أول جريمة لي…
من الحِكم الإلهية وجود الضد لكثير من الأمور، حتى يتبين المعنى الصحيح و القيمة الحقيقية لكل من الشيء وضده ، فلولا الظلم لم يعرف العدل، ولولا المرض لم تعرف الصحة، و للعلم نحن مدينون لأعدائنا فلولاهم لما عرفنا أصدقائنا، وفي هذا الفضاء الواسع سأسلط الضوء على جانب من هذه الجوانب ، فمنذ عامين كانت أول جريمة فراق أقوم بها في حياتي ، كانت ليلة مزينة الأسى ، و مكحلة بالألم، و معطرة بالدموع، ففي ذلك الوقت علمت قيمة الوجود مع من نحب.
فارقت رجلًا كنت وما زلت أرى أنه ممن قل وجودهم على هذه البسيطة ، كان قائداً محنكاً ، يعلم ما ينفع لي ، ويحثني عليه ، كان يقول ( ما أبغا شيء ، أبغا تكون أنت وأخوتك في خير وبخير ، وأن تكونوا ممن يشار لهم بالبنان) ـــــــــــــــــ فارقت أبي ـــــــــــــــــ الذي لم أر مثل حرصه على أن نكون في الصف الأول في المسجد ، وأن نكون قدوات لغيرنا ، وأن نكون مع من هم أفضل منا فكان يوصيني ويقول : ( خاو اللي أطيب منك) ، والدي يعمل في السلك التعليمي ،هو قدوتي في الالتزام والقيام بالعمل على أكمل وجه طيلة علمه حتى الآن ، فلم أعلم أحداً انتقده في عمله بل كان قدوة لغيرة من المعلمين في التميز والالتزام والانضباط .
ثم فارقت شمعة الأرض ، نور عيني ، ومهجة فؤدي، و بلسم جرحي، أفنت عمرها في تربيتي ، وتعليمي ، وضعت لي منهجاً في الحياة ، أن أراقب الله في كل مكان و زمان ، و أن أعلم أن ما سأفعله اليوم سأجده غداً ، و أن لكل مجتهد نصيب ، كان تأثير عبارتها عندما كانت تسمع صوت الأذان ( لا خير في عمل وقت الصلاة) حدًا مانعاً بيني وبين أي شيء سوى الصلاة، ،
ومن روعة الحظ أنني كنت بين والدين مخلصين ، فقد كانا سيان ، كانت مخلصة في عملها و دؤوبة مهما كانت الظروف ، وعلتها أنها تريد أن تحلل ما تحصل عليه من مال ، إضافة إلى أنها مضرب للتميز والإتقان على مستوى المنطقة ، و كانت شهادات و دروع التميز والشكر والتقدير أكبر دليل على ذلك.
أعلم أنهما سيقرآن هذه المقالة .........
أحمد الله أن رزقني بكما ، فانتما قدوتي في شتى أمور الحياة ، نهلت من علمكما ، و شربت عطفكما ، وترعرعت في فيء ظلاكما ، وصاياكما محفوظة في وجداني ، و مفعولة ببناني ، و مروية لأبنائي وخلاني ، أفنيتما أعماركما في خدمتي و خدمة أخوتي ، وسأفني عمري في خدمتكما ، والسعي لأجل رضاكما ، والوصول إلى آمالكما ، ، ومهما عملت لن أجيزك ما تستحقانه ، وهذا حق علي و لا فضل لي فيه ، كتبت هذا الكتاب ولسان حالي يقول :
اليوم أخبر والديّ بأنه حبي إليهم في الفؤاد ممدا
والله يشهد لا أبالغ مطلقاً هل مثل ربي في الشهادة شاهدا
يا رب تحفظ والديّ كلاهما واجعل لهم من حوض طه موردا