حكايا طبيب مبتعث 2
اليوم الضائع
بقيت محاولة واحدة للخطأ بعد محاولتين نجح فيها مكتب حجز تذاكر الطيران في عرقلة بداية الرحلة إلى كندا.ففي المرة الأولى،استقال الموظف المسؤول عن إصدار التذاكر لأنه يرى أن لا حاجة لتخصص طب طوارئ الأطفال في الواقع وقام موظف آخر في المرة الثانية إلى تعديل ميلاد ابنتي لأنه يرغب أن تسافر في عمر أبكر من عمرها الحالي
حتى لو كانت هذه الحجج -ذكرت هنا للضرورة الأدبية فحسب - إلا أن الخطأ الثالث كاد يتسبب في عقد جلسة مع هؤلاء الناس لأعرف كيف يتفنون في اضاعة الإعمار والأوقات والآجال!
لقد أصدروا تذكرة ذهاب لرحلة تمتد إلى 14 ساعة بلغة الأرقام تبدأ العاشرة صباحا وتنتهي الساعه 4 عصرا في نفس اليوم بلغة التذكرة المصدرة!!
الأمر الذي أدركته لاحقا أن السفر من الشرق إلى الغرب يجعل الأيام تبدو (أقصر مما هي عليه في الواقع)
هذا اليوم (الضائع) يذكرني في (الأيام السائلة) هنا في كندا
فالفصول هنا لا يتوقف أثرها على ألوان أوراق الأشجار وابتسامة الغيوم وتساقط الثلوج ، فامتداد النهار في الصيف إلى التاسعة يعني أن لديك أكثر من صباح وانحسار النهار في الشتاء يعني أن المساء ينقسم إلى مساءين!
مع تغير الفصول يتغير وقت نومك وسمك ملابسك وكمية طعامك ومقاس حذائك وعقرب ساعتك وسرعة مشيتك وتبدل مزاجك
أول أيام الشتاء كانت مليئة بالدفء! ثم بدأ البياض يفترس كل شيء،وأتذكر في أحد الأيام عاصفة ثلجية أصابت مقاطعة أونتاريو بالشلل حتى وصلت للمرحلة التي كدت أمزق فيها صفحات الكتب التي تتغنى بنعومة الشتاء القارس.
شيء لا يعرفه المهوسون ببراءة هذا البياض إلا من عاش التجربة هنا ، أن هناك واجبا يوميا لإزاحة الثلج من باب المنزل والسيارة وكم ضاعت أعمارنا ونحن ننادي بقطع الثلج التي لا تستجيب أن تقع على موضع غير سقف السيارة أو باب المنزل ، فقهوة الصباح السوداء في الشتاء تضيع ثوانيها الفاتنة إلى تنظيف قطع الثلج البيضاء.
هذا النشاط الصباحي المفاجئ في فصل الشتاء لبعض كبار السن من قليلي الحركة يؤدي إلى إصابة بعض (البعض) إلى ذبحة صدرية!
هل قلت غير الحقيقة؟ لا
ولكنها تجربتي في الشتاء الأول وأنا أكتب هذه السطور وكلي استعداد للشتاء القادم لعل قلوبنا تتألف من جديد.