مذكّرات من البيت الصغير

العشرون من ربيع الثاني،

سبتًا مملًا؛

الثالثة والربع عصرًا؛ أجلس في غرفة المعيشة أطفح مللًا، تنعكس النافذة على شاشة حاسوبي المحمول ولا أعيرها أدنى اهتمام، أراقب ابن أخي وهو يلعب بالمكعبات على الأرض أمامي -والذي حين بدأت بالكتابة بدأ بالـ “حنة” مرددًا “العبي معي”، وهو الذي كان مستمتعًا باللعب بمفرده قبل قليل! ياللأطفال!- ولا أفعل شيئًا سوى ذلك؛ حتى قررت الكتابة للتنفيس عن مدى ما أشعر به من ملل!

مرت فترة طويلة، طويلة جدًا، سنين عديدة نهيت نفسي فيها عن التعبير عن مللي والبوح به، وحرّمت على ذاتي استخدام أي من هذه الكلمات “ملل-طفش-زهق”! حتى وصلت لدرجة لم أشعر فيها بالملل حقًا! بل أصبحت لا أطيق أن أرى هذه الكلمات أمامي أو أن يستخدمها أحد ما! فقد استبدلت ساعات مللي واستثمرتها بفعل أي شيء يعود علي بفائدة وقد نجحت في السيطرة عليها بشكل باهر ولله الحمد.

وكنت أرى أن الجميع باستطاعته مصارعة الملل وقتله إن أراد..

أما هذه الأيام فقد بدأ يجتاحني نوع جديد من الملل، وكأنه فايروس تطور ليعاود الهجوم بطريقة مختلفة لا أمتلك لها تحصينًا بعد! ليس فراغًا ولا بطرًا بالنعمة ولا دلعًا ولا أي مما قد يطرأ برأس من يسمع شخصًا يقول أنه “طفشان”، بل إنه شيء آخر من بُعد آخر وبشكل آخر لا يمكنني وصفه سوى أنه الرغبة العارمة بفعل شيء ما لطرده مع انعدام الرغبة لفعل أي شيء في الوقت ذاته!

إني أشعر بيأس دفين..


يلازمني الصداع منذ تغير الأجواء يوم الثلاثاء الماضي حتى بت أشك أنه نسي الخروج من رأسي! اعتدت الأمر ولم أعد أفكر فيه كثيرًا كوني لا أميل لأخذ المسكّنات إلا في الحالة القصوى، كما أن الأجواء البديعة أنستني ما ألمّ بي والحمدلله، حتى جاء الأمس وبدأت المعدة بالمشاركة في الاحتفال! وهي التي لم تشارك في أي احتفال منذ زمن طويل! لم أعد أعلم ما هو المزعج أكثر في هذه الحياة الصاخبة.

الثالثة والنصف؛ قارب شحن الحاسوب على الانتهاء وابتدأ نداء الجوع لدى الجميع، صغيرنا وكبيرنا، ويجب علي الاستجابة له فهذه مسؤولية أخرى ولكنها من فئة أخرى..


الواحد والعشرون من ربيع الثاني،

العاشرة وخمسون دقيقة صباحًا؛ أحتسي الشاي وحدي بهدوء بالغ، فبعد عاصفةٍ اجتاحت منزلنا بالأمس أنا بحاجة ماسة للاختلاء بنفسي وتأمل جدران الغرفة، لا أريد أن أسمع صوت بشري واحد!


طابت أيامكم بكل خير؛

ع. ز.


Join