سر النجاح المنسي
يبالغ كثير منا بالسعي وراء هدف ما فتصبح مبالغته سببًا في انحرافه عن الهدف وانجرافه إلى العديد من الامور الفرعية غير الهامة
قصة قصيرة
كان هناك رجل كثير الأعباء والمشاغل مما سبب له نوعًا من الأرق وصعوبة في الخلود للنوم. ذهب واستشار طبيبًا فأشار عليه أن يعد عكسيًّا من (100) إلى (0) بعد أن يطفئ الأنوار ويهيئ الجو والمكان للنوم ويبتعد عن كل ما يجرح الهدوء ويفسده، فعل الرجل كل ما يلزم وبدأ العد (100 – 99 – 98 -97 -96) حتى وصل (19- 18 -17) وكان قد بدأ يشعر بالنعاس والنوم يداعب عينيه، فقام وغسل وجهه وعاد ليكمل العد.
من خلال تجربة هامة جدًّا في مسيرتي المهنية مررت بها في إحدى الشركات إلا أن الطرفة السابقة كانت سببًا في تحدٍّ كبير ولكننا تغلبنا عليه أخيرًا بفضل الله وتوفيقه. لا أريد التطرق إلى عناصر التسويق وأسباب النجاح والفشل حتى لا أجعل من مقالي حشوًا نظريًّا وإنما أريد أن يكون ثريًّا مباشرًا وعمليًّا حتى لا يملّ القارئ الكريم .. وبناء على ذلك سأتوجه مباشرة إلى بيت القصيد.
الهدف الرئيسي في أي منشأة تجارية هو تحقيق الربح
لا أعتقد أنها نقطة يمكن أن نختلف عليها ولكن يجب أن نعي جيدًا أن الربح لا يأتي إلا بتقديم منتج مناسب، يقدم حلًّا لمشكلة، أو يمنح ميزة إضافية للعميل النهائي، أو يشبع حاجته ويلبي رغبته. إذن المنتج هو أحد أهم الأعمدة التي يتوقف عليها نجاح أي نشاط تجاري ولكن الجديد الذي سأخبرك به هو: “يجب أن نتعامل مع المنتج ككائن حي و نتيقن أن له دورة حياة نهايتها الموت والتلاشي”
5 مراحل تشكّل دورة حياة المنتج
1- مرحلة الابتكار (المخاض)
وهي مرحلة العصف الذهني لابتكار المنتج ومميزاته وخصائصه وماذا يميزه عن غيره ويجعله قادراً على المنافسة والنجاح مع التأكد من كل ذلك وتجربته قبل الانتقال للمرحلة التالية.
2- الإطلاق (الولادة والنمو)
وهي مرحلة تقديم المنتج وعرضه على العملاء المحتملين والمهتمين والمستفيدين منه ودعمه بالإعلان والترويج لزيادة انتشاره وتداوله ونمو مبيعاته.
3- مرحلة النمو والشباب والحيوية (ذروة النجاح)
وهي المرحلة التي يكتسب فيها المنتج شهرته وثقة الناس به ويبدأون في الترويج له بنصح غيرهم بشرائه واختياره من بين البدائل المتوفرة في السوق.
4- مرحلة النضج (الاستقرار)
هي المرحلة التي تصبح فيها المبيعات مستقرة وتتأثر فقط بالمؤثرات الطبيعية كالمواسم المرتبط بها هذا المنتج فيهبط قليلًا ثم يعود ولكنه لا يهبط هبوطًا حادًّا، ويمكن إطالة عمر المنتج بتطويره والتعديل عليه عندما يتعرض للهبوط فيصعد مرة أخرى ويحافظ على استقراره لمدة أطول.
5- مرحلة الشيخوخة والضمور والوفاة (التراجع والهبوط)
هنا تبدأ مرحلة الملل لدى الجمهور والبحث عن جديد ويبدأ سلوكهم في الاختيار يتغير تدريجيًّا بحيث يصبح السؤال عن خيارات أخرى أحدث أو أفضل أو متطورة وفيها ميزات أعلى. هذه هي المرحلة الأخيرة التي يمر بها المنتج ويصبح خلالها عبئًا على المنشأة ولا يتمكن من الصعود والانتعاش مهما قمت بالترويج له أو الإعلان عنه فتصبح مبيعاته ضعيفة جدًّا وأحيانًا قد تكون صفرية بسبب ظهور منتج آخر منافس له مع ملاحظة أن المنتج الجديد قد يكون من منافس وقد يكون من منتجات المنشأة نفسها.
الآن سأكشف الغطاء عن سر النجاح المنسي فاستعد
ذكرت في البداية أن المبالغة في السعي وراء أحد الأهداف قد يجعلنا نخفق في تركيزنا على هذا الهدف ونجد أنفسنا في معركة أخرى لا نفع منها. لقد كان قصدي بالهدف الرئيسي “تحقيق الربح” والهدف الوهمي الذي نفقد تركيزنا ونجري خلفه هو “المبالغة في الحفاظ على المنتج المربح”
فهذه المبالغة تجعلنا نفرط في السعي للحفاظ على ذلك المنتج الذي كان حصانًا رابحًا وسببًا في تحقيق أرباح رائعة للمنشأة، فيكلفنا ذلك أضعاف ما يمكن أن يكلفنا العمل على ابتكار منتج جديد ومسابقة السوق والمنافسين في التقدم بخطوتين وتجهيز المنتج الجديد الذي سيحقق لي الأرباح بعد اختفاء المنتج الأول.
حتى لا نخرج عن هدفنا الرئيسي وهو تحقيق الأرباح يجب أن تبقى شهيتنا مفتوحة على الابتكار والتطوير بل يجب أن تكون المنشأة شرهة جدًّا في هذا الجانب. من الجيد أن أنبه إلى نقطة خطيرة هنا وهي ضرورة الحذر من التعامل مع دورة حياة المنتجات وفق الآراء الشخصية أو السماح بتضييع القرار والتسويف بسبب اختلاف الآراء داخل المنشأة، فحتمًا سيكون هناك من تعلق بالمنتج المربح وأصبح لديه نوعًا من التحيز له وفي المقابل سيكون هناك من يرى ضرورة القفز عاليًا حيث يصعب على المنافسين اللحاق بنا.
ولكن ما الذي سيجعلنا نتجاوز هذا الوضع بسهولة وأمان؟ وكيف نتجنب الوقوع رهينة للآراء الشخصية؟
الجواب على هذا السؤال باختصار ووضوح: “الدراسة المستمرة التحليلية لتقارير المبيعات المفصلة هي طوق النجاة وسر النجاح المنسي في كثير من المنشآت” وهذا يعيدني إلى جملة أرددها دائمًا “المسوِّق الناجح هو من يستطيع استخراج البيانات الهامة وقراءتها وتحليلها بشكل صحيح والاستفادة من تحليله في اتخاذ القرارات والإجراءات الصحيحة في الوقت المناسب وتطوير السياسة التسويقية عمومًا”
ولعل في وضع بعض الضوابط التي يتفق عليها الجميع كنقطة احتكام يجتمع عليها الرأي حلّ جميل يجعل الأطراف كلها تتبنى هذا النهج، ومن هذه الضوابط والمعايير مثلًا:
انخفاض مبيعات الصنف بنسبة تتجاوز (50%)
ضعف الأرباح من هذا الصنف وخروجه من قائمة المنتجات الأعلى ربحًا
الاستثمار في تطوير المنتج تكاليفه عالية جدًّا ويحتاج تعويضها لمدة تزيد عن ستة أشهر.
سأقول هنا أيضًا بأننا يتوجب علينا أن نجعل دراستنا مبنية على قواعد بسيطة وواضحة وغير معقدة وهذا ما تحققه لنا المصفوفة الذكية لإدارة المنتجات (Smart Matrix of Menu Engineering) في الجدول التالي:
ملاحظة
فخ الابتكار والتمسك بالمنتجات أكثر من اللازم دون التخلي عن المنتجات التي تحتضر سيستنزف مواردك، وقد يجعلك تحتفظ بعدد كبير من المنتجات غير المربحة مما يؤثر على تركيز جهود المنشأة الإنتاجية أو جهود سلاسل التوريد والإمداد أو سيشتت إنفاقك التسويقي على عناصر كثيرة العائد على الاستثمار فيها لا يستحق العناء أو يحقق لك خسائر دون أن تشعر ويضخم ميزانيتك التسويقية ومصاريفك الإعلانية فيرهقك ماليًّا أيضًا
في الختام أود التذكير بأهم نقطتين ودرسين تعلمتهما في إدارة الأصناف
أولاً، لا تكن عاطفيًّا مع المنتج الذي يحتضر. فورًا افصل عنه أجهزة التنفس
ثانيًا، لا تعتقد أن كثرة المنتجات نجاحًا. بل كثرتها إن لم يكن تنوعًا يفتح أسواقًا جديدة ولديك وفرة في الموارد والإمكانات لإدارته بكفاءة فإنه استنزاف يجب أن تحاربه وتقضي عليه سريعًا