مراجعة كتاب


أفكارٌ وُجِدَتْ لتبْقى

لماذا ترسخ بعض الأفكار وتتلاشى أخرى

عجيبة تلك الأفكار والمقولات التي تمر عليك مرورا عابرا ، لكنها تبقى في عقلك بقاء راسخا ، تؤثر على فكرك وسلوكك ورؤيتك ، وعلى النقيض منها أفكار ومقولات تتكرر عليك كل يوم وكل حين ولا يكون لها أثر عليك ، كيف حصل هذا !؟


هل تولد الأفكار مثيرة للاهتمام أم تُجعل كذلك ؟


في الاجتماع ، جهزتَ فكرة عظيمة للمساهمة في تطوير العمل ثم عرضتها على الحضور بكل حماسة ، لكن لم يقتنعوا بها ! أو اقتنعوا لكن لم يطبقوها …

ثم تلقي فكرة عفوية ويكون لها أثر عظيم !!

وأحيانا يلزمك عرض فكرتك مرات ومرات وبالحجج والبراهين حتى يقتنعوا ، قد تفلح أحيانا وقد لا تفلح .

إن كان عليكم عرض فكرتكم عشر مرات ، تكون الفكرة غير مصممة بشكل ملائم

لماذا ترسخ بعض الأفكار وتتلاشى أخرى ؟

نقصد بكلمة ترسخ : أن تُفهم أفكارك ويكون لها وقعٌ دائمٌ ومؤثرٌ .

أي مفهومة و سهلة الحفظ و دافعة للتفكير والعمل.

سمات الأفكار الراسخة

للأفكارالراسخة في عقول الناس سمات خاصة ، كما للاعب المحترف سمات خاصة كالسرعة والمرونة … ، لكن قبل عرض سمات الأفكار ، هناك أزمة علينا إدراكها والحذر منها !


الملحنون والمستمعون

في عام 1990 قامت الدكتورة إليزابيث نيوتن بدراسة لعبة بسيطة ، قسمت الأشخاص إلى فريقين ملحنون و مستمعون ، استمع الملحنون لمجموعة من الأغاني المعروفة ،ثم طلب من كل واحد أن يختار أغنية ثم يلحنها لعضو من المستمعين ( عبر القرع على الطاولة ) وكان على أعضاء المستمعين توقع الأغنية ، لحّن الملحنون 120 مرة ، ولم يعرف المستمعون إلا 3 فقط أي 2.5% ! .

إليكم ما جعل النتيجة تستحق الدراسة في علم النفس ،قبل أن يتوقع المستمع الأغنية طلبت إليزابيث من الملحن توقع نسبة الإجابة ، وكانت الإجابات تشير إلى 50% ! .

يُدهَشُ الملحن من صعوبة توقع المستمع للأغنية ! ، أليست الأغنية واضحة ؟!

عندما يعزف الملحن ، فهو يسمع الأغنية في رأسه ، لكن المستمع لا يسمعها .

إنها أزمة المعرفة ، عندما تعرف شيئا ، لا تتذكر كيف كنت حينما لم تكن تعرف ! ، فتميل إلى التكلم كما لو كان الحضور هم أنت ! ، وهو ميل نفسي وطبيعي يربك قدرتنا على إيجاد وصياغة الفكرة الرئيسية في بحر من المعلومات ..

و لكي لا تقع في أزمة المعرفة أمامك طريقان ، عدم تعلم أي شيء أي تكون جاهلا !، أو إعادة صياغة أفكارك، وهذا ما نسعى إليه.


ست سمات

لكي ترسخ فكرة في أذهان الناس ، فهي تتسم بست سمات :

بسيطة ، مفاجئة ، واقعية ، معقولة، عاطفية ، قصة

بسيطة

حدد أساسَ الفكرة ، الهدفَ الرئيسي ، الشيءَ الأهم ، لاتضيّع الفكرة الرئيسية ، ولِنصل إلى أساس الفكرة، علينا أن نتقن فن الاستبعاد ، كم يمكن لك أن تستبعد من فكرتك قبل أن تفقد معناها؟.

يدرك المهندس أنه بلغ الكمال ليس عندما لا يبقى أي شيء يمكن إضافته ، بل عندما لا يبقى أي شيء يمكن أخذه !

الطيار والكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري

كلما قللنا نسبة المعلومات في الفكرة ، كانت أكثر قابليةً للرسوخ.

افترض أنك مراسلٌ حربيٌ و في إمكانك إرسالَ خبرٍ واحدٍ بالتلغراف قبل انقطاع الخط، فما قد يكون هذا الخبر ؟

عصفور في اليد والعنب الحامض

في المثل الإنجليزي " عصفور في اليد أفضل من اثنين في الشجرة " ! يقابله المثل الأسباني " عصفور في اليد أفضل من مئة في الجو " والبولندي " عصفور في اليد أفضل من حمامة في السطح " ونحن نقول " عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة " هذه الأمثال متقاربة جدا .

في المثل اليوناني " لم يستطع الثعلب أن يصل إلى العنب فقال : أنا متأكد أن العنب حامض " ونحن نقول في المثل الشعبي " اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول " وفي الصين والمجر والسويد كذلك ! .


لماذا الأمثال راسخة ؟

المثل هو حكمة عميقة وتجربة طويلة صيغت بعبارة سهلة وبسيطة .

والأمثال عميقة جدا فهي تضع قواعد للحياة ومع ذلك فهي سهلة إذ تدرك معناها مباشرة وإن كان المثل من ثقافة أخرى أو مترجما من لغة أجنبية ، وهي بسيطة يرددها الكبير والصغير والعامي والمثقف .

مفاجئة

فاجِئهم ، أثِر فضولهم ، إذا كانوا يضنون أنهم يعرفون كل شيء ،فافتح ثغرة في معرفتهم ، لتدفعهم للتفكير ولأعلى درجات الانتباه .

إن الفضول يحدث عندما نشعر بثغرة في معرفتنا

عالم الاقتصاد السلوكي جورج لونستاين

إعلان تلفزيوني لسيارة ميني فان إنكلايف يقدم مشهداً لعائلة سعيدة تركب الميني فان وتتجول بها في الشوارع والضواحي ، مع أبواب قابلة للتحكم ، وسقف زجاجي ومراتب مريحة ونظام ملاحة GPS … إنها الميني فان للعائلة .

تمر سيارة عبر التقاطع وتصطدم بالميني فان في حادث مروع ! ، تتحول الشاشة للسواد وتظهر رسالة :"هل رأيت هذا قادما؟"

تظهر رسالة أخرى :"لم يره أحد من قبل"

وبعد لحظات تظهر على الشاشة :" ضع حزام الأمان دائما"


لا توجد سيارة ميني فان إنكلايف أصلا ! .

هذا الإعلان مفاجئ وغير متوقع ويحطم الصورة الذهنية لإعلانات السيارات.

معقولة

الناس تفهم ما تراه بعينها وتسمعه بأذنها وتلمسه بيدها ، أي ما هو مدرَكٌ بالحواس.

فإذا أردت إيصال فكرةٍ إلى الناس فلا تصُغْها بطريقة تجريدية بل صُغها بطريقة معقولة ومحسوسة ، ساعدهم لكي يفهموا ويتذكروا .

العيون الزرقاء والبنية

اغتيل مارتن لوثر كينغ في 4 ابريل 1968 ، وفي اليوم التالي أرادت جاين إيليوت معلمة الابتدائية في أيوا شرح موته لتلاميذها في الصف الثالث في مدينة رايسفل في أيوا التي يسكنها البيض فقط ، يعرفون مارتن لوثر كينغ لكنهم ماكانوا ليفهموا من قد يرغب بقتله ولماذا ؟

في بداية الصف قسمت التلاميذ إلى مجموعتين ، ذوو العيون البنية وذوو العيون الزرقاء ، ثم قالت : " إن ذوي العيون البنية أرفع قدرا من ذوي العيون الزرقاء وأنهم أفضل وأذكى"، وجعلت ذوي العيون الزرقاء في آخر الصف ، وكان عليهم ارتداء أطواق خاصة ليُعرَفوا من بعيد ، ولم يسمح لهم بالاختلاط خلال الفسحة .

ذهلت المعلمة لسرعة تحول الصف ، تقول " كان الأمر مروعا ، انحلت الصداقات في الحال ، وبدأ ذوو العيون البنية بتوبيخ أصدقائهم السابقين ذوي العيون الزرقاء ، كما أثر عليهم في الواجبات وتمارين القراءة " .

في اليوم التالي أعلنت المعلمة أنها كانت مخطئة.

مازال التلاميذ يتذكرون هذه بعد أكثر من 15 عاما ، تقول أحدهم :"أحيانا أشعر أني أُمَيّز بين الناس ، فأوقف نفسي وأتذكر تمرين الصف الثالث"


واقعية

عند إيصال فكرتك ساعد الناس ليصدقوها ، ابحث عن الوسيلة المناسبة ، بعض الناس يصدق بذكر رأي من يثق بهم أو رأي أحد المشاهير ، وبعضهم يصدق بالحجج والبراهين ، وبعضهم يصدق بالتجربة ...

في عام 1980 توصل باحثان من مدينة برث الأسترالية إلى اكتشاف مدهش: قرحة المعدة تسببها البكتيريا. ولكن لم يصدقهم أحد، فالبنسبة للجميع كانوا يفتقرون للمصداقية لأنهما لم يأتيا من مؤسسة بحثية طبية معروفة، ولم تكن حتى أوراق اعتمادهما الشخصية قوية (كان أحدهما لا يزال طالبًا). ذات يوم اضطر أحدهما إلى تناول كوب به نحو مليار خلية هبيلوري ، وبعدها بأيام عانى من أغراض قرحة المعدة ثم استخدم المضادات الحيوية التي تقتل البيكتيريا ليثبت الأمر ، استغرق الأمر 10 سنوات قبل قبول الأوساط العلمية لهذا الرأي، ويفوز الصديقان بجائزة نوبل.

 


مبدأ النطاق البشري

هناك طريقة لجعل الفكرة أكثر واقعية وذلك بإضفاء الحياة على المعلومات و جعلها أكثر إنسانية .

يذكر ستيفن كوفي في كتابه العادة الثامنة استطلاعا لـ23000 موظف من شركات متعددة ، وكانت النتائج :

  1. 37% يعرفون ما تسعى شركتهم إلى بلوغه

  2. واحد من أصل خمسة كان متحمسا لأهداف شركته

  3. واحد من أصل خمسة لديه ربط واضح بين مهامه وأهداف شركته

  4. 15% شعروا أن شركتهم تمكنهم من بلوغ أهدافهم

  5. 20% يثقون في شركتهم

ثم يعرض ستيفن كوفي الأمر بطريقة أخرى :

لنفرض أن فريق كرة قدم سجل هذه النتائج عينها ، يكون 4 لاعبين من أصل 11 يعرفون ما هو هدفهم ، ولا عبان فقط متحمسون لذلك ، ولاعبان يعرفان موقعهم الذي يلعبان فيه …

في العرض الثاني للنتائج تدرك حجم المشكلة أكثر من العرض الأول ، لأن الأرقام تجريدية بينما الحياة ليست كذلك ، قليل من التفاصيل الحية أكثر إقناعا من كمية كبيرة من الإحصاءات .

عاطفية

استهدف المشاعر المناسبة ، أحيانا يكون الجزء الصعب هو اكتشاف الشعور المستهدف ، فعندما تأمر الشاب بترك التدخين أو تحذره من آثاره الصحية فلن يستجيب لك لأن دافعه التمرد وإثبات الذات ، فالأمر والتخويف لا يجديان معه.

في عام 1925 طُلب من جون كابلز كتابة عنوان لإعلان دروس الموسيقى ، لم يكن يتمتع بخبرة في مجال الدعاية والإعلان ، إلا أنه كان يفهم طبيعة الناس وماذا يؤثر فيهم ، جلس أمام الآلة الكاتبة وطبع أشهر إعلان في تاريخ الإعلانات المطبوعة

“ضحكوا عندما جلستَ أما البيانو …. إلى أن بدأتَ بالعزف !”

ضحكوا عليه فأسكتهم بعزفه!

نجح هذا الإعلان نجاحا باهرا حتى أن مؤلفي الإعلانات ما زالوا يقلدونه بعد مرور عقود عديدة.

قصة

إن القصص هي الطريقة المثلى والأكثر فَعَالية للتعلم ، فالقصة تضع المعرفة في إطارٍ قريبٍ من الواقع الذي نعيش فيه.

في كل سنة يقوم الدكتور شيب ( مؤلف الكتاب ) في حصة كيف ترسخ الأفكار في جامعة ستانفورد، يقوم الطلاب باختبار صغير لمعرفة ما الرسائل التي ترسخ في ذهنهم .

يلقي كل واحد منهم خطابا قصيرا لمدة دقيقة بينما يستمع الآخرون ثم يقيّموا الخطاب .

وكالعادة فالخطباء الأكثر تمرسا يحصلون على أعلى الدرجات ، لكن المفاجأة تأتي بعد ذلك ، يعرض شيب شريطا مصورا مختصرا لإضاعة بعض الوقت ، و فجأة يطلب منهم أن يكتبوا كل فكرة يتذكرونها من كل خطاب ، يرتبك الطلاب لقلة ما يتذكرونه من الأفكار ،

65% يتذكرون الخطابات التي تحتوي على قصة ، و5% يتذكرون الخطابات التي تحتوي على إحصاءات و أرقام !

الخلاصة

لكي تكون فكرتك راسخة ومؤثرة ، عليها أن تكون :

مركزة ( بسيطة )

تلفت الانتباه ( مفاجئة )

مفهومة ( واقعية )

مصداقية( معقولة )

تثير المشاعر ( عاطفية )

قصصية

الكتاب رائع وممتع وجميل ، وهو مخيف أيضا ! إذ بعد قرأته تتساءل عن قوة الأفكار السيئة الرائجة بين الناس التي تتسم بالبساطة والعاطفية ،

وأيضا كما يقول محرر the Guardian : ترى عالم الأفكار كسباق تسلح ، لإغوائك لتكون في صفهم أو لتنفق لهم أموالك ، وتتساءل أيضا ، من يملك معظم الأفكار الرائجة والراسخة ؟ الشركات الكبرى بالتاكيد ، التي يمكنها تحمل توظيف أشخاص يبقونك متسمرا أمام التلفاز والجوال .


كتاب أفكار وجدت لتبقى ، تأليف شيب هيث و دان هيث ، ترجمة شادي يونس ، الدار العربية للعلوم ناشرون 309 صفحات

استفدت من تلخيص موقع أرقام https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/534048

أيضا استفدت من مراجعة the Guardian رابط المراجعة ps://www.theguardian.com/books/2007/feb/24/society1