تلخيص كتاب الإنسان

كتاب: الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية 


الإنسان تحصل له الإنسانية بقدر ماتحصل له من العبادة التي لأجلها خلق، فمن قام بالعبادة حق القيام فقد استكمل الإنسانية، ومن رفضها فقد انسلخ من الإنسانية فصار حيوانًا ودون الحيوان

الراغب الأصفهاني

يفتتح الكاتب كتاب الحكمة العربية بحديثه عن الإنسان فيما يقارب الخمسين صفحة يستهل في مقدمته بمجموع اقتباسات من حكماء العرب وفلاسفتها ومقالتهم عن الإنسان

ويطرح تساؤلاتهم المشكلة عنه: فيم كان الإنسان إنسانًا؟ وما الإنسية؟ وما الآدمية؟ ومتى يفقد إنسيته وآدميته أو بشريته؟


ولما كان الإنسان لدى العرب حديث له أهمية واستشكالاته كثيرة أصبحت الكتابة عنه تقليدًا من تقاليد التأليف العربي فصنف الكاتب هذه التقاليد لخمسة: التقليد الطبي، المؤلفات الكلامية، الفلسفية، الصوفية، والنتف والمتفرقات التي لايكاد يخلو منها كتاب فقهي أو تاريخي في حديثه عن الإنسان .


ثم يقف الكاتب عند أول ما أشكل على حكماء العرب من شأن " الإنسان " اسمه: مما اشتق ؟ ولم هو سُمي " إنسان " " إنسانًا " ؟

ووقع البحث على ذلك بين إمكانين أن يكون اسم الإنسان مشتقًا من " النسيان " وذلك بحكم أن نوع " الإنسان مجبول على النسيان " أو أن يكون اسمه متولدًا من " الأنس " أي الظهور والبدوّ ولأنس العين به وذلك بخلاف الجن الذي " جُنّ " عن الأبصار واختفى فيما تبدى.

وأما الصوفية فذهبوا بمذهب مختلف وهو أن الإنسان من الأنس الذي يأتي بمعنى " الإستئناس " وإنما سمي الإنسان إنسانًا لأن به حصل الأنس لمراتب الكمال في الوجود. إذ لم يكن أحد يخلع عليه مراتب الوجود غير الإنسان، والألف والنون فيه زيادة مثل عمران.


ثم يذكر الكاتب ما يتعلق بأمر استشكال " معنى " الإنسان والأنظار في ذلك كثيرة لاتحصى ولا تعد

فمنهم من تستوقفه هشاشة الإنسان وتستميله للتأمل، فيلتمس له العذر، ومنهم من يريد أن يجعل الإنسان ضربًا من الإنسان المتعالي أو الإنسان الكامل الذي من شأنه أن يسمو ببشريته.

 ويذكر مياسيم الهشاشة فيما يسميه مفكري العرب: "المعايب الآدمية" وهي التي تكون في خلق الإنسان من دم وقيح وثفال وغيره أو "فلتات الجوارح" إنطلاق لفظ، وتسريح لحظ، وجلسة غير لائقة وغيرها، فضلا عما يعتريه من أحوال سالبة، شأن النسيان والغفلة والملل ويؤكد على هذه المعاني كثيرا أبو حيان التوحيدي وأنّ الإنسان الباحث عن سر هذا العالم وعما يحتويه لمن شأنه أن يوقفه نظره في ذاته على هشاشته وسرعة انكساره، فيجد نفسه "ذا قوى متقاصرة، وموانع معترضة، ودواع ضعيفة ".


وأما من ذهب لعلو الإنسان فكان ذلك في رأي المتصوفه الذين أصلوا نظرهم في شأن الإنسان على أصل عبّر عنه عبدالقادر الجيلاني بقوله المجمل: "البنية قفص" أي أن انحسار الإنسان في جسميته هو وجه من وجوه بشريته حد له وحصر. وهذا رأي المتصوفة أن الإنسان قابل لأن يخترق الإختراق كله، فينفذ الإنسان من شرنقة بشريته المحايثة إلى الإتحاد بالشأن المتعالي والأمر غير المتناهي. وحصل في ذلك " رد ومرادد " من الفئة التي ذهبت بالقول في هشاشة الإنسان والفئة التي تعلي من شأنه.


ثم وقف الكاتب لمواقف العرب في ضبط معنى السمو والعلو وماهو مقداره وهل يكون علوًا وسموًا في حدود الممكن؟ أم يكون علوًّا وسموًّا في حدّ المستحيل؟ واختلفوا فيما إذا كانت سيما " البشرية " شرطًا للفكر لايرتفع، أم أنها بالضد من ذلك لاحصول لأنوار العرفان للإنسان إلا بالترفع عن السمة البشرية، أي باستقبال العرفان في غير محل البشرية ومجلاها من الإنسان؟


ويستعرض الأنظار العربية المتخالفة في أمر الإنسان إشكال " الإنسان " على الإنسان: بم يكون إنسانًا؟ وبم يتميز عن الحيوان؟ والحال أنهم وقفوا على أنه لابد من وجود فاضلة تمايز الإنسان عن الحيوان غير أنهم تباينوا في تعيين هذه الفاضلة.

وثمة بداية وهو التحديد الكلاسيكي للإنسان الموروث عن بني يونان وهو شأنه أن يكون كائن حي ناطق عاقل مائت.

ووقف بعضهم وقفة أطول وأكثر خصوصية وثقة أن تمييز الإنسان بالبيان والصفة "الناطقية" وأن صورة الإنسان فضلة عن القلب واللسان وأن استحقاقه للفضل إنما هو من جهة النطق والعقل، ووقف الجاحط في ذلك وقفات كثيرة وتفصيلية وأن الإنسان وحده المبين والحيوان أعجم، وماكان البيان مقصورًا على معنى الكلام وحده وإنما يتجاوز إلى كل مايقع به إفهام وفهم.

والشق الآخر ركز على سمة "العاقلية" وأن فضله على غيره بالعقل ولولا ذاك لكانت الناس والبهائم سواء ومدائح العقل في متون الحكمة العربية كثيرة لاحد لها ولا حصر.


ثم كان على الحكيم العربي أن يضع تعريفًا شاملًا للإنسان متجاوزا التعريف الأرسطي الكلاسيكي واستبداله بتعريف يكون من حكمتهم، وذكر الكاتب أن الحكماء وضعوا تعريفين للإنسان من جهة الإيجاب ومن جهة السلب. "الإنسان هو مفتاح كون الوجود" وذلك بمعنى أنه "المعنى" أي أنه المقصود بالوجود. أي أنه زينة العالم ومختصر العالم ولو فارق العالم هذا الإنسان لمات العالم. وهذه المعاني التي حددوها من جهة الإيجاب. أما من جهة السلب – أي من جهة مايمكن أن يسلب الإنسان إنسانيته ويمحيها بل ويمحقها – وضعوا معيار ذلك في أنه من غلبت عليه شهواته فشهد على نفسه بالبهيمية وخلع ربقة الإنسانية.

وتعددت الآراء في إيجاد المعاني التي تفيده دلالة " إنسانية" الإنسان و " آدمية" الآدمي " وبشرية" البشري بين التفاسير اللاهوتية والأخلاقية.


ويختم الكاتب " كتاب الإنسان" بالحديث عن سعي متفلسفة الإسلام لنحت صورة ماسموّه " الإنسان التام" الذي من شانه أن يحقق ماسموّه "التمام الإنساني" وهو أن الإنسان بمكنته، سلبًا، أن يحد ما أمكنه من نقصانه، وأن يطمح، إيجابًا، إلى أن يحقق ما أمكنه، تمامه. " التمام وإن لم يكن ممكنًا، فإن الاقتراب منه ممكن، وهو غاية ما ينتهي به الإنسان، وهو منتهى له".


لمحات واقتباسات


لما قالوا اليونان أنّ الإنسان لايكون إنسانًا إلا بالعقل استجد في الفكر الإسلامي أن الإنسان لايكون إنسانًا إلا بالدين، إذ أن العقل محتاج أبدًا إلى من يؤيده ويسدده وليس يكون ذلك المؤيد المسدد سوى الشرع ،" الشرع عقل من الخارج، والعقل شرع من الداخل، وهما متعاضدان، بل متحدان" الراغب الأصفهاني.

وقالوا أنه " مالم يكن (الإنسان) عارفًا برسوم العبادة ومتخصصًا بها لا يكون إنسانًا " وردوا على من قد يعترض على قول راغب الأصفهاني هذا بأنه على ذلك فالكافر ليس إنسانًا ولا يصح أن يقال له إنسان، فيجيب: " إنا لم نقل أنا لا نسمي الكافر إنسانًا على تعارف الكافة، بل قلنا: قضية العقل والشرع تقتضي أن لا يسمى به مجازًا مالم يوجد منه الفعل المختص به. ثم إن سمي به على سبيل تعارف العامة فليس ذلك بمنكر، فكثير من الأسماء تستعمل على وجه فيبين الشرع أن ليس استعمالها على ما استعملوه" كمن يعتبر الغنى غنى المال ويعتبره الشرع غنى النفس. فبالمثل يعتبر الناس الإنسان بالصورة ويعتبره الشرع بالجوهر.


خاتمة


إذا أخبرت عن رجل بريء           من الآفات ظاهره صحيح

فسلهم عنه هل هو آدمي       فإن قالوا نعم، فالقول ريح

ولكن بعضنا أهل استتار           وعند الله أجمعنا جريح

ومن إنعام خالقنا علينا           بأن ذنوبنا ليست تفوح

فلو فاحت لأصبحنا هروبًا         فرادى بالفلا ما نستريح

وضاق بكل منتحلٍ صلاحه         لنتن ذنوبه البلد الفسيح

 

 

 

Join