كيف تعمل الأقدار !
ملاحظات حول دور الصدف الصغيرة “ الحصان مهلهل أنموذجاً
لا أذكر من القائل بأن الحياة عبارة عن سلسلة من الأحداث الصغيرة تقود إلى نتائج عظيمة! ربما كانت تأثير الفراشة وهو مصطلح فيزيائي وفلسفي يحاول تفسير كيف أن حدث قد يكون بسيطا في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، وفي أماكن أبعد ما يكون عن التوقع! لا بد أنك مررت بمثل هذا الموقف حينما قرأت في سيرة شخص ما أو مررت بحكاية عن دور مفصلي في حياة احد ما أو مجتمع أو حتى دولة وكانت نتيجة لحدث صغير قد تعتقد للوهلة الأولى أنه غير مهم ولكنك في نهاية الأمر لن تتصور تلك النتيجة الهائلة إذا لم يكن من أجل تلك الاحداث الصغيرة المترابطة !
فمثلاً الكثير يعلم أن سبب اشتعال الحرب العالمية الأولى لم يكن غزو دولة لدولة اخرى كما حدث في الحرب العالمية الثانية مع طموحات هتلر، ولكن لإغتيال ولي عهد النمسا انذاك على يد متطرف صربي في سيراييفو أدى الى سلسلة سريعة من الاحداث أدت الى نشوب الصراع الأوربي الدموي، ولكن هذا لم يكن لولا أن ولي عهد النمسا لم يُقتل، ولم يكن ليقتل بتلك الطريقة لولا خطأ السائق !! فولي العهد سبق وأن تعرض لعدة محاولات اغتيال اخرها كان في نفس المدينة اثر انفجار قنبلة بجانب سيارته وأصيب مساعده الذي أقتيد الى المستشفى لتلقي العلاج. وعوضاً عن استدراك الخطر والعودة الى العاصمة أصر على زيارة مساعده بالمستشفى فما كان من السائق إلا أن سلك طريقاً خاطئاً وبالمصادفة تواجد أحد الذين حاولوا قتله في المرة الأولى. فأطلق عليه النار وقتله!
إذ لم تشعر بتأثير الفراشة هنا، فلربما عليك أن تعلم أن جندي بريطاني تسبب في مقتل ٦٠ مليون شخصاً أبعد عن المنطق ! ففي الأيام الاخيرة للحرب العالمية الأولى عام ١٩١٨م، أقدم الجندي البريطاني هنري تاندي على العفو عن جندي ألماني جريح في فرنسا أثر انهزام الألمان، وجنودهم يفرون من المعركة. حيث شاهد تاندي جنديًا ألمانيًا جريحًا يهيم مذعورًا، فصوّب سلاحه نحوه كي يقتله، لكنه شعر بالأسى للجندي فتركه يفر، وقد أومأ الأخير في امتنان لتاندي. كان ذلك الجندي الألماني المذعور هو أدولف هتلر!
وأنا أقرأ في كتاب “ فوزان السابق “ -وهي محاولة جادة من المؤلفة حصة البريدي لسبر أغوار أحدى الشخصيات المهمة في عهد تأسيس المملكة وأول وكلاء وممثلين الملك عبدالعزيز في خارج الحدود الوطنية الشيخ فوزان السابق وكيل الملك عبدالعزيز في دمشق ومصر، - مررت على قصة صداقة الشيخ فوزان مع رجل الأعمال الأمريكي تشارلز كوين التي شكلت فاتحة خير للمملكة العربية السعودية أدت الى أكتشاف بئر (٧) في الدمام الذي تدفق منه كمية نفط هائلة غيرت المملكة الى الأبد. هذا الأكتشاف العظيم ربما لم يكن ليكون لولا الحصان الذي يُدعى مهلهل !!
هنالك عدة روايات أحداها تقول بأن المستر كرين كان محباً وهاوياً للخيل الحربية وقام بزيارة مصر المشهورة بسباقات الخيل العربية وبتوصية من المفوض الأمريكي في القاهرة حضر لزيارة الشيخ فوزان الذي أحتفى به وأستعرض أمامه أسطبل خيله وما أن شاهد مستر كرين الحصان مهلهل الذي كان أثيراً لدى الشيخ حتى أنبهر ولم يتمالك نفسه فأخرج دفتر الشيكات وطلب من الشيخ فوزان وضع القيمة التي يشاء لهذا الجواد، وقد طلب الشيخ فوزان من المترجم أن يخبر مستر كرين بأن يدخل دفتر شيكاته، فالجواد هدية له. فدهش مستر كرين من تصرف الشيخ فوزان وأدخل سروراً عظيماً في نفس مستر كرين الذي أراد أن يرد للشيخ فوزان السابق هديته فبينما كانا يتناولات القهوة في ضيافته قال المستر كرين للشيخ فوزان أن بلدكم فقير، ولكن لا بد من وجود ثروات معدنية في باطنها وعلى الأق الماء، وقد أعرب عن رغبته في زيارة المملكة ومقابلة الملك عبدالعزيز في هذا الشأن، فرحب الملك بذلك واستضافه في جدة لمدة أسبوع كأول أمريكي يلتقيه الملك عبدالعزيز الذي عرض على الملك بالسماح له بمسح جيلوجي كامل بدون مقابل هدية منه على نفقته الشخصية في بعض مناطق البلاد والتنقيب عن الثروات في باطن الأرض من مياه ومعادن أو نفط . وبعد موافقة الملك غادر المستر كرين عائداً الى الولايات المتحدة وأرسل من هناك الى الشيخ فوزان السابق قائمة من عشرين خبيراً أمريكياً ليختار احداهم ليباشر المهمة وأختار على وجه الصدفة السيد كارل س. تويتشل الذي قام مع فريقهب زيارة كل من جدة والأحساء ورفع بذلك تقريراً أن المنطقة ليست ذات غنى بالمواد المعدنية ولكن هنالك فرصاً في مكامن نفطية في المنطقة الشرقية وبعد اجتماعه مع الملك عبدالعزيز طلب جلالته من المهندس الذهاب الى الولايات المتحدة والتعاقد مع احد شركات النفط المهتمة والتي وافقت عليها شركة ستاندر أويل أوف كاليفورنيا التي تولت التنقيب واكتشاف بئر (٧) في الدمام و الذي أطلق عليه الملك عبدالعزيز أسم بئر الخير.
هنا أتسائل، أين تأثير الفراشة في هذه الحكاية ؟ الحصان مهلهل ؟ أم السيد كراين الذي بادر بإبداء رغبته باقتناء خيل عربية ؟ أم بكرم الشيخ فوزان ؟ أم بإمتنان السيد كراين في اهداء الدولة الناشئة موارداً طبيعية، أم بتجاوب الملك المؤسس لرغبة السيد كراين مع علمه بأن هذا سوف يعني أزعاجاً للسلطات البريطانية التي تراقب خطوات الملك عبدالعزيز بدقة شديدة، أو للمهندس العبقري ماكس ستينكي أم الفضل كله يعود الى الرجل العامل الذي ضرب الصخرة الاخيرة لتتفجر نوافير النفط من تحتها.