العودة إلى الروايات والكتب الورقيّة
قبل خمسة عشر عام تقريبًا - في كلّ مرّة أقول فيها هذه الجملة أُصاب بقشعريرة -، فتحتُ شنطة هدايا من خالتي رحمها الله، كانت ممتلئة بالكتب، كتبٌ لمالك بن نبيّ وكتب حول القيادة وتطوير الذات والقليل من الروايات، حتّى تلك اللحظة كانت علاقتي بالقراءة بسيطة جدًا، مثل علاقة محبّ للأفلام لا يعرّف عن نفسه "كسينمائيّ" ولا يكتب في خانة التعريف: "مهتمّ بالسينما"، كنتُ أقرأ ما يعجبني للمنفعة والفضول والتسلية، لم أكن مهتمّة مطلقًا بنوعيّة الكتب الّتي أقرؤها أو بمنهجيّة القراءة، باختصار لم تكن القراءة جزءًا من هوّيتي.
لكنّني عندما اقتنيتُ مجموعة مختارة من الكتب أصبحتُ "قارئة" وأعجبني هذا، كنتُ فخورة بنفسي وبكثرة قراءاتي، في ٢٠١٠ - كما يعرف العديد منكم - تحدّيتُ نفسي لقراءة ١٠٠ صفحة في اليوم لمدّة ١٠٠ يوم، ثمّ انتهيتُ بـ٨٠٠ صفحة عوضًا عن ١٠٠٠، قرأتُ في فترة التحدّي كتبًا نسيتُ الآن بأنّي قرأتها ولكنّني ما أزال سعيدة بالتجربة بعد مرور ١٠ سنوات.
مع الوقت تغيّرت علاقتي تدريجيًا بالقراءة، وفي السنتين الأخيرة أصبحتُ بالكاد أقرأ كتبًا خارج مساري المهنيّ، ساعدني على هذا اقتناء جهاز كندل وسهولة شراء الكتب الانجليزية عبره، لسببٍ ما لا أعدّ قراءتي لكتب مهنيّة قراءة حقيقيّة، ولذلك حتّى في الوقت الّذي كنتُ أقرأ فيه بنهم مختلف الكتب المهنيّة كنتُ أجيب عن سؤال: ماذا تقرأين حاليًا؟ بـ "لا شيء".
لم أكن أشتري كتبًا ورقيّة عربية إلاّ مرّة كل عام في معرض الكتب ولم أكن أسرف في الشراء، تعلّمتُ التخلّي عن الكتب الورقية أولاً بأوّل، أضع في مكتبتي الصغيرة ما أودّ قراءته فقط وأخزّن الباقي في صناديق استعدادًا لتوزيعها على الأصدقاء أو إهدائها للمكتبات الصغيرة، أحيانًا كنتُ أشعر بالذنب والحسرة وأنا أشاهد مكتبات أصدقائي تتّسع بينما تنكمش مكتبتي ولكنّني ناضجة كفاية لتجاوز هذا سريعًا.
في أحد الأيّام الّتي كنتُ أمرّ فيها بموجة قلق شديد أثناء فترة الحظر، قال لي زوجي: لماذا لا تقرئين كتبًا مسلّية؟ كتبًا تفصلكِ عن العمل تمامًا؟ فكّرتُ بأنّ هذا قد يساعدني فعلاً وبدأت محاولة العودة إلى القراءة المسلّية لكنّي كنتُ متردّدة حول شراء كتب ورقيّة جديدة خصوصًا مع ارتفاع تكاليف الشحن، ولأنّ جميع الكتب الورقيّة المتبقية لي فكرية من النوع الثقيل، قرّرت قراءة كتب وروايات أدبية على الكندل، قرأتُ قصصًا كلاسيكيّة بالانجليزية ولأنّي لستُ معتادة على قراءة الأدب باللغة الانجليزية كان نشاطًا تعليميًا وتثقفيًا أكثر من كونه نشاطًا ترفيهي. ثمّ قرأتُ الجزء الأوّل من أعمال كوليطو واكتشفتُ عبر قراءته كم أنا مشتاقة ومتعطشة للعودة إلى الروايات والأدب، ثمّ صودف أن رغبتُ بقراءة كتاب "اشتهاء العرب" لجوزيف مسعد وكم شعرتُ بالسعادة عندما وجدتُ نسخة منه في متجر الكندل، وبعد أن أنهيته حاولتُ الحصول على روايات مترجمة للعربية عبر متجر الكندل فلم أجد ما يعجبني، قررتُ التنازل وقراءة نسخ pdf لكنّها كانت تجربة مزعجة جدًا.
في بداية أغسطس، قرّرتُ حسم أمري وشراء مجموعة من الروايات عبر متجر نادي الكتاب، كنتُ محبطةً قليلاً لأنّي لم أجد الروايات الّتي رغبتُ بقراءتها، ثمّ استسلمتُ للاختيارات العشوائية - باستثناء رواية النباتية ورواية البجعات البرية -، وصلتني مجموعة الكتب في وقت قياسي واختبرتُ بعد فترة طويلة من الانقطاع لذّة الحصول على كتب ورقيّة جديدة، لأكن صادقة ما زلتُ أفضّل قراءة الكتب المهنيّة عبر الكندل، فهناك أستطيع تسجيل ملاحظاتي والعودة إلى أهم النقاط بسهولة شديدة، لكنّي لا أحتاج لذلك عند قراءة الأدب والروايات.
خلال شهر أغسطس قرأتُ ٥ روايات منها، لقد كانت بالنّسبة لي مهربًا مثاليًا من الضغوطات الشديدة الّتي أمرّ بها، قبل ذلك، كنتُ أبدأ يومي بقراءة صفحة أو صفحتين من كتاب مهنيّ، أمّا في أغسطس فمهما تأخّر وقت استيقاظي كنتُ أحرص على قراءة بضع صفحات من الروايات، لقد بدأتُ القراءة منذ عمر مبكّر جدًا وهذه هي المرّة الأولى الّتي أستطيع القول فيها بأن القراءة كانت استشفاءًا لي.
نظرتُ إلى غلاف رواية "ذات الشعر الأحمر" لـ أورهان باموق وشعرتُ بأنّى يائسة جدًا إلى الحدّ الّذي دفعني لشراء رواية بهذا الاسم المبتذل لكاتب لا أعرفه، قرّرتُ تصفّحها والاختيار بينها وبين رواية الجوع لكنوت هامسون - والّذي أحبّ روايته واخضرت الأرض -، ثمّ وجدتُ نفسي وقد أنهيتُ نصف رواية باموق، أستطيع القول بأنّ العلاقات المعقّدة بين الأبناء وآبائهم/أمهاتهم هي من أكثر الثيمات الّتي أولع بها.