشاركوني في تنفيذ القصة بشكل جميل. “
“ ليس هناك سبب واحد لإختيار تقنية الستوب موشن، عندما كتبت القصة تخيلتها أنميشين، ولا أراها سوى ذلك، وشخصيًا لا أفضل تقنية الثري دي، يجذبني التو دي خصوصًا في أفلام الأنميشين اليابانية، ولكن بطبع أهتمامي بالفن والفنون وجدت أن الستوب موشن يعتمد على العمل اليدوي وإستخدام خامات تظهر على الشاشة بطريقة ساحرة. وهنالك عناصر في قصة سليق تحديدًا ستظهر بجمالية أكبر مع تقنية الستوب موشن. “