روتين صباحيّ لفتاة مصابة بالأرق
قبل الحديث عن روتيني الشخصيّ، لنتحدّث قليلاً عن فيديوهات “روتين الصّباح” في يوتيوب والّتي شاهدتُ جلّها تقريبًا، أولاً لأنّي أحبّ مشاهدة واستهلاك كلّ ما يشعرني بالسكينة والراحة والهدوء، وثانيًا لأنّ هذه الفيديوهات ألهمتني وزادت حبّي للروتين رغم كلّ ما فيها من مثالية مثيرة للسخرية أحيانًا.
في بداية كلّ فيديو لـ “روتين الصّباح” نشاهد فتاة جميلة تستيقظ من النّوم بشعر صحّي بما فيه الكفاية ليبدو جذّابًا مهما حاولت خلق مشهد واقعيّ - مجرّد ملاحظة عابرة لا علاقة لها بكوني من فتيات الـ bonnet -.
جميع الفتيات الجميلات يسرعن فور استيقاظهنّ لتناول كأس أو لتر من الماء بالليمون وبوضع مستحضرات العناية بالبشرة، وبنظرة واحدة على أثاث البيت تُدرك ما إذا كانت الفتاة ستبدأ نشاطها بممارسة اليوغا في غرفتها البوهيمية أو بالركض خارج المنزل في شوارع خضراء أو بالذهاب إلى النادي.
تغتسل فتاتنا الرائعة سريعًا بعد النشاط البدنيّ، تتناول كأس سموذي بالموز والتوت الأزرق أو بيضًا مع السبانخ أو صحن شوفان معدّ منذ الليلة السابقة، ترتدي ملابس الخروج وتضع مكياجًا خفيفًا، قد تخصّص بعض الوقت لكتابة “صفحات الصباح” أو لإعداد المخطّط اليومي، ثمّ تخرج إلى العمل / الجامعة، وهكذا ينتهي الفيديو - بديهيًا - لأنّها تشاركنا روتين الصّباح لا روتين اليوم.
كفتاة عاديّة لا تكسب عيشها بتصوير حياة مثالية على اليوتيوب وبالكاد تشارك المحتوى المصوّر في الشبكات الاجتماعية، لديّ روتين مختلف بعض الشّيء، في البداية دعونا نتّفق على أنّ الروتين ضروري جدًا لسلامة العديد منّا ذهنيًا ونفسيًا وجسديًا، فكلّ ما في الكون يتحرّك بشكل روتين بدءًا من الدّماء الحمراء في عروقنا وانتهاءًا بالمجرّات.
دعونا نتّفق أيضًا على أنّه لا وجود لروتين مثاليّ طوال العام، أو طوال الشهر، تتأثّر حياتنا بعوامل مختلفة: انتظام النّوم، ضغط العمل، المزاج العام، انتظام ممارسة الرياضة .. إلخ، لذلك أجد من المستحيل تحقيق الروتين الأسطورة الّذي سيغطّي جميع احتياجاتنا مهما تغيّرت الظروف.
أعاني من الأرق وعدم انتظام النّوم منذ وقت طويل، لا يمكنني التنبّؤ مطلقًا بجدوليّ اليومي، قد أستيقظ الساعة الخامسة فجرًا وأشعر بشعلة انتصار تملئ جسدي، لأكتشف بعد ٢٤ ساعة بأنّ الساعة الخامسة فجرًا هي موعد نومي الجديد!
أحاول إصلاح ذلك - بشكل غير جادّ تمامًا - ولكنّي أحتاج إلى روتين ولا أستطيع انتظار انتظام نومي كي أحصل على واحد.
الخطوة الأولى إذًا هي في تصميم روتين لا يأبه بمواعيد الاستيقاظ، هناك شرط واحد فقط لاستقامة هذا الروتين :
مهما تأخّر موعد استيقاظي يجب أن أستيقظ قبل موعد أوّل اجتماع بساعة كاملة على الأقل
إذًا، قد يبدأ يومي عند السادسة صباحًا، التاسعة، الحادية عشرة، أو حتّى الواحدة ظهرًا - لا يحدث هذا إلاّ نادرًا -، وبغضّ النظر عن ساعة البدء فأوّل ما أفعله هو تشغيل حلقة بودكاست، سأشارككم قائمتي الصباحيّة في حلقة أخرى.
أغسل أسناني وأضع مقشّرًا للوجه، أضع قناعًا طينيًا لتغذية البشرة، ثمّ أذهب لإعداد القهوة وتنظيف/ترتيب المطبخ والصالة، كلّما استيقظتُ مبكّرًا أكثر كلّما نظّفتُ مساحة أوسع من المنزل، ولو أنّي كتبتُ هذه التدوينة قبل شهر من الآن لقلتُ: كلّما استيقظتُ مبكّرًا أكثر كلما قضيتُ وقتًا أطول في ممارسة تمارين التأمّل.
على الغالب، بانتهاء حلقة البودكاست أكون قد انتهيتُ من إعداد القهوة ولتر من الماء والسناك الصباحي الّذي يختلف من وقت لآخر، مررتُ بأسابيع كنتُ أتناول فيها الكليجا بشكل يومي، وبأخرى أبدأها بقطعة فيريرو روشيه، أمّا في هذه المرحلة فأنا أتناول حبّة فاكهة مع تمر سكّري وطحينية.
أشرب كوب القهوة وأتناول “سكّريات” الصّباح أثناء قراءتي لرواية أو كتاب أدبيّ واستماعي لموسيقى هادئة - أقرأ حاليًا رواية الثّلج لأورهان باموغ وأسرف في الاستماع لموسيٍقى الـ Post Rock -، أخصّص في الغالب ٣٠ دقيقة للقراءة ولكنّها قد تزيد إلى ساعة كاملة أو تقلّ إلى عشرة دقائق.
ثمّ أرتدي ملابس أنيقة ومريحة وأضع مكياجًا خفيفًا، هذه خطوة ضرورية جدًا عند العمل عند بعد، ارتداء ملابس المنزل أو البيجاما أثناء العمل لن يساعد أبدًا في إقناعك ذهنيًا بالتركيز على مهامك، كما أنّ ارتداء ملابس أنيقة غير مريحة سوف يعيق عملك وستندم على قضاء وقت للتهندم.
أخيرًا، أجلس على مكتبي، أراجع قائمة المهام، أردّ على الرسائل المتأخّرة من زملائي وأرجع بعض الايميلات ثمّ يبدأ يومي العمليّ.
مخرج
مخرج للصباحات الضيّقة
تعلّمتُ من مجال عملي بأنّ التخطيط للأسوأ وإعداد مخرج عقلاني ومنطقي هو أكثر كفاءة من التفاؤل بأنّ الأمور ستكون بخير دائمًا.
في أحيان كثيرة، وخصوصًا في آخر أيّام الأسبوع حيث يكون جدول نومي في أسوأ أحواله، أستيقظ بالكاد قبل ربع/نصف ساعة من موعد أوّل اجتماع، وأكون أمام خيارين: إمّا الهلع أو العثور على مخرج.
بكلّ تأكيد أٌصاب أحيانًا بالهلع وأكتفي بغسل وجهي وأسناني قبل الجلوس على المكتب وانتظار الاجتماع بكل نفاد صبر، ولكنّي تعلّمتُ بالطريقة الصّعبة بأنّ هذا السلوك يفسد يومي بالكامل، أعرف العديد من الأشخاص الّذين لا يمانعون بدء يومهم بمهام العمل ولكنّي لستُ واحدة منهم مطلقًا، من المهمّ جدًا أن أضع إيقاعًا هادئًا ومتزنًا ليومي منذ بدايته وإلاّ فمن المستحيل أن يحدث ذلك من تلقاء نفسه، وإذا فقدتُ السيطرة على إيقاع يومي فالله وحده يعرف القلق الّذي يصيبني لأيّام والّذي يضطّرني لاستقطاع يوم كامل على الأقل كي أستعيد اتّزاني.
لكن ما الّذين يمكن فعله خلال مدّة قصيرة جدًا؟
أحرص أولاً على وضع مقشّر البشرة وأرطّبها بشكل سريع، أفعل ذلك لا بسبب هوسي بالعناية بالبشرة بل لأنّ هذا النّشاط يوجّه رسالة صحّية لعقلي: “اهدأ، الأمور بخير حتّى أنّها تأخد من وقتها للاهتمام ببشرتها!”.
أيضًا، أستمع إلى حلقة بودكاست قصيرة (٥ إلى ١٠ دقائق بالكثير) أو أقرأ بضع صفحات من الكتاب خلال نفس المدّة، وبكلّ صدق لا أعرف كيف أصف أهمّية هاذين النّشاطين لي حتّى خلال هذه المدّة المحدودة، ربّما أنّي أعتبرهما شكلاً من “التسخين الذّهني” قبل الانخراط في المهام الثقيلة والمرهقة.
في الغالب، أؤجّل إعداد القهوة حتى ينتهي أوّل اجتماع أو أستأذن بالتأخّر لبضع دقائق في حال أنّ نومي لم يتجاوز الساعتين.
سوف يدوم هذا الروتين لأسبوعين أو أكثر ثمّ يبدأ بالفشل والسقوط، أعرف وقتها بأنّه لم يعد يناسبني وبأنّى أحتاج إلى روتين جديد، قد أستبدل التمر في الصّباح بالـ overnight oatmeal، أو أبدأ يومي بالرياضة عوضًا عن القراءة - لا أتخيّل ذلك ولكن من يدري -، قد أتوقف عن تنظيف المنزل في الصّباح بسبب تغيّر مزاجي، أو أطلب قهوة جاهزة بدلاً من إعدادها.
لا تهمّ التفاصيل بقدر أهميّة منفعتها لي ومرونتها وبقدرتي على الاستمرار عليها مدّة من الزّمن.