هذا ما تفعله التمارين الرياضية لعقلك
لماذا تعطينا الرياضة شعورًا جيدًا؟ يقترب العلماء من فهم طبيعة ذاك. (ليس هرمون الأندروفين المسؤال الوحيد عن ذلك).
لو كانت الرياضة نوعًا من أنواع الأدوية الطبية، لقلنا إن فوائدها سحرية وتكاد تصبح مستحيلة. إن فوائدها ليست منحصرة على كونها تعطينا صحة أفضل ومن ثم نعيش لمدة أطول، إلى أنها أيضًا تجعلنا أكثر ذكاءًا وأكثر سعادة. التمارين الرياضية ممكن أن تنعش الذاكرة وتجعلها أكثر قوة، وتساعد على أن تكون ردود الأفعال الشخص سريعة، وتحسن الانتباه، وتقاوم الإكتئاب. وأيضًا قد توقف حتى الاضطرابات التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر وشلل الرعاش.
كيف للرياضة أن تفعل كل ذلك؟
في العقدين الأخيرين، بدأ العلماء باستكشاف كيفية تأثير الرياضة على العقل. فهي تزيد من كمية الهرمونات اللازمة والخلايا العصبية التي تساعد على تشكيل نقاط اتصال جديدة بين خلايا المخ، وقد تساعد أيضًا على إنتاج خلايا جديدة في مكان في الدماغ يدعى (الحصين) وهو المكان الخاص بالذاكرة وحالة الشخص المزاجية.
يقول الأستاذ البروفيسور في قسم البيولوجيا التكاملية وعلم وظائف الأعضاء في جامعة كاليفورنيا، فرناندو قوميز: “إن الرياضة جيدة لكامل الجسم والمخ أيضًا”.
في كل مرة تمارس فيها الرياضة، تقوم العضلات والخلايا الدهنية والكبد بإفراز جزئيات متنوعة وتضخ إلى الدم. بعض هذه الجزئيات تنتقل عبر الدم إلى الدماغ، ثم تقوم بالتغلغل عبر أنسجة الدماغ وتقوم بعد ذلك بإستثارة العديد من التغييرات المفيدة التي تجعلنا أكثر سعادة وصفاءً.
واحد من التغيرات المهمة التي تحدث جراء ممارسة الرياضة، هو إفراز هرمون النمو ويدعى عامل التغذية العصبية في الدماغ BDNF .
الرياضة مفيدة لكل عملية من علميات المخ أو الجسم
يضيف الأستاذ بروفيسور فرناندو قوميز: “إن هذا الجزيء هو من أهم الجزيئات لعمل العقل، إنه ضروري جدًا لعمليات التعليم والتذكر الأساسية. وهو مرتبط بالتمارين الرياضية.”
هذا الهرمون يساعد الدماغ على صنع روابط جديدة بين الخلايا العصبية أو خلق خلايا جديدة - وهي عملية تدعى التشابك اللدني وهي ما يعتقد بأنها أساس التعلم. تتواصل الخلايا مع بعضها من خلال هذه الروابط. فعلى سبيل المثال، تعمل الخلايا العصبية في منطقة (الحصين) على خلق تواصل مع الخلايا العصبية في الفص الجبهي من الدماغ. وهي منطقة تستفيد كثيرًا من التمارين، حيث أنه في هذه. المنطقة من الدماغ تخلق العديد من قراراتنا المهمة، كعمليات اتخاذ القرارات والمهام، ،هي ما يطورها التمارين الرياضية.
تأثير هذا الهرمون الأكثر إثارة هو أيضا الأكثر إثارة للجدل. تُظهر سنوات من البحث أنه ، (على الأقل في الفئران) أن نشاط هذا الهرمون الناجم عن الرياضة يتسبب في في نمو خلايا دماغية جديدة في منطقة في الدماغ تدعى الحصين، وهي عملية تسمى (تكوين الخلايا العصبية). و يقوم هذا الهرمون بذلك عن طريق تعزيز وظيفة الخلايا الجذعية في الدماغ. في النهاية يقوم بملء الحصين بخلايا صحية جديدة تعزز من صحة وقوة الدماغ.
هناك جدل حول ما إذا كانت الخلايا العصبية تتكون لدى البالغين أم لا، بعض الدراسات تؤيد ذلك وبعضها ينفيه. هذا بسبب أنه لا يوجد طريقة واضحة لقياس ومعرفة توالد هذه الخلايا دون إحداث قطع وفتح جمجمة شخص ما.
يقول هنرييت فان براغ ، أستاذ مشارك في العلوم الطبية الحيوية بجامعة فلوريدا أتلانتيك: "سيبقى الأمر غير واضح ما إذا كانت زيادة التكوين العصبي عن طريق التمرينات في البشر صحيحة، وذلك إلى أن توجد طرق أكثر تطوراً وتشير بشكل مباشر لذلك".
تغير التمارين الرياضية من شبكة الأوعية الدموية في الدماغ. يتدفق الدم في الدماغ جراء تدفقه في الجسم بسبب التمرين الرياضي. وكذلك ظهور جزيء خاص بالأوعية الدموية يسمى عامل نمو بطانة الأوعية الدموية (VEGF). وكنتيجة لذلك تتشكل أوعية جديدة في الحصين.
يرتبط تدفق الدم وتكوين الخلايا العصبية ببعضها البعض في أدمغة القوارض التي أجري عليها الأختبارات، ربما لأن الأوعية الدموية الجديدة تجلب المزيد من عوامل النمو إلى المنطقة.
يحدث للدماغ البشري نفس ما يحدث للقوارض من تدفق الأوعية الدموية، وهذا يعطينا نفس الاستنتاج بأن الخلايا العصبية تتكون لديه أيضًا.
أي شخص شعر "بنشوة الركض" - أو شعر بآنه أحسن حالًا بعد التمرين - فقد مرّ بالطريقة التي تنشط بها الناقلات العصبية مثل السيروتونين ، الدوبامين ، والأفيونيات الداخلية (والتي تعرف أيضًا باسم الإندورفين) ، والتي تعتبر ضرورية لتنظيم الحالة المزاجية والتحفيز واحساس المكافأة والثواب.
لا يعرف الباحثون كيف تبدأ مثل هذه التغيرات بالضبط، لكن تبدو أنها متصلة بهرمون النمو BDNF. قد تنشط هذه الجزيئات الكيميائية بسبب إحساس الإنجاز والثواب التي يشعر بها الشخص جراء عمله للرياضة. أي شيء يجعلك تشعر بالرضا سيرفع من هرمون الدوبامين. فإذا كان هذا الشيء ناتج عن الذهاب لتمرين الدراجات الهوائية الثابتة مثلاً فإن الدماغ سيطلق المادة الكيميائية المعززة إستجابة لذلك.
قد يطرح سؤال هنا: ما هو التمرين الأفضل للدماغ؟
تم إجراء معظم الأبحاث حول التمارين الرياضية المعتدلة مثل الهرولة، ولكن تشير الدلائل الحديثة إلى أن رفع الأثقال والتدريب على فترات عالية الكثافة HIIT مفيدان أيضًا.
تقول جوليا باسو ، زميلة أبحاث رفيعة المستوى في قسم التغذية البشرية والأغذية والتمرينات في Virginia Tech ، كلما زادت اللياقة البدنية لدى الشخص زادت المعرفة الإدراكية له. مما يشير إلى أن التدريبات عالية الكثافة HIIT توفر فائدة إضافية. مع العلم أن الزيادة في الحالة المزاجية تحدث بغض النظر عن شدة النشاط.
تقول جوليا باسو: “يمكن للمشي أن يحسن من حالتك المزاجية، لكنك تحتاج إلى تمارين عالية الشدة لتحصل على تحسن في المعرفة الإدراكية. كلما ارتفعت نبضات القلب لديك كلما ارتفع معه مستوى اللياقة البدنية وبالتالي يزيد مستوى المعرفة الإدراكية أيضًا”.
إذا كنت قد بدأت للتو في الرياضة، أو قد تكون مقيدًا بالعمر أو إصابة رياضية، فإن المشي مفيدًا لوحده في إعطائك بعضًا من هذه التغيرات المفيدة.
الشيء الأكثر أهمية هو أن تجد رياضة تحبها ومن ثم تلتزم بها.
تقول باسو: “ أن أفضل رياضة قد تفعلها هي تلك الرياضة التي تحبها تستمتع بفعلها، والتي من الممكن أن تفعلها كل يوم”.