ترجمة: استند على الألم

هذه ترجمتي للتدوينة الرابعة من سلسلة تدوينات كتبها آرون سوارتز (Aaron Swartz: 1986-2013)، بقية السلسلة (انجليزي).

 1 سبتمبر، 2012.


عندما تبدأ التمرين لأول مرة ، تكون البداية مؤلمة إلى حدٍ ما. ليس لدرجة تشبه لمس موقد ساخن، لكن مؤلمة كفاية لدرجة التوقف - إذا كان هدفك تحاشي الألم. وتزداد حدته أكثر عندما تنتهي. ويصبح الألم والإرهاق في قمته مع صباح اليوم الثاني.


إذا كان هذا ما حدث، فعلى الأغلب أنك لا تود معاودة الكرّة. من يرغب في هذا النوع من الشعور؟


لكن، تستمر في الرياضة، لعلمك يقينًا الألم هو ما يجعلك أقوى. لذلك في المرة التالية، تزداد قوتك وقدرتك على التحمل، قبل أن يبدأ الألم. ولهذا السبب، ترى الألم كـ نوع من الحافز أو المتعة، أو الدليل على أن هذه التمارين تحقق نتيجة. وبدل النظر بامتعاض إلى ألم العضلات والإرهاق في اليوم التالي، تجده علامة على تقدمك.


من ناحية أخرى، قلة من البشر تنظر للألم النفسي بنفس المنظور، فتعامله مثل تعاملها مع الموقد الساخن، مثلًا. تخافه أو تتجنبه  للدرجة التي تسارع فيها لتغيير الموضوع عند التطرق له.


وهنا تكمن المشكلة، تميل معظم المواضيع التي نتحاشاها إلى أنها هي الأكثر أهمّية لنا؛ هي نفسها أكثر المشاريع التي نرغب بإنجازها، أو القرارات ذات التأثير الأكبر على مستقبلنا. نخاف منها، لأننا نعرف أهميتها وقدر المخاطرة فيها. لكن، أيضًا، لن نصل لنتيجة بدون التعامل معها.



يقول راي داليو (Ray Dalio):

"أحد قوانين الطبيعة أنه يجب على المرء يطور من نفسه بتحديها ورفع سقف حدوده، من أجل اكتساب القوة - سواء كان ذلك على شكل رفع الأثقال ، أو مواجهة المشاكل وجهاً لوجه، أو بأي طريقة أخرى. أعطتنا الطبيعة الألم كجهاز رسائل يخبرنا أننا نقترب ، أو أننا تجاوزنا حدودنا بطريقة ما. في الوقت نفسه، جعلت الطبيعة عملية التعزيز تتطلب منا دفع حدودنا.


اكتساب القوة هو عملية تكيف الجسد والعقل لمواجهة حدود المرء، وهو أمر مزعج.

بكلمة أخرى، الألم والقوة هي نتيجة لمواجهة الحواجز. عندما نواجه الألم، فإننا في منعطف مهم في عملية صنع القرار لدينا 1. "

صحيح، الألم ليس لعبة نستمتع بها، لكن الحيلة هي النظر إليه مثل نظرتنا إليه التمارين الرياضية أو رفع الأثقال، علامة على تطورنا، زيادة القوة أو التحمل. دليل على أننا نتحسن.

وقتها، سرعان ما تتحمس عندما تتعامل مع ما يؤذيك أو يتعبك نفسيًّا.

 "تحدي جديد؟"، "فرصة للتطور؟". وكل الأشياء التي خفتها، أو عمدًا تجاهلتها، تبدو مغرية، لأنك تعرف اللذة التي تتبعها. يقترح داليو أن تعامل كل مشكلة/مسألة على أنها أحجية أو محارة، تخبئ داخلها لؤلؤة جميلة. إذا استطعت تجاوزها، تملك اللؤلؤة.


لذلك، الحيلة هنا: إذا شعرت بالتوتر يحيط بك، لا تتراجع أو تتخاذل، استند عليه. استند على الألم.



من بين كل حيل أو خدع تحسين الذات التي تعلمتها، كانت هذه الخدعة هي الأكثر إثارة للدهشة، والأكثر تأثيرًا صراحةً. قضيت معظم حياتي معتمدًا على مواهبي ومهاراتي.أعلم أن لدي نقاط قوة وضعف وبدا من البديهي أنني يجب أن أتوظف في المجالات التي تناسب نقاط قوتي، ومن الجنون حتى التفكير في قبول وظيفة تكشف نقاط ضعفي.


بطبيعة الحال، هناك مهارات كنت أتمنى لو كنت أفضل فيها، لكنها بدت بعيدة. وما دمت جيدًا في مجالات أخرى، ما الذي يمنعني من الاستمرار فيم أتقن؟ أقصد، أعرف أنه يمكنني تطوير تلك المهارات الضعيفة، لكن هل تستحق العناء؟


تعلمت ألا أتجنب الحقائق الصعبة، لذلك كنت أكنت هذه المحادثة مع نفسي حرفيًا: "نعم ، أعلم: إذا تحسنت في بيع الأشياء للناس [أو أيًا يكن] ، فسأكون أفضل بكثير. لكن مجرد النظر للألم أو التوتر الذي أجده في عملية البيع: مجرد التفكير فيه يجعلني أرغب في الجري والاختباء! بدون شك، من الجميل لو أتقنت هذه المهارة، لكن هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟" 



أدرك الآن مدى زيف هذا العذر: ليست شدة التوتر للدرجة التي تجعلني أهرب ، بل أن أهمية الموضوع تؤدي إلى رد فعل قتال أو هروب عميقًا في عقلي الباطن. لذلك بدلاً من التفكير فيه كموضوع مخيف يجب تجنبه، بدأت أفكر فيه كفرصة مثيرة للتحسن؛ انتفت مقايضة "هل المسألة تحتاج كل هذا العناء؟"، وأصبحت المقايضة أنها بين جانبين كلاهما رابح: أكون جيدًا في البيع، بالإضافة لمتعة تحسّني في شيء ما.


جابه خوفك عدة مرات، وسترى التغيير أمامك؛ وتبدأ رؤية تحديات جديدة تستحق التجربة 2.



بلا شك، هذه الخطوة ليست سهلة إبتداءً. لذلك ابدأ مع أشياء بسيطة. ما هي الأشياء التي كنت تتجنبها؟ الحديث أمام جمهور؟ طرح فكرة جريئة على مديرك؟ رفض طلب؟


ضعها في ذهنك، على الرغم من التوتر التي ستحدثه، اجعلها تستقر في بالك، وتعود على وجودها. تخيل نفسك تنجزها، ما أسوأ شيء ممكن أن يحدث؟ مع الوقت، ستبدأ هيبة هذه الفكرة بالاضمحلال وتصغر في نفسك ما دمت تواجهها. لاحظ كيف خف التوتر منها، وبدوت أكثر ثقة وقوة.


الآن خذ استراحة من هذه الفكرة. وعد إليها عندما تكون مستعدًّا. عد إليها وفكّر في أشياء ملموسة يمكنك القيام بها حيالها. ألازالت مخيفة مثلما كانت؟ وهل رأيت المتعة في تحجيم مثل هذه المسألة؟



لذلك، في المرة القادمة التي تشعر فيها بالخوف أو القلق من مسألة، خوف لدرجة تجنبها. تجاهله، واستند على الألم. وستكون ممتنًّا له.

مراجع:

  1. Ray Dalio, Principles (2001), part 2 (visited 2012-09-01). This whole section was inspired by his argument. 

  2. See, for example, Derek Sivers, “Push, push, push. Expanding your comfort zone,” sivers.org (13 August 2012). 

Join