تنظر إليه .. لكن لا تراه

مستلقيا على سطح قاربه الخشبي يتأمل منظر السحب الممتلئة بالماء!

أطال أحمد النظر ثم انتبه من جلسته تلك ونادى صديقه فهد وقال له ماذا يعني لك منظر السحب المحملة بالماء ؟!  أجاب فهد .. أعلم يا أحمد أن سؤالك يحمل مغزى عظيم فالماء عندما كان ولا زال مخلوقا عظيما استحق أن يكون

مرتفعاً ولكنه أيضاً عندما ارتفع تواضع لمن هو دونه وظهر لهم بأجمل صوره و اكتسى بأبهى حلة .. ولم يطل مدة مُكثه في السحابة بل عاد إلى الأرض فسقاها وأنبتها  فكأنه أحسن إلى من هو دونه في المنزلة ...

 


وهكذا ينبغي أن نكون

 

 

 

تأمل يا صديقي العزيز أيضاً ذلك الشلال المتصل بهذا النهر الذي نطفو فوقه  إنه يدل ذلك على معنى آخر إن (شلال) الماء يساهم في تدفق الحياة في النهر بعد ركوده الشلال ينقل خبراته وتجاربه التي كانت تجري فوقع لمن هو دونه في النهر! دونما مقابل  .. دونما توقف دونما تعب ! و إن منظره يسر الناظر من بعيد

 

وهكذا ينبغي أن نكون



إيه يا صديقي  - قالها أحمد وهو يلتقط أنفاسه - كم كنت أود أن أكون شلالاً لأبنائي الذين فقدتهم منذ سنين .. أنقل لهم خبرتي في الحياة ، كفكف أحمد(دموعه) المنسكبة  وهو ينظر إلى صديقه الذي شاركه الشعور وأخذ بالبكاء وقال له :أيها الصديق انظر إلى هذا البحر الواسع أمامك  ألا يكفيك هذا المنظر الرائع أن يواسيك في أحزانك ويشاركك في أفراحك على الرغم من كونه قطرات ماء تجمعت وأصبحت بحرا إلا أنه  دائماً ما (ينصت) لك إذا بثثت إليه همومك .. ولا يزيد حديثك له ضجيجا سوى حركة الأمواج تعبر عن ما يختلج في صدره  من مشاعر وأحاسيس فللبحر صدرا واسعا وعميقاً تماما كالمحيط..

 

وهكذا ينبغي أن نكون


 

هنا توقف الأب من إكمال ما تبقئ من صفحات القصة وقال لولده يا بني تعلم من صفاء الماء أن تصفي قلبك من الأحقاد و الحسد


تعلم من (دفء) الماء أن تخفف عن الآخرين آلامهم وتعلم من (برودته) أن تشارك الآخرين آمالهم

 

تعلم من الماء عندما يكون (ثلجا ناصاعا) أن تكون ثابتا على مبادئك وحازما في حياتك ولكن تعلم من ( الثلج حين يذوب) أن تعود إلى الحق إذا تبين لك و أن تعتذر عن أخطائك بشجاعة  ..

 

 

 

 

 وبينما كان الأب يوصي ابنه تلبدت سماء المدينة بالغيوم وأذن الله للسماء أن تمطر , هنا أدار الاثنان نظرهما نحو النافذة وقال الأب لابنه يا بني هذا الماء الذي أنزله الله من السماء على شكل (مطر) هو نعمة منه سبحانه إنه لا يسقي أرضنا وأجسادنا فحسب! لكنه يروي حياتنا بالمعاني العظيمة

 


يا بني : أنت [ تنظر] (إليه) ولكن [لا تراه]

 


تنظر إليه النظر العابر ولا (تراه) رؤية المتأمل الذي يستلهم كل شكل من أشكال هذه الطبيعة الساحرة..



يا ولدي (الرؤية) أوسع وأدق من مجرد (النظر) ,, فالزمها في حياتك و (سترى) الأشياء أكثر جمالا ووضوحا من غيرك

صالح رشيد السعيد

صباح الجمعة

3/5/1434 هـ

Join