قد تكون البداية مريبة إلى حدٍ مرهق بالنسبة لشخصٍ طال وقوفه على عتبة النهايات، يتأرجح بين نهايةٍ لا تريد الإنغلاق على نفسها وبين بداية تتماوج كما السراب..
ما الذي يدفع المرء لاجتناب النهايات، وهي بعينيه تقع..!! فكل روعة المغيب وذهول منظره ما هي إلا نهاية ليومٍ سعيد ربما أو مثقل بالحزن أو أي لونٍ تلبسناه شعوراً، أليست النهايات هي ما ننتظرها في آخر صفحةٍ من رواية سحبت أنفاسنا من شدة الإعجاب والحماس، أليست النهايات هي ما يجعلنا نتخطى أجزاء مسلسلٍ كامل متشوقين لنرى النهاية ونطمئن..؟!
شعور الطمأنينة لما سيحدث يجعلنا أقل قلقًا ويمنحنا الفسحة لنشعر بأننا نتحكم ببعض ما نريد أن نراه أو نسمعه
ربما شعور الطمأنينة لما سيحدث يجعلنا أقل قلقًا ويمنحنا الفسحة لنشعر بأننا نتحكم ببعض ما نريد أن نراه أو نسمعه، وربما نضع نحن تخيلاتنا وتصوراتنا بناءً على النهاية التي عرفناها.
أعرف شخصًا كان حين يمسك الكتاب ليقرأ يثب فورًا للفصل الأخير، وهكذا حين يشاهد أي مسلسل، يذهب للحلقة الأخيرة ثم يعاود استكمال مسلسله في جو من الطمأنينة والرضا..!!
لست أدري كيف يظل منجذبًا لمسلسل فهم نهايته وعرف حل خيوطه الشائكة، أو كيف يستمر سحر الرواية وهو يعلم حل العقدة والخاتمة..؟!
ربما فكرة النهاية قد تجزع البعض؛ الفكرة التي تبقيه خائفًا من نهاية حتمية تدفعه نحو البقاء في منتصف الحكاية، فلا يستطيع المضي بسلامٍ نحو نهاية لا يعرفها. وفي ذات الوقت يستحيل البقاء في البداية، طالما كل شيء يتحرك ويمضي نحو نهايته فلا بد له أن يتابع وتيره هذه الحركة، وإلا فالتوقف هو الرفض الضمني لفكرة النهاية ويعني البقاء عالقًا بين حياةٍ تفلتت وخرجت عن سيطرتك والعيش على أوهام بقائها ووجودها.
من الحكمة أيضًا تقبل بعض الخسارة حتى لا نخسر كل شيء..!
أحيانًا نحن لا نسمح للنهايات بأن تنتهي، فلذة الشعور ترغمنا على البقاء هناك في تلك الرحلة أو في ذلك الطريق أو التجربة، نخشى من نسيان الأشخاص ومن تلاشي المشاعر، وفي الحقيقة أن هذا كله يحدث بمرور الزمن، أو أننا نحن ببساطة لا نتقبل ألم النهاية فهي تمثل خسارة لنا بشكلٍ أو بآخر.
هذه الرغبة في تفادي الألم هي رغبة متوهمة بالحياة، لأنه ببساطة مالم نتقبل الألم والخسارة كمسار طبيعي للحياة فلن نستطيع الاستمرار بنفس الوهج والحب في العيش خلالها، فالخوف والأسى هي انفعالات حزينة بحسب ما صنفها اسبينوزا وهذه المشاعر معادية تمامًا للحياة وتحرم المرء من فرصة جديرة بالحياة، بعكس الاقتناع بالنهاية كنهاية مهما كانت مثيرة للانفعالات الحزينة، فالإقرار بحد ذاته نقطة الاستشفاء، وإغلاق التجربة والانتقال لنقطة أخرى جديدة تمثل البداية، ومن الحكمة أيضًا تقبل بعض الخسارة حتى لا نخسر كل شيء.
ما أبسط أن يعتنق المرء فكرة، وما أقسى أن يعاني الحياة داخل أسوارها..
كل هذا نابع من فكرة يعتنقها المرء، وما أبسط أن يعتنق المرء فكرة، وما أقسى أن يعاني الحياة داخل أسوارها، فالفكرة قد تصير سجنًا ويظل المرء حبيسًا لها، فالنهاية ستحدث وما بعد النهاية سيتبعها ولن يمكننا توقيف هذا الجريان وإنما من الحكمة مجاراة ما يحدث فلا خوف إلا من الخوف نفسه.
ويمكن أن نذكر ما ينسب أنه لجلال الدين الرومي في هذا السياق:
" عندما تصل إلى نقطة لاتتحمّل بعدها أي شيء، وتوشك على الانهيار، احفظ هدوءك، واحذر أن تستنزف مابقي من طاقتك؛ ففي هذه اللحظة بالذات قد يتغيّر قدرك بنحو لا يمكنك أن تتوقع "
جلال الدين الرومي