الصفيح الساخن

ألم المشاعر

تقف على صفيح ساخن، 

قدميك الباردتان تشعران بالحرارة، 

تتحرك، تسير، تركض 

يصعب الوقوف على هذا الصفيح،

الألم يجبرك على الحركة، تبدأ بالقفز، تقفز، تقفز، 

لكي تطول مدة احساسك بالهواء في اللحظة

بين الارتفاع والهبوط على هذا الصفيح

تحاول جاهدًا أن تتخيل إحساس البرودة الذي فقدته،

تستحث 

الذاكرة الحسية للبرودة وأنت تشعر باللهيب في قدميك، 

لعل وعسى أن تقف الذاكرة في صفك لمواجهة هذا العذاب،

تحاول أن تعطي إشارة لدماغك بواسطته هو،

بقوة الذاكرة بأن البرودة ممكنة! تفقد قواك كلها تدريجيا، 

لا الوقوف،

ولا الحركة ولا القفز، 

ولا الذاكرة تجدي نفعًا 

في تقليل الألم وفي بعث الأمل.

كل شيء يضاعف الألم، ألم واحتراق. 

تتمنى في هذا الألم أن تفقد الوعي،

لتستعيد بذلك قدرة ونعيم 

الخيال، للخيال إمكانية تسكين الألم، لحظة اليأس

وفي أقسى الظروف، الخيال الذي ينسج لك ما تحتاجه،

ما تتوق إليه كأن تجد نفسك الآن على أرض ذات درجة حرارة 

غير ملحوظة! لأنها متجانسة

مع درجة حرارة جسمك،

حتى تكاد أن تنسى وجودها تقف، تجلس، تركض، تنام!

لا شيء فيها يدفعك للصراخ، للأنين، 

للرغبة بالطيران! 

للرغبة في فقدان الوعي،

للرغبة بالموت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



كانت تصارع شعورها بالوحدة وقلقها من هذا الشعور، تجتاحها 

رغبة عارمة في الهرب من هذا الشعور، تعرف يقيًنا أن لا شيء 

يمكنه في هذه اللحظة أن يُسكن من ألمها الناتج عن الشعور بالوحدة، والقلق بشأن مصيرها مع هذا الشعور، تعرف يقينًا أنه لا مفر، 

كان هذا الصفيح الساخن الخاص بها، 

لا عشب ولا رمال، ولا أرض ذات حرارة معتدلة لتحتضنها،

بل صفيح ساخن ملتهب.

عليها أن تقف دون حراك،

تتمنى من شدة الألم 

لو كانت الأرض هذه رمال متحركة

تبتلعها وتختنق فتختفي.



أتضح له أن ما كان يسعى له منذ سنوات، يتعذر تحقيقه، 

أنتهى، لا يمكنه السعي ولا يمكن للسعي أن 

يقوده لذلك المبتغى، 

كان عليه أن يواجه هذه الخسارة التي 

يشعر بها تدب في جسمه، تصبغ كل ما هو حوله 

بلون واحد هو يكرهه، 

لا يمكنه أن يشيح النظر 

عن ما حوله وعما يشعر به الآن، 

ولا يمكن تفادي هذا الحصار، 

يقف على هذا الصفيح الساخن الملتهب، 

يتمنى لو كان بمقدوره الطيران. 




يواجهون خبر فقدان من كان يشكل فقدانه 

كابوس! 

لقد ذهب، اختفى، بات في العدم، مات. 

لا شيء يمكن فعله سوى الوقوف على هذا الصفيح، 

النظر إليه وهو ينزل في تلك الحفرة، 

ليُغطى بالتراب، ولا شيء آخر سوى أن 

يعاودوا ادراجهم إلى المنزل، 

وفي نهاية ليلتهم هذه يخلدون إلى النوم. 

ينامون على هذا الصفيح الملتهب بالفقد، 

هول الفقد،

فاجعة الفقد، 

لا شيء آخر. 

لا مفر. 



الصفيح الملتهب، ذلك الوقت الذي يصل فيه 

الشعور المؤلم 

(الوحدة، الفقد، القلق، الخوف،

الحزن، العار، الغضب، أو كلها) 

إلى الذروة إلى أقصى ما يمكن، 

فيصبح حينها ما يشغل الإنسان ذلك الألم

الذي يجتاحه كله، 

يتجاوز حينها ذلك الشعور من كونه شعور إلى

شيء يشبه الحصار، كالوقوف على صفيح ملتهب 

ولا شيء آخر. 

يصل البعض لهذه الذروة في الانفعال

بشكل مضاعف،

وربما يتعذر على البعض تنظيم ذلك الانفعال، 

أي خفضه إلى الحد الذي 

يستطيع فيه أن يتحمله دون أن يشعر بأنه

على الهواية، 

والبعض لا يواجه مشكلة في تنظيم انفعاله، 

لكن قد يواجه 

من أقدار الحياة الصعبة ما يجعله يجد نفسه 

كما لو كان يقف فجأة على صفيح ملتهب،

في هذه اللحظة لا يهم مقدار الزمن المستغرق

في الوقوف! 

 

في لحظه الألم يبدو الألم لدقائق 

كحالة محكومة بـ"العود الأبدي" بالتكرار للأبد، 

جحيم الألم المضاعف لا يُدرك بأنه مؤقت، 

قد يساعد تذكر حقيقة أن

هذا الألم مقرون بمدة زمنية في خفض 

وتنظيم انفعال أقل شدة، 

لكن انفعال يبدو كالوقوف على صفيح ساخن ملتهب، 

ربما لا تغير هذه الحقيقة فيه شيء. 

"سيمضى وكأنك لم تشعر بذلك يومًا" 

في معظم الأحيان نعم، تكون هذه حقيقة 

معاشة واختبرها العديد من البشر،

يخفت الألم مع الزمن، ولكن لحظة الوقوف

على الصفيح الملتهب، 

هي لحظة وقوف على صفيح ملتهب. 

ربما على المستوى الجسدي، 

لا يكفي التقبل لخفض الألم عند

وجود حالة طبية بحاجة إلى الدواء. 

أما على المستوى النفسي، 

على الرغم من تعذر تخيل إمكانية 

تقبل ألم يوازي الوقوف على صفيح ملتهب،

إلا أن الألم النفسي يمكن أن يدار بدرجة ما.

ومحاولة تعلم وتطبيق مفهوم “التقبل”

ينطوي على شيء من الحكمة.

هذه الانفعالات الغير سارة (الصفيح الملتهب)

هي أشبه بالموجة،

لها ارتفاع وقاع، 

لا يمكن أن يستمر الانفعال في الارتفاع

لفترة طويلة جدا، على الأقل لمعظم الناس، 

ولحسن الحظ، أن الانفعالات الساخنة تلك

التي تشبه ذلك الصفيح الساخن،

يمكن أن تدفعنا للتعلم، يمكن فهمها، تمحيصها، 

وتشكيل قوة مضاده لها، 

تبدأ أولًا بزيادة تحملنا لها، 

بأن لا نهرب منها أولًا، كي نتمكن من تقليل 

حتمية العذاب التي تتسبب به لنا، 

يبدأ الأمر أولًا بقبول وجود هذا الصفيح، 

والإشارة إليه، 

التحدث عنه مع من نثق به، 

أو مع من يدرس المشاعر ويعمل معها،

لنتمكن من التعايش 

مع صفيح أقل سخونة لا يشكل كل هذا العذاب.

Join