هبة الألم
نظرة مختصرة لكتاب هبة الألم من تأليف د.بول براند و فيليب يانسي وترجمة آراك الشوشان ونشر مركز تكوين للدراسات والأبحاث
الحياة العلمية التي سردها الطبيب بول تشبه الطائر الذي كلما حلق بعيدا في السماء ، اتسعت في عينه الرؤيه ، وصار العش الذي ترعرع فيه بالنسبة إلى الكون الشاسع ما هو إلا جزء يسير من بقايا أغصان شجرة متكئة على حافة الغابة .
كان يمكن للطبيب بول أن يغلق باب العيادة بعد خروج آخر مصاب بفقد الشعور بالألم ويؤذي نفسه - غير متعمد - ، بكتابة وصفة ورقية تقول : كن حذرا لا تؤذي نفسك في المرة الأخرى
كان معظم مرضى الطبيب بول هم من مرض الجذام الذي يقضي على جسد المريض قبل روحه ، تتحول أياديهم إلى شكل مخلبي ، تتقاطر الدماء من بين أصابعهم ، تتآكل عظام أقدامهم من مجرد المشي أو الوقوف الطويل ، ويلبسهم المجتمع وصمة (العار) ، وجرمهم الوحيد أنهم ( لا يشعرون بالألم )
أحس (بول ) ذات مساء أنه لا يشعر بحركة قدمه ولا بثقلها !!
ولم يكن لدى عقله إلا تفسير واحد فقط .. ( لقد أصبت بالجذام !)
التقط أقرب إبرة ووخزها في باطن قدمه ثم صرخ قائلا :
(لم يسبق لي أن ذقت شعورا لذيذا كما شعرت به تلك اللحظة شعورا حيا ومكهربا من الألم ،الحمد لك يارب على الألم )
العناية بالجروح أولا
كانت الجروح والتقرحات الظاهرة من المصابين نتيجة ايذاء أنفسهم بدون وعي محط أنظار الطبيب الشاب ، فأنشأ عيادة تعتني بتطهير الجروح ومتابعة المرضى بشكل مستمر
أظهرت النتائج المخبرية والتشريحية لمرضى الجذام أن سبب فقدان الشعور بالألم هو نتيجة لهجوم العصيات على غلاف الأعصاب التي تغذي أوتار اليدين والرجلين حتى تتورم ثم تموت ، فقام بعمليات زراعة للأورتار للمصابين بالمرض ، مما أعاد منظر أياديهم للشكل الطبيعي
ولكن الجروح عادت للمرضى من جديد!
معظم مرضى الجذام كانو يعودون لأعمالهم الشاقة التي تتسبب في ايذائهم ، وبعض المرضى عاد ساخطا على الطبيب الذي تسبب في منعه من مهنة التسول إذ يميل الناس عادة إلى إعطاء المال للمرضى المشوهين !
يقول أحد المرضى للطبيبية المعالجة التي منعتها من ايذاء نفسها ( لم لا تفهمين ؟ نظرة العالم لي أهم من نظرتي للعالم )) !!
من العناية بالجروح إلى العناية بالمريض
افتتح الطبيب (بول) مركزا جديدا (نيو لايف سنتر ) وذلك لتوظيف المتعافين من مرض الجذام في مصانع ومراكز خاصة بهم ، ليكمل المريض بعدها رحلة الإعتماد على نفسه
ولكن الجروح عادت للمرضى من جديد!
لم يكن المرضى هذه المرة في دائرة الاتهام ، حيث أكد الجميع أن تلك الإصابات تحدث دون علمهم وفي أوقات النوم غالبا ، وهنا انتبه الطبيب إلى أشكال غريبة من الإصابات تحدث للمرضى كأظافر مقضومة !
وكانت المفاجئة أن بعض الدواب تأتي وتشم أطراف المرضى ولا تلقى أي مقاومة - لأنهم لا يشعرون بالألم - فتأكل من أظافرهم وتشرب من دمائهم حتى ترتوي !
من العناية بالمريض إلى الوقاية من الإصابة
يبحث الشاب في طول الأرض وعرضها عن فكرة أداة تقوم بتحذير المريض من الأدوات الحادة قبل أن يصاب بها ، حذاء صناعي مبطن، قفازات تحتوي على حساسات تقيس أثر الضغط المتكرر على اليد
ابتكر الأطباء جهاز تحذير عبارة عن لاصق على أكتاف المرضى في المنطقة التي لم يهجم عليها المرض بحيث ترسل شحنات كهربائية تنفض أجسادهم حال قربهم من من الخطر
ولكن الجروح عادت للمرضى من جديد!
لم يكن مذهلا للطبيب بول حين رأى بعض المرضى بكل بساطة وقبل أن يزاول الأعمال الخطرة أن يذهب إلى اللاصق الكهربائي في جسده ويغلق زر التحذير!
يقول الطبيب ( بول ) انه مهما وضعت أي مكون خارجي للتحذير بالألم فإنه لن يضاهي قدرة الجسد البشري لاحتواءه على نظام معقد للتحذير بالألم قبل وقوعه
لماذا نتألم
قادت هذه الرحلة العلمية للطبيب بول إلى استعمال مرضى الجذام كمثال على هبة الألم لكل المرضى الذين يتذمرون من آلامهم
الألم هو نظام حماية لا يمنعك من الإصابة فحسب بل يتحول كرسائل في ذاكرة الدماغ ليحميك من الوقوع في نفس الإصابة مرة أخرى !
بفقدان الشعور بالألم ، يفقد المريض جزءا من كيانه وذاته ، يشير المريض بالجذام إلى يديه يقول أنظر هذه يدي لكنها ليست جزءا مني !
يستذكر الكاتب الفرق الشاسع بين صيحات المرضى المنومين في الأجنحة والمصابين بجروح بسيطة وهم يطلبون كل أنواع المسكنات بمنظر جنود المعركة المصابين بجروح بليغة ما إن يعودوا إلى قواعدهم ناجين بحياتهم فإنهم لا يطلبون أي نوع من المسكنات ! لقد طغت فرحة النجاة على ألم الإصابة ..
( لو مد لي في عمري على الأرض ، فلربما حاولت ابتكار خط جديد من مرافق العناية بالمرضى مصممة لاستبدال العجز بالشعور بالمعنى )
مسكنات أقوى من كل العقاقير الطبية في التعايش مع الألم
وجود الدعم النفسي والاجتماعي للمريض
الانشغال الذهني عن الألم
الشعور بالامتنان لهذا النظام التحذيري العظيم
الابتعاد عن معززات الألم كالخوف والوحدة والشعور بالذنب