تويبلوماسي

الدبلوماسية الرقمية عبر تويتر


الدبلوماسي الأكثر فعالية في هذا العصر الرقمي، هو من يحمل بيده الآيباد بدلاً من أوراق أعتماده

توم فليشر

يُقال بأن صاحب المرتب الأعلى في البيت الأبيض - بعد الرئيس الأمريكي - هو كاتب خطاباته!  فمنذ عهد الرئيس ”رونالد ريغان“ وقد جرت العادة على منح كاتب خطابات الرئيس أعلى أجر نظير خدماته،  فهو ليس صوت الرئيس فحسب، بل  الحكومة بمختلف أطيافها وتوجهاتها وأجندتها، حيث أن كل كلمة هو مسؤول عنها توزن وتُدرس قبل أن يتفوه بها الرئيس. ولكن اليوم، ومع طريقة الرئيس ” دونالد ترامب“ في استخدام تويتر بنفسه بشكل يومي في التغريد بالتصريح والتعليق على مجريات الأحداث المحلية والدولية، جعلت صاحب تلك الوظيفة يعاني فعلاً كما لم يعهد من قبل، ويبدو أن حتى المتحدث الرسمي للبيت الأبيض هو الآخر ليس بأوفر حظاً من كاتب خطابات الرئيس الأمريكي. 

تواجد شخصيات نشطة ومثيرة للجدل في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال منصة تملك إمكانية مهولة في الوصول للجماهير بالإضافة إلى تقبل الكثير من الجهات الحكومية الواقع الجديد التي فرضته التقنيات المعرفية الحديثة، أدى إلى صناعة دبلوماسية جديدة، دبلوماسية تويتر. ومن هنا أحاول استعراض هذا المفهوم بشكل مختصر من غير إخلال بإذن الله.

تقدم وزارة الخارجية الفرنسية مفهوماً موجزاً للدبلوماسية الرقمية، فهي إمتداد للدبلوماسية بمفهومها التقليدي، ولكنها تستند على الابتكارات الاتصالية الناجمة عن تكنلوجيا المعلومات عبر شبكة الإنترنت، وعلى أن هذه الأدوات الرقمية لا تمثل إلا مجرد وسيلة لنقل المعلومة، إلا أنها تسهم وبشكل في فعّال في تغيير وجه النشاط الدبلوماسي التقليدي.

فالعلاقات الدولية مجملاً هي من أكثر أشكال الاتصال حساسية، وتستوجب الحذر والتأني قبل الخوض فيها، فالعلاقات بين الدول تحكمها أعراف شديدة تتمحور  في السيادة والاستقلالية ومبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكذلك مصالحها الاستراتيجية في الساحة الدولية. لذلك فإن إستخدام دبلوماسية تويتر كأداة من أدوات الدبلوماسية الرقمية، على ما توفره من سرعة إبداء الآراء الرسمية، ووصولها لأكبر شريحة من الجماهير فأنها تزيد في من مخاطرة خلق الأزمات السياسية وتصعيدها، وبالتالي تسوء العلاقات الدبلوماسية التقليدية تباعاً لما يجري في الساحة الرقمية.

عندما فاز الرئيس ”دونالد ترامب“ بالانتخابات، لم يعني ذلك وصول مرشح  الحزب الجمهوري  إلى سدة الحكم فحسب، بل أثار انتصاره استقطاب سياسي لم تعهده الولايات المتحدة من قبل. فالحراك طغى -ليس على الشارع الأمريكي فقط- بل أمتد إلى دول ومجتمعات عديدة. فلا بد وأنك صدفت فرداً في محيطك يتابع ويناقش ما فعله وقاله الرئيس الأمريكي، حتى وإن كانت علاقة ذلك الفرد الواقعية مع الولايات المتحدة لا تتعدى زيارة لفرع ماكدونالدز في مدينته. ذلك الوصول الرهيب للرئيس الأمريكي لمنازل مئات الملايين من البشر، لم ليكن بهذه القوة والحيوية بدون دور المنصة الرقمية ”تويتر“ التي لعبت دوراً أساسياً في صناعة ذلك الضجيج السياسي.

دبلوماسية تويتر بدأت حينما قام قادة العالم والجهات الحكومية باستخدام منصة تويتر لنشر تصريحاتهم السياسية، وإعلان مواقفهم الرسمية في السياسة الخارجية، ومنها التعليق على الأحداث والمسائل المهمة بالنسبة لهم من خلالها. مع  مرور الوقت وحتمية التفوق الرقمي وازدياد شعبية مواقع التواصل الاجتماعي، أضحى تويتر المنصة المفضلة لكثير من الكيانات السياسية التي تسعى من خلاله لتعزيز سياساتها الخارجية في أعتراف ضمني بأن الجمهور الحقيقي المستهدف يتواجد خلف شاشات الكمبيوتر.

لنفهم ما نعنيه بدبلوماسية تويتر علينا أن نعود إلى ما حدث في عام ٢٠١٦م، ففي الولايات المتحدة ومنذ إعلان رجل الأعمال الأمريكي ذلك الحين ”دونالد ترامب“ الترشح في الانتخابات الأمريكية، وأنظار المهتمين بالسياسة الأمريكية قد سُلطت عليه، استقطب اهتمام -ليس الناخبين الأمريكيين فحسب- بل العالم بأسره الذي لاحق مناظرات ”دونالد ترامب“ المتلفزة، وتصريحاته المثيرة للجدل في الإعلام التقليدي والجديد، وحتى  فوزه في حد ذاته شكل مفاجأة للجمهور و لبعض أكبر خبراء الإحصائيات مثل "FiveThirtyEight" و Princeton Election Consortium"

لم يكن استحقاق الانتصار الرئاسي كافياً للرئيس الجديد، لذلك قام بتوظيف أداة جديدة ” تويتر“ أعادته لتصدر المشهد السياسي أثناء الانتخابات ولترسيخ أجندته الرئاسية .

على الرغم من أن انخراط الساسة في منصة تويتر ليس بأمر جديد، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ ٢٠٠٧م وهو صاحب حساب نشط في تويتر، بل ويحمل رقم قياسي كأكثر حساب يحظى بعدد متابعين، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد دشن مرحلة غير معهودة مسبقاً في الدبلوماسية الرقمية. فالضجيج السياسي الذي أحدثه في تويتر منذ إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية، قدمت معنى جديداً وملموساً للاتصال السياسي بين القائد ومجتمعه بمختلف أطيافه، وإيجاد وسيلة جديدة يمكن قياس معطياتها وتأثيرها. والأهم من ذلك أنه استطاع بشكل أو بآخر تقديم مصطلح فريد في الساحة الدبلوماسية، دبلوماسية تويتر ! 


 في عام ٢٠١٣م، أوجدت ٧٨٪ من مجمل دول العالم تمثيل رسمي لها في منصة تويتر. وبحلول عام ٢٠١٨م بلغت نسبة الدول المتواجدة بشكل رسمي من خلال حكوماتها وقادتها ٩٧٪ متمثلة في عدد (٩٥١) حساب رسمي. وعلى الرغم من أن العديد من تلك الحسابات مازالت تستخدم تويتر كمنصة تقليدية لنشر بيانات رسمية باردة الملامح، ومجهزة مسبقاً من قبل متخصصين العلاقات العامة لديهم. إلا أن ما فعله الرئيس ترامب، وجر من خلفه عشرات السياسيين؛ هو تحويل المنصة إلى أداة حيوية سياسية تفاعلية، ومخصصة، ومباشرة. فأضحت التغريدات التي كان ينظر إليها سابقاًَ على أنها آراء شخصية لا تمثل موقف صاحبها الوظيفي الرسمي، أو أنها مجرد وسيلة لنقل البيانات الرسمية الجاهزة، إلى أن تُعد موقفاً سياسياً متكامل الأركان للكثير من الدول والشخصيات.

في مقاله "دبلوماسية تويتر: تفادي حروب تويتر من الإنخراط في حروب حقيقية " يقول “chu wang” بأن هنالك ثلاثة فوائد مختلفة تعرضها دبلوماسية تويتر بالمقارنة مع الدبلوماسية التقليدية؛ الانتشار الواسع، والتحكم بالرسائل، وسرعة رصد الأثر الرجعي. فهي على عكس الأدوات الإعلامية التقليدية للدبلوماسية مثل: المؤتمرات الصحفية، والتصريحات الحذرة،  والاجتماعات الخاصة، التي لايعرف عنها الجمهور إلا صورة تنشر في الوسائل الرسمية مع بيان مقتضب، فإن منصة توتير توفر للقادة إتصال مباشر وبدون رقابة مع الجماهير ونظراءهم مع قادة الرأي والمجتمع. وبذلك يضمن القائد ارتفاع نسبة الشفافية مع الجماهير التي لطالما رغبت بأن تكون على إطلاع أفضل حول ما يجري داخل أروقة السياسة،   وليتفادى احتمالات التعديل والاقتطاع والتفسير الضيق لتصريحاته ومواقفه الدبلوماسية والسياسية بحسب أهواء وسائل الإعلام المستقبلة، وكذلك ما تفرضه البيروقراطية الرسمية والمصالح الحزبية، التي تؤثر بشكل أو بآخر على تجهيز لغة الخطاب أو توقيت وصوله للجمهور، فمن خلال تويتر يضمن القائد أن تصل رسالته كما يرغب هو.

في نهاية عام ٢٠١٨م صرح وزير الدفاع الأمريكي السابق "جيم ماتيس" بضرورة الاحتفاظ بالقوات الأمريكية في سوريا وأنها تمثل مصلحة استراتيجية أمريكية، ولكن سرعان ما قام الرئيس“ دونالد ترامب“ بنشر تغريدة أعلن فيها سحب عدد ٢٠٠٠ جندي أمريكي من سوريا، وعلى الفور أصبحت تلك التغريدة هي الموقف الرسمي للحكومة، التي تدفع بالموظفين الرسميين ومن ضمنهم وزير الدفاع لتبنيها والدفاع عنها.

كما تمنح دبلوماسية تويتر قدرة فريدة يتمناها كل سياسي، وهي التخلص من الوسيط! فحين ينشر القائد رسالته للجمهور عبر المنصة فإنه يضمن الوصول الفوري لجميع التعليقات، وقياس ردود الأفعال عليها بشكل أكثر دقة، طازجة كما يقولون، ودون ترتيب مسبق من وسيط يزيل ما يشاء  ويسمح بتمرير ما يشاء.

وأخيراً القدرة المطلقة على التحكم بالرسائل وتوجيهها، فالنص القصير الذي تحدده منصة تويتر تعني فرض مساحة محددة؛ لتقديم نص ذكي يتناسب مع الرسالة الموجة وتوقيتها وتجهيزها كما يرغب صانع القرار السياسي.


لكن ذلك يأتي مع مخاطرة مضاعفة أيضاً. فبإمكان تغريدة واحدة أن تسبب ضرراً مباشراً في صلب الدبلوماسية التقليدية، خاصة حينما تكون أحد تلك التصريحات أو التعليقات عدوانية، ولا يمكن التحكم بها من خلال وسطاء أكثر عقلانية واحترافية في مجال عملهم. فالقادة يخاطرون بكشف مشاعرهم الخاصة أو آراءهم الشخصية، نحو مواضيع جدلية بخلاف مواقفهم الرسمية من واقع سياساتهم المعلنة. وهي على خلاف المكالمات الهاتفية والاجتماعات الخاصة المغلقة، التي تسمح للقادة بأن يكونوا أكثر أريحية في التعبير عن وجهات نظرهم الخاصة، والتي قد لا تتفق بالضرورة مع الموقف الرسمي للحكومة. وكذلك تواجد المستشارين والخبراء حوله ليتأكدوا أن لا يورط القائد حكومته نتيجة قرار متسرع. وشاهدنا ذلك في الضجة التي أحدثتها تعليقات الرئيس ”دونالد ترامب“ على أحداث الاحتجاجات الاخيرة في الولايات المتحدة إثر مقتل جورج فلويد، وكيف أن لغة الرئيس المباشرة في التغريدات تختلف عن فحوى البيانات الرسمية الحذرة الصادرة من البيت الأبيض، وكذلك الأجنحة السياسية المؤيدة للحكومة الفيدرالية. السيناتور الجمهوري الأمريكي ”توم كوتون“ أيضاً كان مثار جدل، حينما غرد بضرورة استخدام الجيش الأمريكي  لدعم الشرطة في مواجهة المتظاهرين خلال الاحتجاجات. تلك الآراء الشخصية غالباً لم تكن لترى الضوء في ظل سيطرة وسائل الإعلام الأمريكية التقليدية قبل وجود تويتر، إضافة إلى دور رقابة الخبراء حول القادة والمسؤولين التي تعمل  كمكابح أمان لما قد يصدر منهم.

تغريدات الرئيس الأمريكي بشأن احتجاجات السترات الصفراء في  فرنسا مثالاً على الدبلوماسية في تويتر،  حيث رد وزير خارجية فرنسا "جان ايف لوريان“  بأن على الرئيس الأمريكي عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لفرنسا. وحينما غردت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الأمريكية انتقاداً لسياسة الصين في تعاملها مع المتظاهرين في هونج كونغ، ردت عليها متحدثة وزارة الخارجية الصينية ”Hua Chunying“ بالتغريد على الفور بثلاث كلمات فحسب ” أنا لا أستطيع التنفس“ والتي تشير فيها إلى مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية،

الدبلوماسية الصينية في تويتر نشطة، إن لم تكن الانشط على الاطلاق، حيث إن سفرائها من أكثر السفراء تعاطياً معها، والأمثلة كثيرة، منها أن رئيس المالديف محمد نشيد غرد في تويتر بأن الفوائد والديون الصينية على بلاده قد دقت ناقوس الخطر، وقام بنقد سياسة الصين في المبالغة في رصد قيمة تلك المشاريع، التي تقوم بإنشائها وتحميل المالديف تلك المبالغ كديون مستحقة للصين. وعلى الفور قام السفير الصيني لدى المالديف بكتابة عدة تغريدات، مع الإشارة لحساب الرئيس نشيد  ووزير خارجيته؛  يفند فيها تلك الادعاءات المضللة "حسب وصفه" ويبين مدى ضررها على العلاقات الودية بين الدولتين.

 وفي أغسطس من عام ٢٠١٨م قامت وزيرة خارجية كندا ذلك الحين بانتقاد المملكة العربية السعودية من خلال تغريدة في تويتر، وطالبت فيها بإطلاق سراح أحد الموقفين من المواطنين السعوديين، في أقل من ست ساعات قامت المملكة بإبعاد السفير الكندي في الرياض واستدعاء السفير السعودي من أوتاوا، وإيقاف الرحلات بين البلدين، وكذلك إلغاء برامج ابتعاث الطلاب السعوديين في كندا وإعادة إرسالهم إلى دول أخرى. فمجرد تغريدة لا تتجاوز ٢٥٠ حرفاً من وزيرة ذات خلفية حقوقية وصحافية في بلادها، أدى إلى شرخ كبير في العلاقات بين البلدين. تلك الأزمة التي وضعت الكنديين في موقف لا يحسدون عليه، قال فيها السفير الكندي السابق في الرياض ”دينيس هوراك“ في حوار أجراه معه تلفزيون هيئة الإذاعة الكندية سي بي سي " "لقد ذهبت خطانا بعيداً جدًا، هل يمكننا تجاوز ما حصل ؟ لا أدري ". وعلق السفير الكندي السابق لدى السعودية ”ديفيد تشاترسون“ أن الدبلوماسية الكندية فشلت. مصرحاً لوكالة فرانس برس: ”أعتقد أننا حولنا أنظارنا عن هدف الدفاع عن مصالح كندا، متسائلاً: (هل كان المطلوب تحسين الموقوف السعودي؟ إن كانت هذه هي الحالة، فقد فشلنا. هل كان المطلوب التأثير على التوجه العام للسعودية؟ لا أعتقد أننا حققنا ذلك. هل كان المطلوب الدفاع عن المصالح الكندية؟ لا. إنه فشل تام).

يا إلهي، هذه هي نهاية الدبلوماسية! 

لورد فرانك بالميرستون

يقُال إن هذه كانت ردة فعل رئيس وزراء بريطانيا في القرن التاسع عشر اللورد "بالميرستون" عندما تلقى أول برقية، ذلك الاختراع الجديد في حينه.  ولكن استخدام التقنيات الحديثة لم تعني نهاية الدبلوماسية، بل استطاعت إعادة استخدام تلك التقنيات وتسخيرها في خدمتها. فهذا الزخم الرقمي من حولنا لن يؤدي بسقوط الدبلوماسية واستبدالها بذكاء اصطناعي مثلاً كما روجت له أحدى الدراسات الصينية، فقوة الدبلوماسية تكمن في قدرتها الهائلة على استيعاب الأدوات الجديدة لتمكينها من تحقيق أهداف القائمين عليها. في هذا حذر الرئيس  الاتحادي لألمانيا ”فرانك شتاينماير“ بأن لا نرفع من سقف التوقعات بشأن ما تقدمه التقنيات الحديثة من خدمة للدبلوماسية، فبحسب قوله بأنه وعلى الرغم من أن وسائل السياسة الخارجية التقليدية قد تبدو بطيئة بالمقارنة مع الثورة الرقمية التي تحملها منصات التواصل الاجتماعي، فوجود هاشتاق في تويتر بمئات الآف من التغريدات يشكل بلا شك ضغطاً على صانعي السياسة الخارجية لاتخاذ موقف تجاه ذلك. إلا أن المباحثات الدبلوماسية تحتاج وقتاً أطول لمعالجة إشكال ما.  أستاذ العلوم السياسية السويدي ”Christer Jönsson“ يقول ”بدون اتصال لا وجود للدبلوماسية.“ وهو محق في ذلك، فالدبلوماسية هي بشكل أو بآخر كينونة الاتصال السلمي بين الأفراد والجماعات المغايرة؛ لأجل خلق تفاهم معين متفق عليه يرسخ السلم أو ينهي حالة من الصراع والحرب. وما تقدمه تكنولوجيا المعلومات من التطور الرقمي هي ببساطة تقديمها لوسائل اتصالية أكثر فعالية من قبل. واليوم، وفي ظل عصر التمكين الرقمي وأتمتة المعلومات وما فرضته جائحة كورونا من تباعد اجتماعي واحترازات صحية أدى إلى تفعيل قسري للعديد من الوسائل التي كانت مستبعدة من خلف الشاشة قبل ذلك. هذا يعني أن الأوان لم يفت بعد على أن تُأخذ تلك التطورات الرقمية بجدية، نحو تقبل وجود دبلوماسية رقمية ملموسة، ومن ضمنها دبلوماسية فريدة تشكلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتفعيلها بشكل يعزز من أهداف السياسة الخارجية للحكومة، جانباً إلى جنب مع عمل سفاراتها في الخارج، وبرامجها الخاصة في الترويج لمصالح البلاد وزيادة مكتسباتها الاقتصادية والثقافية والسياسية. يقول ”توماس فريدمان“: (إن شبكات التواصل الاجتماعي أجبرت أغلب السياسيين على الانخراط في حوار ذو اتجاهين مع الجمهور الأجنبي). اليوم وفي ظل العالم الجديد فالأسرع في تبني المستجدات الرقمية هو الأقوى. أو كما قال ”روبرت مردوخ“ : ”العالم يتغير بسرعة، القوي لن يهزم الضعيف مستقبلاً، بل سوف يهزم السريع البطيء“.

هذه الحاجة لا يمكن أن تترك للاجتهاد فحسب، بل من الضروري تأهيل الدبلوماسيين بالأدوات المعرفية اللازمة، التي تمكنهم من مباشرة تلك المهام على أكمل وجه، مع منحهم صلاحية وهامش للتحرك في إدارة المخاطر المصاحبة لمثل تلك الأنشطة العامة عبر شبكات التواصل الاجتماعي. مع تفهم أن فرض المراقبة اللصيقة يقيد المرونة والفورية -اللاتي هما ميزتا منصة تويتر تحديداً - ويعطل الجهود الرامية للحاق بتلك التحولات الرقمية.

ما نحتاجه فعلاً هو تحديث سياسات القطاعات الحكومية في وسائل التواصل الاجتماعي، والمبادرة لصياغة ونشر أسس وإرشادات وبروتوكولات للتعامل معها باحترافية، تخدم فيها أهداف تلك المؤسسات، والتي من ضمنها وزارة الخارجية بأفرعها وبعثاتها وممثليها في الداخل والخارج. كما يعني ضرورة تدريب القادة والمسؤولين وتوعيتهم نحو استخدام فعال لوسائل التواصل الاجتماعي، وتشجيعهم على الانخراط أكثر في الاتصال والتواصل مع الآخرين لتعزيز رسائلهم السياسية. وتفعيل نشاطهم بالمواد البصرية والسمعية المساندة من جرافيكس وفيديو وبودكاست وغيرها من الإنتاجات الفنية الداعمة والمساندة لرسائلهم.  يقول ”توم فليشر“ : (الدبلوماسي الأكثر فعالية في هذا العصر الرقمي، هو من يحمل بيده الآيباد بدلاً من أوراق أعتماده). وإن كان موضوعنا هذا مرتكزاً على تويتر كما هو الحال في  تقرير  twitplomacy.com ، إلا أن جميع وسائل التواصل الاجتماعي تشاهد صعوداً لافتاً في انضمام قادة وصناع رأي ووكالات حكومية تستهدف الجماهير والنخب المحلية ونظرائهم الدوليين. اليوم هنالك عدد (٧٢١) من القادة السياسيين على شبكة ”فيس بوك“ بحسب إحدى الدراسات الحديثة، مشكلين نسبة ٩٥٪ من دول العالم، هؤلاء نالوا أكثر من (٣٦٢) مليون نقرة  إعجاب، وقرابة مليار وأربعة مئة مليون تفاعل خلال الفترة من مارس ٢٠١٩م إلى مارس ٢٠٢٠م، وذلك ضعفي الاحصائيات عن نفس الفترة من عام ٢٠١٨م. كم أن منصة ”انستقرام“ وبناءاً على عوامل تفاعل القادة والسياسيين معها قد تشكل الوجهة المفضلة القادمة للأنشطة الدبلوماسية.

شكراً لإمضاء كل هذا الوقت في قراءة المقال.