الدليل الشامل لاستخدام الموسيقى في الإنتاجية

هذه المقالة مترجمة بتصرف ، بإذن المؤلف. رابط المقالة الأصل

الكاتب: شاماي آغرون (Shamay Agaron)

المترجم: فيصل المعيقل


نمت أهمية الموسيقى بشكل كبير خلال العقد الماضي. من الصعب أن أعطي إجابة واحدة إذا سألني أحد عن الموسيقى التي أسمعها.


لديّ قوائم موسيقية لمختلف نواحي الحياة. الهيب-هوب للرياضة، الجاز الهادئ كخلفية عند الأكل مع العائلة، الكترونيك عند العمل، R&B في الحالات العاطفية.. والقائمة تطول.


المشترك في كل هذه الأحوال، هو أني أستخدمها للتحكم بالطريقة التي أشعر بها. كانت الموسيقى تدفع حالتي العقلية لتتكيف مع الحدث. سواء كنت في مزاج جيد أو سيء، متعب أو نشِط، عاطفي أو منطقي، الموسيقى تساعدني على التكيف مع الوضع.


أراها نوعاً من القوى الخارقة، أحدد الحالة العقلية التي أريدها، ثم أختار نوع الموسيقى التي توصلني إليها.


لدى الناس حدس ممتاز في اختيار الموسيقى في معظم الحالات؛ باستثناء أمر واحد، عندما يحاولون أن يكونوا منتجين. هي مسألة حظ، في أوقات: تختار قائمة، وتندمج في العمل لساعات. ثم تختار نفس القائمة في يوم آخر، ومهمة مختلفة، وتكون أكثر قائمة مزعجة ومشتتة بنفس اللحظة. كيف يحصل هذا؟!


الموسيقى أداة رهيبة للتحكم بالمزاج. يستخدمها حتى الرياضيون والعدّاؤن للوصول لقمة العطاء البدني. أعتقد، بنفس المنطق، أنه ممكن للموسيقى أن توصلنا لقمة العطاء الذهني.


في هذا الدليل، سنبحر في العلوم الخفية لنفهم "كيف تساعدنا الموسيقى في البقاء منتجين؟"، وسأختم المقال بأفكار تساعد في اختيار الموسيقى الصحيحة للعقلية المطلوبة.


بالتحديد، سأحاول الإجابة على ثلاثة أسئلة:

  • لم تساعدنا الموسيقى على التركيز؟

  • كيف يمكن لها أن تكون مُشتِّتة؟

  • ما الذي يجعل موسيقىً ما مناسبة كخلفية؟


دورة مختصرة في علم أعصاب الموسيقى


إحدى أكثر الأساطير العلمية المعروفة عن الموسيقى هو تأثير موزارت. ذكرت دراسة عالية المستوى أن الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية يزيد من ذكاء الفرد. جذبت الدراسة انتباه الكثير في مجال التعليم والسياسة. وعلى الرغم من أن الدراسة نشرت عام 1993، إلا أن عدداً كبيراً من الناس لا يزالون مؤمنين بها.


تعطينا فرضية الإثارة والمزاج (Arousal-and-mood hypothesis) تفسيراً أفضل. على الرغم من أنها تلغي الهالة المتعلقة بالموسيقى، وتراها مثالاً كالمحفز المؤثر على المزاج والإثارة أو اليقظة - والتي ثبت تأثيرها على عملية الاستيعاب. حالها حال الكافيين، مثلاً، والذي يساعد بطريقة -غير مباشرة- في التفكير بطريقة أوضح، ويحسن المزاج والانتباه.


سنشرح باختصار في البداية قائمة المصطلحات المستخدمة:

  • المزاج (Mood): يعني نوع المشاعر أو العواطف؛ قد يكون المزاج سعيداً (مثل: الرضى، الحماس أو الراحة) أو سيئاً (مثل: الإحباط، الملل أو القلق). وعلى العموم، حتى الموسيقى الجيدة يمكنها أن تعطي مزاجاً سعيداً أو حزيناً.

  • الإثارة (Arousal): أظن أفضل ترجمة للكلمة هي الإثارة، والمقصود بها هو حدة الاستجابة العاطفية أو الجسدية لمؤثر ما. وهي تشمل أموراً مثل: اليقظة والحيوية.

الشكل البياني أدناه يوضح شكل هذه الحالات العقلية:

المصدر

مصدر الصورة


دعني أشرح لك ما أعنيه لتبسيط الأمر أكثر! تخيل أن الموسيقية هي المقبض الذي يتحكم في مشاعر الإثارة أو المزاج في المخ. وبشكل عام، يُوصف الأداء الذهني المثالي (المنطقة الخضراء) كـ "مزاج سعيد، ودرجة متوسطة أو مقبولة من الإثارة أو اليقظة." ودور الموسيقى هنا هو ضبط وتحريك المقبض حتى يتوالف مع المنطقة الخضراء. 

الدرجة المناسبة من الإثارة والمزاج — الصورة من المؤلف.

الدرجة المناسبة من الإثارة والمزاج — الصورة من المؤلف.


قد تتساءل، كيف تتحكم فيهما الموسيقى؟
المزاج

لا يعرف السبب الحقيقي خلف الاستمتاع بالموسيقى حتى اليوم، على اختلاف الثقافات، أو لماذا تؤثر "بقوة" على حالتنا العاطفية. أشارت بعض الدراسات إلى أنها تؤثر على نظام المكافأة في الدماغ. المتعة الناتجة عن الاستماع للموسيقى تأتي بسبب إفراز الدوبامين، أحد النواقل العصبية الذي يرتبط إفرازه بمعظم الأشياء التي نستمتع بها.


المثير للدهشة أن هذه الأنظمة العصبية التي تعتمد على الدوبامين، تفرز بشكل طبيعي فقط في أنشطة ذات تأثير إيجابي واضح من أجل البقاء (Survival)، مثل: الطعام، أو التكاثر، السباحة، الجري)؛ أو يتم تنشيطها بشكل صناعي بالأدوية، كالحال في المخدرات.

الإثارة

لخصائص الموسيقى تأثير على جذع الدماغ أيضاً، الجزء المسؤول عن الوظائف اللاإرادية، مثل: التنفس، دقات القلب، وضغط الدم. وِفقاً لنظرية التطور، فإن جذع الدماغ هو أحد أقدم أجزاء الدماغ، وقد يُفسر الموسيقى خطأً كإحدى الإشارات المحفّزة على غريزة البقاء نتيجة لخلطها بالإشارات التي يسمعها في الطبيعة. خصائص موسيقية بسيطة كالإيقاع أو سرعته قد تحفز ردود فعل معينة، فيما الموسيقى ذات الإيقاع البطيء مرتبطة بإبطاء دقات القلب والتنفس، وتخفيض ضغط الدم (والعكس صحيح).


متى تصبح الموسيقى أداة تشتيت؟

ما توصّلنا إليه حتى الآن هو دور الموسيقى في تحسين الأداء الذهني والتركيز، في المهام التي تحتاج حضوراً ذهنياً ومزاجاً مرتاحاً. مع افتراض واحد:  أن الموسيقى تعمل في الخلفية، بدون التركيز عليها. 


لكن هذا الافتراض ليس صحيحاً في كل الحالات! من السهل جداً خسارة كل التأثير الإيجابي على المزاج والإثارة، إذا استحوذت الموسيقى على الانتباه المتوفر. سنحاول في الجزء فهم علاقة التركيز بالموسيقى، وكيف يتفاعلون سويّاً. 


ما هو الانتباه؟

يُشبّه الانتباه، عادةً، ببقعة الضوء التي نوجهها على الأشياء التي نريد التركيز عليها، بحيث تكون هي محور اهتمامنا ومحط التركيز. يمكن تشبيهه، أيضاً يشخص صغير يجلس في رأسك، يسلّط الضوء تجاه الأشياء لتنتبه إليها.

دائرة الانتباه. مصدر الصورة


لدينا نظامين أو آليتين للانتباه: إرادية ولا إرادية. يحدث الانتباه الإرادي عندما نثبت انتباهنا طواعيةً تجاه الأشياء/المهام التي نقوم بها، لكن هذا الانتباه كفيل بالتشتت عند سماع رنين الجوال، وهذا هو النوع الثاني، الانتباه اللاإرادي.


هناك طريقتان يمكن للموسيقى في الخلفية أن تشتت الانتباه بدل المساعدة في التركيز: التداخل في العملية، ولفت الانتباه.


نوع التشتت الأول: التداخل في العملية (Interference-by-process)

وهو عندما تتنافس الموسيقى على الموارد العقلية للمهمة التي تحاول التركيز عليها. يكون مرتبطاً بالانتباه الإرادي، ويتعلق أكثر بطبيعة المهمة التي تعمل عليها.


أفضل مثال على النوع الأول، هو عند القراءة أثناء الاستماع إلى أغنية: يقوم الدماغ تلقائياً بمعالجة كلمات الأغنية، مما يترك موارد أقل للعقل لفهم أو استيعاب الكلمات المقروءة. كقاعدة عامة،  يجب تجنب الاستماع إلى الأغاني أثناء القيام بمهام تتطلب معالجة لفظية/لغوية، مثل: القراءة، الكتابة، والاستماع.


نوع التشتت الثاني: لفت الانتباه (Attentional capture)

ويحدث ذلك عندما يتسبب الصوت في إلهاء الانتباه ويأخذه بعيداً عن المهمة تعمل عليها. يكون هذا النوع من التشتت مدفوعاً بالانتباه اللاإرادي، حيث أنه يبحث دائماً عن الجِدّة في البيئة، أموراً يراها مفاجئة أو مهمة. وهذا يحدث أما نتيجة لمحتوى الصوت (عندما تسمع مقطعاً رناناً يرسخ من الأغنية أو الموسيقى)، أوعلى سياق الصوت (انتقال الموسيقى من إيقاع سريع إلى إيقاع بطيء، بشكل مفاجئ).


تم تصميم معظم الموسيقى لتكون مسلية، وتتميز بعناصر تهدف إلى جذب انتباهنا؛ مثل: تغييرات جذرية في الإيقاع واللحن وما إلى ذلك. صحيح أن هذا ما يجعلها مميزة وممتعة، لكنها ليست مثالية عندما يتحول الغرض منها إلى استخدامها في التركيز. هذا يعني أنه يجب تجنب جميع أنواع الموسيقى أو الأغاني المحتوية على تغيرات جذرية على مستوى اللحن أو الإيقاع. لذلك يفضل الالتزام بنوع واحد من الموسيقى، وقائمة تشغيل تحتوي على محتوى متشابه في اللحن والإيقاع.


وفي نفس الوقت، لا تريد الاستماع لشيء ممل أو رتيب على نبرة وحدة، لدرجة أنك لا تستمتع به! لأنه لو اخترت هذا النوع سيبدأ عقلك تلقائياً في البحث عن أشياء جديدة ممتعة، وسيكون هذا المشتت.

 

في النهاية، إن الغرض من تشغيل الموسيقى في الخلفية هو خلق توازن دقيق؛ موسيقى ممتعة دون أن تكون مزعجة. وبدون أن تلفت الإنتباه بشكل صريح، أو مملة بطريقة نحاول البحث فيها عن شيء ملفت أو مميز.



عند دين برنيت تشبيه ظريف:

الأمر أشبه باعطاء طفل صغير لعبة لتلهيه عنك، بينما تحاول إنجاز بعض المهام، دون أن يقاطعك.

باختصار، هناك مفاضلة بين الجودة الجمالية للموسيقى وقابليتها للتشتيت. فكر في قدر لفت الانتباه المقبول أثناء القيام بالمهام:

  • عمل خفيف/متكرر (مثل ادخال بيانات): العناصر المشتتة لا تشكل مشكلة بقدر المحافظة على الحالة المزاجية والإثارة المطلوبين. لذا، تعتبر الموسيقى الموجهة للمتعة أساساً خياراً ملائماً.

  • المهام الإبداعية (العصف الذهني): قد يكون كسر التركيز بين حين وآخر مفيداً للعملية الإبداعية.

  • الدراسة/التعلم (القراءة): لا يحبذ فيها التشتت أبداً حيث يفضّل التركيز هنا.

  • العمل العميق (حل مشاكل منطقية): يتطلّب هذا النوع من المهام مستوى عالٍ من التركيز، لذلك حاول اختيار موسيقى معروفة أو مألوفة جداً لديك، ومن المرجح أنها لن تشتت انتباهك. 


عوامل موسيقية توضع في الاعتبار


    بعد أن قمنا بتغطية الطرق التي قد تؤثر فيها الموسيقى على الانتاجية سلباً، دعنا نكتشف العوامل التي يجب وضعها في الحسبان عند اختيار موسيقى للعمل. العوامل مرتبة حسب أهميتها.

    سنفكر في كيفية تأثير كل عامل على مقبض الحالة المزاجية ودرجة الإثارة.


الإيقاع (Tempo)

    كما ذكرنا سابقاً، قد يحفز الإيقاع أو سرعته ردود أفعال تؤثر على جذع الدماغ - الموسيقى ذات الإيقاع البطيء مرتبطة بإبطاء دقات القلب والتنفس، وتخفيض ضغط الدم (والعكس صحيح).

    سرعة الإيقاع مرتبطة بشكل وثيق بدرجة الإثارة، ويمكنها أن تساهم في تعديل مستوى اليقظة أو الحيوية.

  • إذا كنت تشعر بالنعاس، وتريد أن تشعر بالحيوية أكثر، فكر في موسيقى ذات إيقاع سريع؛ 100-160 دَقّة في الدقيقة.

  • وعلى العكس، إيقاع بين 50-80 دَقّة في الدقيقة هو الأنسب عندما تشعر بالقلق أو التوتر - أو تسارع في الأفكار/دقات القلب.

كلا الطريقتين مفيدة في التركيز في سياقات مختلفة؛ وتعتمد على نوع التركيز الذي تبحث عنه - تهدئة أو تنشيط.

شخصيّاً، وللتحكم بدرجة الإثارة/الحيوية، أختار الموسيقى بالايقاعات السريعة للمهام التي تتطلب التركيز فقط؛ بينما الإيقاعات البطيئة للمهام عمق في التركيز.



الاعتياد (Familiarity)

الاعتياد على الموسيقى، عامل آخر مهم للتأثير العاطفي. 

    أظهرت دراسة بارزة أن الموسيقى المألوفة تُحدث نشاطاً أكثر في مناطق الدماغ المرتبطة بالعاطفة. لذلك، من السهل تصور كيف أن الموسيقى المألوفة يمكنها بشكل غير مباشر إثارة انتباهك أو تحسين مزاجك.

Join