الكمالية
متى ولماذا؟
السعي بدرجة ما للكمال، يعد أمراً جيداً في ظروف وملابسات معينة. وبقدر ما هو أمر جيد ومفيد في فترة ما في حياتك، فهو أمر سيء وضار في فترة أخرى.
قاعدة عامة: كلما ارتفعْت في سلم المسئوليات، كلما أصبحت الكمالية مشكلة. الطالب والموظف الصغير الذي تنقصه الخبرة والثقة يستغرق وقتاً طويلاً في العمل لأنه يسعى للكمال، خوفاً من النقد والظهور بمظهر الجاهل أو عديم الخبرة.
وهذا الحرص على الكمال يصقل مهارته في البحث والتدقيق، ويجعله يلاقي استحسان مشرفيه أو رؤسائه.
عندما يصبح الطالب موظفاً، وعندنا يترقى الموظف في السلم الوظيفي، يجب أن يتخلى عن الكمالية التي كانت ميزة له في مرحلة ما من عمره.
أما الآن وبعد أن اكتسب الخبرة، فيجب أن يكون الوقت هو الأهم، وألا تكون مسألة الإتقان سبباً في تراكم المهام وتعطيل النتائج.
المسؤول الكمالي يطبق معايير عالية جداً من الجودة على ما يقوم به وما يقوم به الآخرون تحت إدارته، مما يضيع وقت الجميع ويهدر الموارد، ويكسب مجموعته سمعة سيئة في المماطلة وعدم الإلتزام بالوقت.
كما أن الكمالية تسبب الضغط النفسي، الذي يعد بدوره أهم سبب للإحتراق الوظيفي والفشل على مستوى الأفراد أو ا لمؤسسات.
هل السعي للكمال أمر سيء إلى هذه الدرجة؟
الجواب: لا.
"السعي للكمال" هو اتقان العمل بهدف النجاح. وهو سلوك طبيعي في مرحلة من مراحل العمر، لكن "الإصرار على الكمال" حالة غير طبيعية، لأنها عمل بالإتقان هدفه للكمال المطلق، يظهر قلق صاحبه وضعف تثقته وخوفه من النقد.
الكمالية ما هي إلا نوعٌ فاخرٌ من الخوف..
تونيا لي
كيف تعرف أنك شخص كمالي؟
لا تفرح بالمهام التي تسند إليك، ولا تستمتع بالعمل لأنك تشعر بثقل المسئولية وضغط الوقت، وتخشى الفشل.
لذلك.. تميل إلى التسويف وتأخير البداية لأنك تشعر دائماً أن اللحظة المزاجية المناسبة لم تحن بعد.
تشعر بعدم الرضا عما قمت به وأنه لازال بعيداً عما تتمنى أن يظهر به "لم يكتمل بعد".
تهتم وتنشغل بإصلاح الأخطاء الصغيرة التي لا تأثير لها في الصورة الكبيرة، وعلى حساب الأوليات.
تستقطع وقتاً طويلاً للعمل الذي لا ينتهي، من الوقت المخصص لراحتك وصحتك وأسرتك.
تجلد ذاتك وتلوم نفسك على ما تسميه الفشل وهو لا يعدو أن يكون أخطاء صغيرةً مقبولة.
تندم كثيراً على أخطاء الماضي وهي التي أكسبتك الخبرة وجعلت منك ما أنت عليه الآن.
كيف الخلاص من الكمالية؟
اعترف لنفسك بأنك كثيراً ما تقع في مصيدة الكمالية، فالإعتراف بوجود المشكلة هو بداية الطريق إلى الحل.
تقبل بعض الأخطاء من نفسك واعتبرها فرصاً للتعلم. المهم أن يكون الجهد المبذول يساوي النتيجة المطلوبة باعتبار أن النجاح أمر نسبي أما الكمال فهو هدف سرابي يستحيل الوصول إليه.
راقب الوقت الذي تهدره في مهمة واحدة، وكم من المهام يمكن أن تنجزها لو خفضت معايير الجودة من الكمال إلى المقبول.
تعلم التفويض في بعض الأمور، ولا تقع في مصيدة التفويض العكسي. لا تحشر أنفك في تفاصيل مهام الآخرين بحجة أنهم لا يتقنونه كما تريد.
تعلم أن تحترم جهدك، ولاحظ كم مرة فوجئت بأن الآخرين يرون فيك ما لا تراه أنت في نفسك. راقب حواراتك الداخلية السلبية تجاه نفسك.
توقف عن التفكير الأحادي "أبيض أو أسود"، ولا تضيق على نفسك، فما بين هذين اللونين طيف من الألوان الجميلة، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
اجعل من أهدافك وسائل للنجاح أو علامات للطريق، لا غاية لتقييم ذاتك. وإن فشلت في تحقيقها، فلا تنعت نفسك بأن "فاشل".
استمتع بكل خطوة في الإتجاه الصحيح مهما كانت صغيرة، ولا تؤخر الإحتفال للنجاح الكبير.
تنبيه: التحول في أهدافك من “الكمال المطلق” إلى “النجاح المعقول” يحتاج إلى المثابرة والوقت..