كيف ترضى لنفسك بأن تعمل لغيرك؟


كتبت  بمنطق بحت

الصراع المحتدم بين نظريتي الرأسمالية والاشتراكية قامت على مبدأ التنافسية.
في حين يدعو آدم سميث (مؤسس الرأسمالية) في كتابه ثروة الأمم إلى أن التنافس يخلق حالة من التطوّر والتميّز بين الذي يعمل والذي لا يعمل بالمقابل يعترض كارل ماركس (مؤسس الاشتراكية) في كتابه رأس المال أن رأس المال الفعلي للشركات هم الموظفين وعليه فإن التنافس يدعو إلى خلق فوضى في استغلال الموظف لصالح ربّ العمل.
بمعنى أن الرأسمالية تتيح لك استغلال ماشئت طالما يجعل الغني أكثر غنى والفقير أكثر فقرا بينما الاشتراكية تبحث عن العدل دوما ولو على حساب المفارقات العقلية والقدرات الذهنيّة بين الأشخاص، وكلاهما نماذج اقتصادية تطرّفت عن أصلها ولم تنجح كنظرية اقتصادية بحتة؛ ولهذا جاء الإسلام منافحا لتحقيق المساواة مع الاحتفاظ بمبدأ الفروقات عن طريق الزكاة ولم يكن لأمير المؤمنين الخليفة الخامس عمر ابن عبدالعزيز نموذجا تأريخيا ناجحا لو أنه لم يتمكّن من تحقيق العدل والوفرة الاقتصادية في سنتين وخمسة شهور وأربعة أيام فقط.

هذه المقدّمة تجعلنا ندرك الأبعاد الفلسفية بين من يسعى للوظيفة أو من يخلق وظائف للموظّفين ولماذا الموظّف موظّف وصاحب العمل مؤسس.
ولا ضير في أن الموظّف يبحث عن أمان وظيفي يقيه من طلب الناس والحاجة إليهم وهذا التفاوت هو سنّة كونيّة بين البشر بحيث لا يمكن للبشرية أن يكونوا جميعهم موظفين أو جميعهم أصحاب أعمال.
تبقى المسألة هي في كيف ننظر للموظف والمؤسس؟
وفي الحقيقة من يطرح هكذا تساؤل ينبغي بالضرورة أن ينتمي إلى ثلّة الأذكياء.
لأنهم ببساطة لا ينظروا إلى الأمور من زاوية تفكير معتادة.
هم يدركون ما هم عليه وماهم قادرون على فعله.
أولائك الذين يمتلكون خصال النباهة والفطانة.
أولائك الذين لا يعملون لمجرّد العمل وإنما في خلق بصمة تميّزهم عن أقرانهم من الموظفين.
تلك البصمة التي تترجم إلى جودة، تألق، إبداع ، إسهامات، مبادرات وخلق حلول مبتكرة.
هذه البصمة وهذا التفرّد هو نتاج قدرة عقلية جينية وسابق معرفة وتراكم خبرات وتجارب سيئة وناجحة،و بالتالي وهذا ما أود الوصول إليه .. الموظفون ليسوا سواسية الموظفون الأذكياء لا يروّضوا!
لا يسهل ترويضهم بتاتا.
هم يعملون لخلق بصمة متفرّدة ومتى ما شعروا بإكتفاء أو ملل أو عدم تقدير تجدهم يبحثون عن مغامرة أخرى.
مثل النبتة ..

أينما أنبتها الله تزهر

ورد في السابق من هم الموظّفون الأذكياء.
وخلافه الموظّفون البؤساء.
أولائك الذين يعملون لأجل راتب شهري فحسب.
أولائك الذين لا يعوّلون على الأثر.
ولا في خلق بصمة أو نتيجة تذكر.
وهنا مربط الفرس.
هل فعلا الأذكياء دوما أصحاب أعمال؟
ألا يوجد أصحاب عمل بؤساء؟
في الحقيقة لست بصدد شرح الفروقات بينهم من الناحية المنطقية و العقلّية السليمة والنظرة البعيدة والمستقبلية أو من ناحية الأثر والبصمة واستثماره للموظفيّن في عمق إنساني معرفي يندرج تحت اسم (إدارة البشر) أو حتى طريقته لإدارة العمل من ناحية فنيّة رئيسية، وليس المهم التفريق بين أن تكون على رأس العمل أو على طاولة العمل!
وأن الأمر ليس بالسذاجة التامة التي كما يصّورها السذّج تكمن بالسقوط المتكرر ثم النجاح والتي تعتمد بشكل قاطع على معطيات الفرد دون غيره؛ هل ورث المال من أبيه؟ هل هو من عائلة ثريّة ويتصنّع العصامية؟ وهل ..؟
وهذا أيضا ليس تبريرا منطقيا يمكن لعقلاني مثلي أن يتبنّاه إذ الأمثلة كثيرة ولكن ما أسعى إليه هو أن تٌفهم الأمور من زاوية مختلفة فحسب.

الأمر ببساطة لا يتعلّق بأن تكون صاحب عمل أو ضمن فريق عمل وإنما في القيمة المضٌافة التي تستطيع أن تضيفها باطمئنان.
تلك البيئة التي تحتويك.
البيئة التي تجد فيها نفسك.
و متى ما توفّرت تلك البيئة الخصبة والمنتجة يجدر على الذكّي النبيه أن يساهم في خلق بصمة خاصّة لا يمتلكها شخص آخر شريطة توفّر تلك البيئة، ومعايير تلك البيئة هي كالآتي :
- تعتني بالأذكياء دوما.
- تستثمر فيهم دائما.
- لا تفرّط فيهم أبدا.

وأما من ناحية المادة فتقاس تبعا للظروف الراهنة مثل العمل لفترة من الزمن يستطيع فيها الموظّف الذكّي امتلاك حصة من أسهم الشركة تقدّر بداية ب 10% مقابل اقتطاع 15% من راتبه وهكذا، المهم أن تتغيّر تلك النظرة من موظف إلى شريك.


أخيرا ينبغي أن نعلم وندرك جيّدا أن صاحب العمل الناجح هو قادر على إدارة البشر بحنكة وإنصاف وعدل وهذا النجاح وإن تصدّر به المؤسس إلا أنه تحقق بسبب منظومة متكاملة من فريق العمل و الموظفين ولذلك ..
لا يهم إن كنت موظفا أو صاحب عمل طالما أنك تستطيع الاختلاف والاعتراض وأن تحظى أيضا بتقدير واحترام وأسهم في حصّة الشركة وشركات أخرى تخوّلك للثراء.
الأمر المبني فقط على زاوية تفكيرك أي الموظفيّن والمؤسسيين أنت؟

Join