تصدير الثقافات
تعتبر الحضارة من الناحية النظرية أكبر من الثقافة، فالحضارة يمكن أن تشتمل على عدة ثقافات تأتي واصفةً تلك الحضارة. ويمكن للثقافة أن تكون شيئًا ملموسًا إذا كانت نتاجًا لمعتقدات وعادات وممارسات شعب له ثقافته الخاصة. كما يمكن أن توجد في حد ذاتها، في حين لا يمكن أن تسمى الحضارة بذلك إذا لم تمتلك ثقافة معينة، وبالتالي فإن الحضارة تصبح فارغة إذا لم يكن لديها ثقافتها الخاصة، مهما كانت ضئيلة.
لعبت وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة دورًا مهمًا في تصدير ثقافة البلد التي تنتمي له إلى العالم الخارجي. كانت تُعرف تلك الوسائل بعدة صور منها الرسم على الصخور، والعروض المسرحية، والموسيقا في القرون الوسطى، مرورًا بالقصائد والروايات والكتب، ووصولًا إلى الثورة التقنية واختراع الكاميرا وظهور الانترنت.
ثورة السينما الثقافية
بدأ تاريخ الفن والسينما في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي تقريبًا، ومن بعدها ظهرت هوليود وانتشرت الأفلام ودور السينما في كل مكان تعرض الثقافة المحلية وتحكي قصصًا مستوحاة من المجتمع الأميركي. انفجرت ثورة السينما وصناعة الأفلام في جميع أرجاء الولايات المتحدة ثم انطلقت تنقل للعالم صورًا ثقافية أميركيّة تتمثل في نمط الحياة والملابس والأزياء المحلية وعادات الأكل وطريقة تعامل الناس مع بعضهم.
ساهمت هذه الأفلام في نشر الصورة الأميركيّة بين أوساط المراهقين حول العالم، والذين جذبتهم تلك الثقافات. وباتت تظهر عليهم بارتداء الملابس وطريقة التحدث ومحاولة محاكاة نمط الحياة الأميركيّة التقليدية. كونها تعبر عن التحضّر والتطوّر في ذلك الوقت. في وجه آخر من الموضوع، كان الفن الأميركيّ يأخذ طريقه في الانتشار أيضًا عبر مغنين كان لهم صدى واسع أمثال مغني الروك إلفيس بريسلي Elvis Presley والبوب مايكل جاكسون Michael Jackson وقدومًا بجاستين تمبرليك Justin Timberlake و مادونا Madonna و إيكون Akon وايمنيم Eminem. بالإضافة كذلك للروايات الكلاسيكية الأميركيّة التي كان لها حضور قوي في التسعينات الميلادية.
أساطير الشعوب عبر الألعاب الإلكترونية
اهتمّ اليابانيون بالموروث الثقافي الشعبي، والحضارة اليابانية العريقة، وكانت تظهر جليًا من خلال الفنون المنتشرة عبر أساليب عديدة منها القصص المصورة، والرّسوم المتحرّكة Animation اليابانية، التي استهوت الكثير من المراهقين حول العالم. حيث قامت بتصدير الثقافة اليابانية، وقصص المحاربين القدامى، وأبطال الساموراي بالإضافة للغة اليابانية والتقاليد والأكلات الشعبية، وعملت على تطوير الصورة الذهنية للناس حول اليابان كبلد وشعب وثقافة.
في الجانب الآخر، كان للألعاب الإلكترونية دورًا كبيرًا وتأثيرًا مهمًا في تصدير ثقافات الشعوب ولغاتهم مثل اليابانية والكورية والأميركية. حيثبدأت النواة الأولى من الألعاب الألكترونية في 1947، عندما سجل توماس توليفر جولدسميث Thomas T. Goldsmith واستل راي مان Estle Ray Mann براءة اختراع في الولايات المتحدة والتي تم وصفها بأنها جهاز تسلية يعتمد على الأشعة الكاثودية. بعد ذلك ظهرت شركة ماروفوكو Marufuku – التي قامت بتصنيع آلة تقوم بتوزيع ورق اللعب لتستعمل في صالات القمار واستخدمت في العالم الغربي. ثم تغير اسم الشركة في عام 1951 إلى اسم نينتيندو Nintendo. وقامت بإنتاج الكثير من الألعاب الإلكترونية التي لاقت رواجًا كبيرًا بين الناس.
توالت بعد ذلك شركات الألعاب الألكترونية من جميع دول العالم بالظهور بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن ظهرت شركة سوني اليابانية آنذاك بجهاز بلايستيشن الذي أحدث نقلة كبيرة في تاريخ الألعاب الإلكترونية. ولا تزال الألعاب الإلكترونية بجميع أشكالها تحكي قصصًا مستوحاة من ثقافات وأساطير تلك الشعوب عن طريق مراحل وأجزاء اللعبة بطريقة مسلية.
الثقافة من الأفلام إلى الفشار
بسبب الاحتكاك بالثقافات المختلفة ظهرت مجتمعات صغيرة داخل المجتمعات كبيرة مهتمة بثقافات أخرى غير ثقافتها الأصلية، قد لا تبدو ظاهرة على السطح في المجتمع الواحد في البداية لكنها موجودة. وتنمو شيئًا فشيئًا متأثرة بالغزو الثقافي، عن طريق الروايات الأدبية، والأفلام، والمسلسلات التلفزيونية والأغاني وألعاب الفيديو. حيث حظيت مجلات الموضة اليابانية الخاصة بالنساء على سبيل المثال بشعبية كبيرة في الصين، وحصلت موسيقا الجاز الأميركية على انتشار واسع في أوربا وأفريقيا. وباتت السينما الأميركية جزءًا لا يتجزأ من دور السينما المحلية في كل بلد حول العالم (عدا السعودية).
انتشرت فيها الثقافة، وبذكر كلمة “الثقافة”، أعني بها كل شيء من الأفلام إلى الفشار الذي تأكله في السينما إلى الإعلان، إلى شبكة الإنترنت، إلى الموسيقا إلى الكتب الشعبية والمجلات والمشاهير والألعاب وغيرها.
تصدير اللباس العربي
قبل قرون عديدة، كان العرب يصدّرون ثقافتهم وحضارتهم للعالم حيث الساحة مفتوحة للمبدعين، كانت فيها الفنون الشعبية منتشرة كجزء من وسائل الترفيه والثقافة. بالإضافة للعلماء العرب والمسلمين الذين كان لهم حضور كبير في العلوم الطبيعية والموسيقا والسياسة كابن سينا وجابر بن حيان والخوارزمي وغيرهم. لعلّك تجد اللباس العربي يتحلّى به كلّ خريجي الجامعات في أنحاء العالم، كنوعٍ من الثقافة العربية التي صُدّرت آنذاك.
بعد تاريخ طويل من الحضارة أصبحت الدول والشعوب العربية اليوم أكثر استقبالًا للثقافات الخارجية من كونها مصدّرة لها، حيث بات مشروع تصدير الثقافة معدومًا في بعض الدول وأصبح بطريقة ما غير مسموحًا به أو ربما وُصِفت بعض أدواته بأوصاف دينية تبدو غريبة أحيانًا وبعيدة عن المنطق!
رغم ذلك، وبالإضافة للأغنية المحلية والروايات الأدبية، بدأت خطوات جريئة نحو التغيير للحاق بالركب، وتوثيق الثقافة المحلية للحفاظ على الهوية ومحاولة تصديرها للعالم الخارجي، عبر عدة صور منها أفلام سينمائية سعودية بدت نواتها عن طريق YouTube. وتطورت حتى وصلت منصات كبيرة وشاركت في عدة مناسبات عالمية. رواد الأعمال الذين يقفون خلف تلك المشاريع هم سعوديين شباب متحمسين تمكنوا من إنشاء علامات تجارية تأخذ مكانها في السوق تدريجيًا، إيمانًا منهم في حفظ الثقافة والهوية وتغيير الصورة النمطية في الخارج. وحيث تحفظ ثقافة البلد ولغته وتقاليده بتوثيقها وانعكاسها على الفنون وتجسيدها بالشعر والرسم والأفلام والأغاني والروايات.
هذه المقالة كُتبت في 14 مايو 2017 ونُشرت في منصة أخرى، ونقلتها هنا مؤخرًا.