حكايا طبيب مبتعث(3)
ورقة
تبقت ورقتان فقط لتتجاوز حقيبة الظهر وزنها المسموح لركوب الطائرة،وعلى الرغم من رشاقة الأوراق إلا أنني أجبرت على أن أحمل نسخة ورقية لكل شيء يخص رحلة الإبتعاث حتى ملئت كل الزوايا في حقيبة الظهر فمن أوراق القبول مرروا بأوراق الحجوزات وانتهاء بأوراق تصريح السفر أثناء الجائحة استطاعت الحقيبة على الميزان أن تحبس أنفاسها وتنجح في الصعود للطائرة .. وكم هي المفارقة أننا في بعض المواقف في الحياة “نحبس” أنفاسنا لنستمر في “العيش”
توجهت في الأيام الأولى لاستخراج بطاقة التأمين الخاصة بالولاية وأثناء الانتظار حانت مني التفاتة إلى الشخص الذي يسبقني حاملا معه دفتر “مربعات أبو 200 “ وفي داخله وثائق ووصايا جده العاشر!
كانت حاجته فقط تغيير لوحة السيارة ولكنه اضطر أن يحمل كل هذه الأوراق التي تثبت من يكون وماهي مواصفات المركبة!
حين جاء دوري وقدمت مستنداتي الرسمية وانتهيت من دفع الرسوم أخبروني أن البطاقات ستصل إلى صندوق البريد وفي خلال هذه الأثناء لابد لي من حمل أوراق تثبت أنني مستحق للتأمين،خرجت منهم بضعف عدد الأوراق التي حملتها معي.
المرة الثانية التي يأست فيها من الخروج دوق ورق،حين بدأت بإجراءات الحصول على التطعيمة الثالثة لكورونا،بعد التطعيمة طلبوا مني الاحتفاظ بورقة صغيرة تشبه حجم بطاقة الصراف ويجب أن أذهب بها للمكتبة لتغليفها حرارايا إلى أن يصلني بالبريد الإلكتروني ما يثبت أنني أخذت اللقاح للمرة الثالثة!
كل وظيفة هنا لها علاقة بالورق في كندا فأصحابها في أمان وظيفي مدى الحياة
الورق هنا عبارة عن هوية وقد يفسر ذلك شعار دولة كندا بوجود ورقة قيقب حمراء في منتصف العلم.
هل حياتنا تشبه الأوراق؟
هذا الهوس بالورق يدفعني إلى التأمل في التشابه بين حياتنا وأوراق الشجر
تأتينا الفصول الأربعة فنترنم في الربيع ويحتمي الناس بظلالنا في الصيف ثم يأتي الخريف الساحر بفصوله الأربعة!
في الخريف تتساقط الأيام دون أن نشعر وتطأنا الأقدام على الأرض ونحن نلفظ أنفاسنا الأخيرة ثم يأتي الشتاء بالبياض ماحيا معه كل شيء .. كأننا لم نكن هنا.
مع مرور الفصول والأيام ندرك أننا لسنا سوى الأغصان التي تحمل تلك الأوراق
التي تذبل في لحظة!
حتى الأغصان، يأتيها اليوم الذي تميل فيه!
فهل نحن إلا جذورنا التي لا نراها ولايراها الناس؟
ميدان الحياة أضيق من ان يسع بين غايتيه العمل الصالح و الجزاء عليه فلابد ان يكون للجزاء حياة أخرى، إما حياة الأجر أو حياة الذكر
المنفلوطي