ما هي الخصوصية على الانترنت؟ ولماذا يجب أن تهتم بها؟

تخيل هذا الموقف:

        في مقهى .. تتفرج على مقطع أو شيء - ع الأغلب تافه. في لحظة اِكتشفت أن الشخص - اللي ما تعرفه وجالس قريب منك - يسترق النظر إلى جوالك. ايش راح تكون ردة فعلك؟

  • ع الأغلب اجابتك راح تكون: ترمقه بنظرات حادة ، لحد ما يشيح بنظره عنك.


وضحت الصورة؟ جميل.

هذي هي التدوينة. البقية تفصيل لماذا الخصوصية مهمة على الانترنت.



ما هي الخصوصية؟

        ويكيبيديا تعرف الخصوصية بـ "قدرة الفرد أو الأشخاص على أنفسهم أو معلومات عنهم، وبذلك يعبرون عن أنفسهم بطريقة انتقائية ومختارة."

        هذه المعلومات تشمل أي إدخال للموقع/الخدمة، يوم به المستخدم. مثل: موقع، الكلمات التي بحث عنها، الأشخاص الذي تتابعهم/تتواصل معهم، الصور المرفوعة، الرسائل المتبادلة … إلخ.



        هذه هي المعلومات الأولية، بعدها المعلومات التي تستنجها الشركات التقنية على ضوء هذه الإدخالات. قوقل، كمثال:

                تستطيع معرفة تحركاتك خلال الفترة الماضية، كم أخذ منك المشوار، بالسيارة أو على القدمين ، كم جلست في الموقع. معلومات لو أردت معرفتها عن شخص - بطريقة نظامية - ، تحتاج إذن من محكمة + غطاء/سبب قانوني. مع ذلك، المعلومات هذي متوفرة - وبشكل قانوني ! 😅

                تقدر تراجع وين كنت الشهر الماضي من خلال: Google Maps Timeline

                أو، ملف التعريف الذي كتبه عنك قوقل، بناءً على استخدامك لخدماته المختلفة (يشمل رسائل الجيميل)، والذي بناءً عليه تقدمه (طبعًا مو بشكل كامل) للمعلنين.

                    لأي درجة الملف دقيق؟


الهدف الأساس من جمع هذه المعلومات يرتكز على نقطتين أساسيتين:

  • تحسين تجربة المستخدم وتطوير الخدمات المقدمة.

  • جذب المعلنين وبيع الإعلانات ، مع تخصيص أكبر للشريحة المستهدفة. في النهاية، الخدمة مجانية لنا، صحيح؟ 



كم قيمة معلوماتك كمستخدم؟

        الإجابة القصيرة: ما أعرف.

        الإجابة الطويلة: حساب رقم كهذا صعب، المتغيرات كثيرة، لكن على سبيل المثال: دخل فيس بوك في عام 2019 67.37 بليون دولار (وهي الثانية بعد قوقل اللي دخلها يتجاوز الـ 100 بليون). 1

        ولو قررت فيس بوك تدفع لمستخدميها مقابل مشاركة بياناتهم المعلنين ، فراح يكون نصيب الألماني 8$ في الشهر ، الأمريكي 3.5$. 2

        الفكرة هنا: معلومات كمستخدم مفيدة بشكل رهيب لكل شركة تقنية - بالذات، وراح تحرص كل الحرص على الخروج بأكبر عدد منها. حتى لو لم يزر موقعهم أو كان مستخدم للخدمة. 3



"ما عندي شيء أخفيه."

        الكلام السابق هو تحضير للأتي، وأول تعليق يتبادر للذهن عند الحديث عن الخصوصية: "ما عندي شيء أخفيه."

        الرد على هذه الحجة معقد، لكن يمكن الرد عليه من عدة أوجه.


            الأول: "لا، كل شخص عنده أمر/شيء يريد اخفاءه." وهذا الشيء عادي جدًا، وأساس في طبيعتنا.

إلا ما يكون عنده شيء يخفيه عن اللي حوله.. مو بالضرورة يكون شيء خاطئ ، بقدر أنه سيجعلك في موضع حرج. مثلًا: محادثاتك مع صديق معين، القيمة الحقيقية لجهاز اللي اشتريته - وكذبت على أهلك بقيمته، تاريخ تصفحك على الانترنت. 4


            الثاني: إنعدام الخصوصية قد يسبب مشاكل حقيقية.

                مثل: لو تسربت معلومات البطاقة الائتمانية، أو اسم المستخدم وكلمة السر لخدمة حيوية ، مثل أبشر أو بريد العمل الالكتروني. -المعلومات هذي تدخل من ضمن الخصوصية. 4


            الثالث: الخصوصية هي أحد الحقوق الإنسانية الأساسية - المادة 12. ويجب أن يكفلها له النظام أو القانون.


            الرابع: حجة "ما عندي شيء أخفيه." فيها افتراض أن من يطالب بالخصوصية لديه دوافع إجرامية.

                مع أنه في واقعها، هي جزء من حفظ كرامة الفرد لأمور تفضلها بعيد عن أعين الناس. مثل: وقتك مع أهلك، غناءك وقت الشاور. ما فيه شيء منها إجرامي ، أو ضد يجرم الغناء وقت الشاور. لكن مثل ما ذكرت، تعتبر حجر أساس من كرامة الشخص. قِسْهَا على الستائر في البيت ، أو جدار المنزل. 5


            الخامس: معظم أو أغلب تفاعلنا في شبكات التواصل الاجتماعي هي تفاعلات ظرفية.

                لها ظروف معينة ، ظهرت في سياق معين. حتى تُستوعَب بشكل كامل، يلزم استحضار ذات الظروف، وغالبًا هذا الشيء يغيب عند قراءة تغريدة/رسالة إلكترونية قديمة. 6

   

            السادس: نحن، كـ بشر، نتصرف بطريقة مختلفة عندما نظن/يكون هناك من يراقبنا.

                هذا التأثير تم بحثه في علم النفس ، وله نتائج مقاربة حتى لتأثير البلاسيبو 7. يختلف حدة التأثير باختلاف الموقف ، لكن أفضل تشبيه له هو:

                    أنت تسوق سيارتك، رابط حزام الأمان متقيد بالسرعة القانونية، ولاحظت سيارة شرطة في المرآة الخلفية. لا شعوريًّا، تبدأ توتر والأفكار تتسارع. رابط الحزام؟، السرعة ٨٠؟ أو آخر لوحة كانت ٧٠؟ استمارة السيارة اللي جددتها قبل ٤ أشهر سارية؟! لا تكون الرخصة والهوية في البيت ؟!

                    وفي النهاية يمر بدون ما يرف له جفن.

                هذا جزء من تأثير الشعور بأننا تحت الرقابة. صحيح ، قد يكون له جوانب إيجابية ، لكن سلبياته تتركز في القلق المستمر بأنه يجب نُظهر أحسن ما فينا، إضافة إلى الشعور بعدم الارتياح عند استخدام خدمة أو محادثة شخص عزيز/قريب.



المتاجرة بالخصوصية هي سلاح ذو حدين.

        من جهة: التخلي عنها يعني خدمات، مجانية أحيانًا، وتجربة مستخدم أفضل + مصدر دخل للشركة. صفقة رابحة للطرفين !


        ومن الجهة الأخرى، هناك جوانب سلبية، سأحاول إيجازها في ثلاث نقاط:

  • هذه المعلومات، كل المعلومات، موجودة سيرڤرات على الانترنت. القاعدة الأولى في أمن المعلومات هي: لا يوجد نظام آمن بشكل 100%.

        وللأسف، القاعدة هذه حقيقية - كنت أتمنى أنها تقال كـ نوع من التواضع 😅.

هذه قائمة بأبرز الاختراقات الالكترونية التي حصلت من بداية الألفية:

https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_data_breaches

https://databreach.es/

https://ocrportal.hhs.gov/ocr/breach/breach_report.jsf

https://privacyrights.org/data-breaches

https://www.informationisbeautiful.net/visualizations/worlds-biggest-data-breaches-hacks/


            إذا تعتقد أن بياناتك تسربت (أو حتى ما تعتقد) ، هذي أداة من موزيلا فاير فوكس تنبه إذا سبق تسربت بياناتك من أي موقع تم اختراقه: https://monitor.firefox.com/



  • المعرفة تعرض المستخدم للتلاعب.

            وأفضل مثال يُذكر هنا هي فضيحة فيس بوك وكامبردج آناليتيكا عام 2018. البيانات الشخصية لـ 87 مليون مستخدم ، اُستخدمت في تصميم حملات إخبارية/دعائية للتأثير على الناخبين في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة ، المملكة المتحدة ، والمكسيك. 8

           مثالين آخرين أذكرهم للأهمية:

  1. يتعلق بمحرك البحث قوقل، دراسة تدّعي أن قوقل تخصص نتائج البحث المعروضة ، للأفراد. بمفردة أسهل: لو بحث شخصين، بنفس التوقيت، بنفس نوع الجهاز والمتصفح، ستعرض قوقل ترتيب نتائج مختلف للطرفين. كلٍ حسب ما تراه قوقل 9. الدراسة تأخذ خطوة أبعد ، بزعم أن قوقل يتتبع المستخدمين حتى بعد تسجيلهم الخروج من الحساب.

                خطورة المسألة أنها تزيد من خطر الوقوع في مغالطة الانحياز التأكيدي.

                وكلنا نعرف أن أفضل لمكان لإخفاء جثة، هو الصفحة الثانية من محرك بحث 🤣🙃

  1. لعبة بوكيمون قو: لعبة صيد بوكيمون، ظهرت في 2016، وتعتمد على الواقع المعزز، بزيارة مواقع أو أماكن حقيقية. مع الوقت بدأت الشركة بعقد شراكات مع علامات تجارية بحيث أن المواقع المزارة تشمل هذه العلامات التجارية. 10

        إشكالية هذا الأمر أنه يفتح  أو يمهد لـ عصر جديد من التعديل السلوكي وقيادة الجماهير، مقابل نتائج مضمونة وامتثال فردي. 10



  • من الجهات التي ستطلع أو تستخدم هذه المعلومات؟

    إشكالية الخصوصية لم تكن متعلقة بالشركات التقنية الكبرى بالتحديد. أقصد، أنها لها سمعة ، وتحرص عليها. لكن ماذا عن الأطراف الثالثة؟ الجهات/الشركات التي تستخدم بيانات المستخدمين بدون علمهم/إذنهم؟

        كليرڤيو ايه آي، شركة ذكاء اصطناعي، تقدم خدمات تعرف الوجوه من للشركات أو القطاعات الأمنية. قاعدة بياناتهم تحتوي على أكثر من 3 بلايين صورة ، تم جمعها من شبكات التواصل الإجتماعي، بدون إذن من المستخدمين 11.

    هل ذكرت أن قائمة عملاءهم الـ 2200  تسربت أيضًا؟ راجع.






الحديث يطول عن الخصوصية، أتمنى أني وفقت بتقديم فكرة عامة عن الموضوع.



في التدوينة القادمة سأذكر طرق أو أساليب تساعد في التحكم بالخصوصية.




للتنويه: ليس الهدف هذه التدوينة الانقطاع عن الانترنت في خيمة معزولة عن المدنية وشبكات الإتصال، هي فقط لتسليط الضوء على مسألة تهم كل شخص ، وتزداد أهميتها مع الوقت.





تواصل معي على:
Twitter, Telegram, Sarahah: @falmoaiqel


أو


المراجع:

1. “Global Digital Ad Spending 2019.” EMarketer, www.emarketer.com/content/global-digital-ad-spending-2019.

2. Niu, Evan. “Here's How Much Your Privacy on Facebook Is Worth.” The Motley Fool, The Motley Fool, 26 Feb. 2020, www.fool.com/investing/2020/02/26/heres-how-much-your-privacy-on-facebook-is-worth.aspx.

3. Dangerfield, Katie. “Facebook, Google and Others Are Tracking You. Here's How to Stop Targeted Ads.” Global News, Global News, 29 Mar. 2018, globalnews.ca/news/4110311/how-to-stop-targeted-ads-facebook-google-browser/.

4. Grogg, and John C. “I Have Nothing to Hide, So Why Should I Care About Privacy?” Make Tech Easier, 10 Feb. 2020, www.maketecheasier.com/i-have-nothing-to-hide-why-should-i-care-about-privacy/.

5. Abdo, Alex. “You May Have 'Nothing to Hide' But You Still Have Something to Fear.” American Civil Liberties Union, American Civil Liberties Union, 26 Apr. 2015, www.aclu.org/blog/national-security/secrecy/you-may-have-nothing-hide-you-still-have-something-fear.

6. Harding, Xavier. “‘Who Cares, I Have Nothing to Hide’ - Why the Popular Response to Online Privacy Is so Flawed.” Mic, Mic, 22 Mar. 2018, www.mic.com/articles/188563/who-cares-i-have-nothing-to-hide-why-the-popular-response-to-online-privacy-is-so-flawed.

7. Mccarney, Rob, et al. “The Hawthorne Effect: a Randomised, Controlled Trial.” BMC Medical Research Methodology, vol. 7, no. 1, 2007, doi:10.1186/1471-2288-7-30.

8. “The Cambridge Analytica Files.” The Guardian, Guardian News and Media, www.theguardian.com/news/series/cambridge-analytica-files.

9. Statt, Nick. “Google Personalizes Search Results Even When You're Logged out, New Study Claims.” The Verge, The Verge, 4 Dec. 2018, www.theverge.com/2018/12/4/18124718/google-search-results-personalized-unique-duckduckgo-filter-bubble

10. Bridle, James. “The Age of Surveillance Capitalism by Shoshana Zuboff Review – We Are the Pawns.” The Guardian, Guardian News and Media, 2 Feb. 2019, www.theguardian.com/books/2019/feb/02/age-of-surveillance-capitalism-shoshana-zuboff-review.

11. Emerson, Sarah. “Clearview AI's Surveillance Dystopia Isn't New for People of Color.” Medium, OneZero, 4 Feb. 2020, onezero.medium.com/clearview-ais-surveillance-dystopia-isn-t-new-for-people-of-color-3eb4662b1563

Join