من أنا؟

سؤال الهوية أو سؤال الذات؟



تتضمن كل وثيقة تعريفية "كالهوية" المعلومات الأساسية التي تؤكد هوية الشخص، فهي تحتوي على اسمه، جنسه، جنسيته، دينه، فصيلة دمه وصورته الشخصية.

عندما يكون السؤال عن الهوية، تكون الاجابة عادةً بذكر تلك العناصر، منها ما هو ظاهر للعيان، كاللون، الشكل والجنس، ومنها ما يُدرك بالحديث مع الشخص، اسمه، لغته، دينه وطائفته.

كل تلك العناصر هي جزء موروث من الهوية وليست هي الهوية، إنها تشكل الحد الأدنى والأبسط من هوية الشخص وذاته.

وهي الأساس البسيط الذي يُختزل به الشخص ويُعرّف به لكن لا يُعرف!


تعددت تعريفات الهوية لدى الباحثين في العلوم المختلفة، عادة تُعرّف الهوية كمفهوم يشير إلى جملة من السمات والانتماءات الخاصة بالشخص، التي تجعل منه شخص متمايز عن غيره وجزء من "جماعة ما" مختلفة أو جزء من كيان ما. ولا معنى للهوية إلا بوجود الآخر المختلف المنتمي لكيان آخر. 

وتختلف تراتبية وأولوية هذه السمات والانتماءات في الهوية حسب السياق لأنها تتأثر به.

يرتبط مفهوم الهوية بالانتماءات العامة التي يشترك فيها أكثر من فردين عادة، وهو مفهوم علائقي، ينشأ في سياق علائقي يجعل من الفرد متمايز عن فئة ومتشابه مع فئة.


أما مفهوم الذات، قد يتشابه مع مفهوم الهوية في بعض السياقات، ولكنه يختلف عنها.

الذات، الشأن الأكثر خصوصية من الهوية، وإن كانت الذات أيضا لا تنشأ بمعزل عن الآخر، فعندما نتحدث عن ذات الفرد، نتحدث عن جملة من السمات والقيم والميول، التي تجعله هو، هو، تجعله متمايز عن غيره.

والذات قد تشكل أحيانا "اللغز" الشخصي للفرد نفسه، يعيش جزء من حياته وهو يحاول الإجابة عن هذا اللغز فتكون الذات أكثر غموضًا من الهوية.



كيف نجيب عن سؤال "من أنا؟" وهل الإجابة تتمثل في تحديدنا للهوية أو للذات؟ 


تبدو لي الهوية كالكائن الحي، فهي تنمو كما ينمو، تتغير، تنضج وتتشكل بمرور الوقت والتجارب. فتكون الهوية القائمة على العرق واللغة والدين، هي الهوية التي لا تزال في مهدها، وهي بدورها الإجابة الأولية المُقدمة للإنسان في سنواته الأولى عندما يكون سؤاله من أنا؟ فتكون الإجابة بذكر مكونات هويته تلك كافيةً لفترة من الزمن، تُقدم له إحساسًا بالذات، وما أن يبدأ الشخص في التفكير المجرد والأكثر تعقيدًا، حتى يبدأ بتناول مفاهيم مثل "الهوية" و"الذات" على نحو أعمق، ولا تكون تلك الأجوبة كافية.


إن هويتي هي التي تعني أنني لا أشبه أي شخص آخر

أمين معلوف

هكذا يرى الهوية أمين معلوف، الهوية المركبة، المنفتحة والحاضنة للتعدد، والتي تتمتع بخصوصية كخصوصية الذات. 

الهوية هي ما نُورث لا ما نَرِث ما نخترع، لا ما نتذكر…

إن الهوية بنتُ الولادة لكنها في النهاية إبداعُ صاحبها، لا وراثة ماضٍ...

محمود درويش

وكانت الهوية كذلك في قصائد درويش، انها مشروع، ليست معطى ثابت.


أصبحت أرى أن السؤال عن الهوية هو سؤال مفخخ يرمي الى استدراجي، إذ هو يريد لي أن أكون رهنًا لهويتي، سجينًا لمعتقدات وتقاليد وثوابت سلوكية أو فكرية، لست أنا من أختارها. إنه يُكرس التقسيمات المعهودة بين البشر إلى أقوام وأعراق أو إلى طوائف وملل، هذه التقسيمات لم أعد أُسلّم بها

علي حرب

في ظني أن الاجابة على سؤال من أنا؟ تقتضي أن نحدد ما هو الشيء الأكثر ارتباطًا بنا، وما هو الجانب الأكثر أصالة فينا، ما يميزني أنا كفرد عن أي موجود آخر.


لكي نحدد ذلك ربما الأمر يتطلب أن ننحي جانبا كل هوية تُعطى لنا في قالب مصمت، الهويات الموروثة والمغلقة، والأحادية، التي لم تنم بعد، أو الغير قابلة للنمو! والتي لا تعبر عن ذواتنا المتفردة، بل تطمسها في طوفان "نحن"

فيحدث أن تُجهض الذات في سياق الهوية، ويتوهم الفرد بأن ما يشكل هويته، يشكل ذاته، فتقدم له تلك الهوية إحساس زائف بالذات.


في المقابل، تكون الذات أكثر تعقيد، هي شيء يشبه "ماهية" الفرد، التي لا تُعطى، انها مشروع وجودي، يكتمل بالموت، وهي كفاح الفرد المستمر في حياته نحو تحقيق الامكانات، المدفوع بقلق العدم.


إن سؤال من أنا؟ هو سؤال الذات قبل الهوية.


Join