تأملات برمجية

أهلاً

كنت في تطبيق لأحد المفاهيم البرمجية الواجب عملها في تصميم صفحات الويب، وهو مراعاة تصميم الصفحة لكل الأجهزة على اختلاف أحجام الشاشات. تسمى (breakpoints) وهي نقاط تغير تصميم الشاشة من حالة إلى أخرى عند نقاط معينة أو مقاسات معينة للشاشات. 

رغم أنها تزعجني دائماً في دقتها إلا أن نتائجها غالباً ما تكون مرضية وتستحق ما بُذل عليها من وقت. مؤخراً أصبح التعامل معها وتصميمها أكثر سلاسة إذا ما استُخدمت بعض الـ-فريموركس- كـ Bootstrap أو Foundation أو غيرها.


انتهيت من الجزء المراد تعديله، وجلست أتأمل الكود المفتوح أمامي وأعيد اختبار فعاليته مرة بعد أخرى. بتوسيع نافذة المتصفح وتضييقها والتدقيق على المقاس المعين والنقطة التي يتحول فيها التصميم إلى أفقي أو عمودي ويعيد ترتيب الصفحة من جديد.

بالغت في تأملاتي حينما كنت أفكر في إمكانية تقنين ال-بريك بوينتس- أو نقاط التحول التي نمر بها أو التي تمر بنا في حياتنا. هل يمكن حصرها؟ أو معرفتها؟

هل حينما نتغير، نعرف أننا نقوم بفعل التغير! أم هو مشروع تراكمي مبني على كل المواقف والظروف التي نجابهها.

يستفزني الكلام عن التغيير والرغبة فيه، حين أن التغيير أو التأثير الحقيقي يأتي غالباً بغير قدرة منّا ولا تخطيط. فكرت في كم مرة لاحظت تغيري قبل أو أثناء حدوثه. لم يسفر تفكيري سوى عن المنعطفات التي كانت سببا فيه.


الإنتقال من المدرسة، التعرف على أصدقاء جدد، الإنتقال لمحيط عملي جديد، التعرض لمواقف قاهرة، حالة خصام مع صديق تبعثر كبريائك، إخفاق في مهمة تهز ثقتك بنفسك، إنجاز لا تسعك الأرض سعادةً بحمله معك، وسقوط يضيّق عليك الأرض بما رحبت، لحظة سعادة تتهاوى أمامها كل مشاكلك الصعبة، ولحظة لا تستطيع فيها أن تلملم شتات حزنك، حالة حب لا تفتأ تنهشك بعذاباتها وعذوبتها. والفقد! يا إلهي يا للفقد! أوضح المنعطفات تأثيراً ووضوحاً. حينما يجثم بثقله وقدرته الهائلة على روحك.

أذكر ذلك حينما عايشت فقد ثلاثة من أقاربي دفعة واحدة لا تفصل بين أيام العزاء سوى فترة بسيطة نحاول فيها ترميم أرواحنا وتوضيب مااستطعنا من أمور لنجابه الحياة ناقصين منكسرين، حتى إذا ما استطعنا، فاجئتنا الحياة بنعش جديد!

للفقد قدرة على تغيير كل فكرة كل نظرة كل شعور. للفقد صلاحية بإستبدال أعيننا بأخرى جديدة أكثر ضموراً وأقل بريقاً وأقدر على رؤية نهايات الأشياء.

ولحظة إنتهاء العاصفة،لن تتذكر كيف نجوت منها، لن تتذكر كيف تدبّرت أمرك لتنجو، ولن تدرك هل انتهت العاصفة أم لا. ستكون متيقناً من أمر واحد فقط: حين تخرج من العاصفة ، لن تعود الشخص نفسه الذي دخلها ، ولهذا السبب وحده، كانت العاصفة

هاروكي موراكامي، كافكا على الشاطئ 

وكما يقول موراكامي، وعلى خلاف بريكبوينتس الصفحات التي تسببت في كل هذا الهراء أعلاه، لن تعود نفسك بعد العاصفة، لن تعيدك نقاط التحول لوضعك الذي كنت تنعم فيه، بل يستحيل ذلك، لأننا بشر، ولأننا نحمل ذكرياتنا ونجرّها كما خيباتنا وآمالنا. ولهذا السبب، كانت العاصفة.


شكراً على القراءة، جداً، وعلى قراءة هذه الشطحة بالذات.

Join