تُصفف مشاعرها كما تُصفف شعرها
تصفف مشاعرها كما تصفف شعرها،تحب البدء بالجزء الأصعب، بالأطراف حيث لا ينساب المشط عادةً هناك يعلق في العُقد وتشابكات الشعر مهما بدا الشعر حريري ومنساب، تحب البدء بالمشاعر المتشابكة، المعقدة كالغيرة، خيبة الامل، الاحساس بالذنب، الغضب الممزوج بالحنين، السأم... المختلطة بما يناقضها والغير واضحة، تبدأ تصفيفها بإدراكها للتعقيد والتشابك، تُسمي مشاعرها، تُساءل ذاتها، عن المعاني والأفكار والذكريات، وكما يعلق المشط عند عُقدة الشعر، يعلق السؤال عند الحد المُدرك من الذكريات، حيث حدود الذاكرة الروائية، وكما تترك منضدتها والمرآة مللاً وخوفًا من الألم وفقدان شيء من الشعر عند حل تلك العقدة، تترك الخوض في المشاعر للحظات تراقبها فقط، تتوقف قليلا لتختار عدتها اللازمة لتصفيف تلك المشاعر.
تبدأ من جديد مرة اخرى، بصبر أطول، تقبل وجود تلك المشاعر المتشابكة، تعيد النظر والتأمل، تستخدم اللغة، توظف الكلمات في حوار مفتوح مع الذات، وفق لقواعد التعاطف والتراحم مع الذات، فكما لا تحب نزع شعرها، تحاول أن تسرح مشاعرها بلطف، لقد آمنت في وقت مبكر من حياتها اننا نتعامل مع مشاعرنا بنفس الطريقة التي نعامل فيها مشاعر الآخرين، من يتقن التعامل مع مشاعره يتقن التعامل مع مشاعر الآخرين فلا تنظر لتعاطفها مع ذاتها وحرصها على مشاعرها كترف! بل كواجب لكي تتمكن من الإحسان لنفسها وللآخرين، ومن الحكمة! لا فرق هنا.
كانت تتمنى في صغرها أن تصبح مصففة شعر! لم تفكر كثيرا في هرمية المهن، كانت تبصر جمال مصففات الشعر عند مرافقتها لوالدتها في تلك الصالونات، كان الجمال يكمن في بهجتهن وشغفهن وفي الاتجاه نحو إسعاد الآخر، بالسعي إلى إبراز أجمل ما في العملاء أو متلقي الخدمة، كانت تُقدر هذه الصفات لدى بعض مصففات الشعر الذكيات، حيث البشاشة، وتعزيز الاحساس بالرضا عن الذات لدى الآخر "لا بأس يا عزيزتي أن لا تستوفين معايير الجمال البالية تلك التي يحددها المجتمع ويقسو بها على الكثيرين، انتي جميلة لذاتك وهذا الأهم والأسمى والأبقى" بتلك الكلمات كانت مصففات الشعر يصرفن النظر عن العيوب الحقيقية والمتخيلة لدى الآخرين ويشجعن على تقبلها ونشر مفهوم أعمق عن الجمال، والثورة للنفس بالتسامح مع الذات والجسد كما يكون.
هذا الدور اللاتي يقمن به، يشبه دور آخر، كدور بعض المعالجين النفسيين، الذين لا ينكرون الشوائب ولكنهم ينصفون مكامن الجمال التي غفل عنها أصحابها وغرقوا عند بعض الشوائب في الذات وفي الآخرين والعالم، يعززون في العملاء شيء من التحرر من معايير لم يختارها أحد منهم على نحو شخصي، مع قبول الذات والواقع بتوازن وعقلانية يعيد الامور إلى نصابها، وأسترجاع حق الانسان في النظر إلى ذاته والعالم دون نفور مُخل، حيث يُعاد ترميم المرآة المكسورة، فيتحقق في تلك العملية شيء من القبول والتعاطف مع الذات.
وكما كانت تحب ان تختم تصفيف شعرها بالبخور الشرقي، كانت تستخدم لمشاعرها بعض من الفلسفات الشرقية والأفكار المنبثقة منها، كانت تروض مشاعرها بعد مدة بالرواقية تستحث جذور الرضا والحكمة، اما عند المشاعر المحتدمة كالفقد والحزن والسأم تحب أن تضرم النار للحظات! قليلاً قبل ترويضها.
فكما كانت تحب أن تخلق تموجات خفيفة في شعرها بأداة لكي تعمل يجب ان تكون ساخنة، كانت تضرم النار بقراءة ما خطّه العدميين، لا تخشى قراءة سيوران وشوبنهاور، تحب التوغل أحيانا في شيء أشد مما تشعر به فتفهم ذاتها بفهم شيء هناك لدى الآخر.
وعندما تخشى مشاعر الخوف وانعدام اليقين، تُعيد الجسارة بنيتشة، تمرس نفسها على حب المصير.
تنتهي من حل عُقد أطراف الشعر، لتمرر المشط بعدها من الجذور حتى ينساب إلى الاطراف، كانت تصفف مشاعرها بحل المتشابك منها بواسطة النزعة نحو فهم الذات وحب الحكمة، حتى ينساب كل شيء من الجذور إلى الاطراف.
في درجها المشط والعطر والبخور، وفي وجدانها أكثر من ذلك بكثير، لأن للمشاعر عدة كثيرة، بعض عدتها قيم واتجاهات والبعض الآخر تجارب للذات وتجارب للآخر وتجارب للذات مع الآخر…