الإسلامُ في اليابان.
إن أول تواصلٍ رصده المؤرخون في العلاقات الإسلامية-اليابانية هي سفينةٌ أرسلها أحد سلاطين الدولة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر وتحديدًا عام 1890 وكان على متن السفينة أخٌ للسلطان عبدالحميد الثاني، وكانت أهداف الرحلة سياسية، حيث لم تكن هنالكَ دولتان مستقلّتان بآسيا وتواجهان حروبًا وقلاقل ومواجهاتٍ سياسية؛ سوى اليابان والدولة العثمانية، وهذا ما حدا بالدولتين للتقارب. تحطّمت السفينة في طريق عودتها قرب أوساكا، وقيل في الجزر الجنوبية، وعلى أيّ حال بادر اليابانيون بإرسال سفن إنقاذ للناجيين وبعثوا بهم إلى الإستانة (إسطنبول، حاليًا)، وقرر بعد هذه الرحلة بعام شابٌ ياباني اسمه “أوشتارو نودا” جمعَ تبرعات من اليابانيين لعوائل الشهداء الذين قضوا في حادثة تحطم السفينة، وبالفعل، جمعها وذَهَب وسلّمها للسلطات العثمانية، وبينما هوَ في إسطنبول قابلَ رجلًا إنجليزيًا مسلمًا اسمُه “عبدالله غليام” وبعد أن حادَثهُ اقتنعَ بدين الإسلام، فدان به وأسلم، وغيّر اسمه لـ”عبدالحليم”، وبهذا يكون “عبدالحليم نودا” أولَ مُسلمٍ ياباني. وذهب لليابان بعد هذه الرحلة بـ11عامًا مبعوثٌ للسلطان العثماني يدعي بـ”محمد علي” وذكرت الوثائق أنه كان يخطط لبناء أول مسجد في يوكوهاما لكن هذا لم يحدث.
بعد الحرب اليابانية-الروسية 1904 ذاعَ صيتُ اليابان واهتمامها بالإسلام والعالم الإسلامي، وذكر الكاتب المصريّ الشهير “عباس محمود العقّاد” أن عددًا من الضباط المصريين بُهِروا بانتصارات اليابانيين على الروس وهبّوا لنشر الإسلام هناك، فتطوعوا في الجيش الياباني، وعاشوا هناك وتزوجوا يابانيات وأنجبوا منهن، ومنهم من عاد ومنهم من بقي. وفي خضمّ هذه الهبّةِ الإسلامية لليابان، زارَ الداعية الهندي “سر فراز حسين” اليابان أواخر 1905 وأوائل 1906 وألقى محاضراتٍ وندوات عن الإسلام في ناغازاكي وطوكيو. ويظنّ الكثير أن أولَ مسجدٍ أقيم في اليابان هو مسجد “كوبي” والذي بناه مجموعة تجارٍ تتار وهنود وأتراك في مدينة “كوبي” اليابانية عام 1935، إلّا أننا -في أنمي ثيرابي- وجدنا كتابات تاريخية تدلّ على أن أول مسجد بُنيَ في اليابان كان عام 1905 في أوساكا، وكان مسجدًا للأسرى المسلمين الروس بعد الحرب اليابانية-الروسية سالفة الذِكر. وأتى عام 1909 الداعية التتاري الشهير “عبدالرشيد إبراهيم أفندي” لليابان وقابل الكثير من اليابانيين، من وزراءَ وضبّاط وتجار وفلاحين وغيرهم وأسلم على يده من نخبة الشعب الياباني ضباطًا ومفكرين وصحفيين وشباب، وكان أمين مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية د. سعود السرحان قد قدّم ورقة عمل تتعلق برحلة عبدالرشيد إبراهيم. وأدّى أولُ يابانيٍ الحج عام 1909 واسمه “عمر ياماءوكا”. وقد نشرت مجلة “العالم الإسلامي” والتي كانت تصدر بالفرنسية عام 1911 خبرًا عن إسلامِ يابانييْن بالصين وتعهدهما بنشر الإسلام عند عودتهما لليابان، وبغير ذلك نُشِرت أخبار كثيرة حينئذ عن إسلامِ يابانيين كثر في الصين. وأُصدِرت عام 1918 أول مجلة شهرية مصورة يابانية عن الإسلام، تحت اسم “الأخوّة الإسلامية في الله.”
وعام 1938 افتُتِح أولُ مسجدٍ في العاصمة، طوكيو، وحضَرَ افتتاحه سفير المملكة العربية السعودية في إنجلترا “حافظ وهبة” بإيعازٍ من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيّب الله ثراه- نيابةً عن جلالته. وفي الثلاثينات حجَّ كثيرٌ من اليابانيين، لعلْ أبرزهم الراحل “صالح سوزوكي” والذي حضيَ بمقابلة الملك المؤسس، والذي كان يعطي اهتمامًا خاصًا للحجّاج اليابانيين، وفقًا لـ”محمد العمودي” من رابطة العالم الإسلامي. وأولُ ترجمةٍ لمعاني القرآن الكريم لليابانية كانت على يد “عمر ميتا” و”مصطفى كومورا” بعد عام 1965 بقليل، بدعمٍ وتوجيهٍ من رابطة العالم الإسلامي، وهي منظمةٌ إسلاميةٌ شعبية تعمّ أنشطتها العالم كلّه، ويقع مقرها في مكّة المكرّمة بالمملكة العربية السعودية. وتم افتتاح أول مركز إسلامي في طوكيو عام 1965 بدعمٍ ماليٍ شخصي من السفير الكويتي لليابان “سليمان بن محمد الصانع” -رحمه الله-. وتم بجهود شخصية من بعض اليابانيين إنشاء المجلس الإسلامي المشترك والذي كان يقوم بتبرعات كويتية دائمة من بعض الشخصيات الدينية والاجتماعية الكويتية البارزة كـ”عبدالله العقيل، وعبدالرحمن الدوسري” وغيرهم. وفي عام 1970 زار الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -يرحمه الله- اليابان ومن ضمن سلسلة لقاءاته بالمجتمع الياباني ونخبه التقى بوفدٍ ياباني إسلامي ومعهم وفد من مسلمي كوريا، وطلب منه الوفد أن يبعث لهم من يساعدهم بالدعوة الإسلامية، وحدّدوا بالاسم الأستاذ بجامعة الملك سعود “صالح السامرائي” والذي بعثه الملك مع 5 معه لليابان، وصرف مبلغًا دائمًا للسفارة السعودية بطوكيو تطبع منه نسخة معاني القرآن باليابانية كلما نفذت، وتمت مراجعة نسخة المعاني بالرياض وإعادة طباعتها. وأسس الستة الذين بعثهم الملك فيصل أول مركز إسلامي متكامل في اليابان آنذاك بدعمٍ لا متناهٍ من وزير المعارف السعودي آنذاك وساعد الملك فيصل الأيمن الشيخ “حسن آل الشيخ”، ومما قام به المركز أن أصدر مجلة السلام، وأعدادًا كبيرة من الكتيبات والكتب والمنشورات، وغطّى بالدعوة اليابان من جنوبها لشمالها، ودخل الإسلام لأول مرة جزيرة “هوكايدو” شمالًا. وبعدها بسنين فكّر بعض القائمين على المشاريع الإسلامية هناك بأن تكلفة شراء القبر للمسلمين تكلفة باهظة الثمن للغاية تفوق العشرة آلاف دولار، فلمَ لا يشتري المسلمون أرضًا يدفنون بها مواتهم مجانًا؟ وبدأوا بالفعل بجمع مبلغ الأرض، واكتمل المبلغ بهِبة سعودية قدرها 700 ألف دولار، ووافقت الحكومة اليابانية على تحويلها لمقبرة رسمية للمسلمين، وشُكّلت لجنة المقبرة الرئيسة برئاسة مسلمين، باكستانيين ويابانيين وسعوديين.
بعد مرحلة التمركز والتأسيس للمجتمع الإسلامي في اليابان، والندوات الضخمة التي حضرها قادة المجتمع الياباني والتي أذكت روح الدراسة للشريعة الإسلامية المكثّفة وحضرها أعلامٌ وقامات؛ كأقارب للإمبراطور وقضاة في المحكمة العليا وغيرها.. فبعد هذه المرحلة، وتحديدًا في الثمانينيات والتسعينيات، اقتصر الدعم الآتي من العالم العربي، فقط على دعم رابطة العالم الإسلامي، وحكومة المملكة العربية السعودية ودول الخليج وليبيا وجمهورية مصر العربية، والدعاة والجمعيات الخيرية والتبرعات الشعبية، وتبرعات التجّار والأمراء. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، تبرّع أمراء لرحلات حجّ سنوية منتظمة لا تنقطع للمسلمين في اليابان ومِنهم الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وتبرع تجّار من غرفة جدة التجارية لطباعة كتيبات ومصاحف ودعم المراكز الإسلامية، وتبرّعت مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الإنسانية والبنك الإسلامي للتنمية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، ببناء أول مدرسة إسلامية في اليابان، وتنازلت وزارة الخارجية السعودية عن أرض السفارة ووهبتها لبناء المركز العربي الإسلامي بطوكيو التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود، وبذل خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد -رحمه الله- عشرة ملايين دولار بُنيَ بها المركز، وتحصُر المملكة صرف التبرعات على سفارتها في طوكيو، ومكتب رابطة العالم الإسلامي في طوكيو، حيثُ تُبنى أو تُنشأ المساجد أو الجوامع أو المدارس أو المراكز الثقافية وفق الأصول التي تضمن عدم تسرّب الأموال لغير مظانّها الخيرية البحتة، وبعد أن يُفرَغ من البناء أو الدعم، تُسلّم المنشأة الإسلامية لأهل البلدة أو المدينة أو الدولة نفسهم، فيؤمهم إمامٌ منهم ويدرّسهم معلمٌ منهم، ويقتصر الدور السعودي بعدها على الدعم والإشراف والتأكد من سلامة ووسطية واعتدال المناهج والمعلمين وبلوغ الدعم لمصارفه. وفي دولة الكويت على سبيل المثال أيضًا، كان السفير “سليمان الصانع” أول من تبرّع لعملٍ إسلامي خيري في اليابان، وكانت الجمعيات الخيرية الكويتية والأوقاف تبعث بشكلٍ دوري مساعداتٍ غير منقطعة للمدن اليابانية المختلفة ومراكزها الإسلامية والعربية هناك، وكان للراحل وزير الخارجية آنذاك (وأمير البلاد بعد ذلك) الشيخ صباح الأحمد الصباح -رحمه الله- دورٌ كبيرٌ بهذا الجانب، وكان الأزهر في مصر، آنذاك يبعثُ بالدعاة والأساتذة بشكلٍ دائم ويصوغ المناهج، والكتيبات، والكتب، والمنشورات ويبعث بها لليابان، وقدّم أيضا رئيس المحاكم الإماراتية الشيخ “عبدالعزيز المبارك” إسهاماتٍ مالية نتج عنها دعم عدة مساجد في ضائقتهم المادية، وكان كذلك لدعاة إمارة الشارقة وعلى رأسهم “عبدالله المحمود” دورٌ كبيرٌ للغاية في هذا الجانب وبتنسيق المساعدات وغيرها، وكذلك وَرَدت اليابان مساعداتٌ من قاضي قضاة قطر الشيخ “عبدالله الأنصاري”، ومساعداتٌ من البحرين وعمان وليبيا وغيرهم من أقطار العالم الإسلامي.
في أول عقدين من الألفية وعلى عكس المتوقع، لم تتسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر بحوادث عنصرية فعلية، أو تحرّك حكومي، أو أي ردة فعل واسعة النطاق ضد المسلمين في اليابان، ولكن تعرضت بعض المساجد والمراكز والمدارس لاعتداءات عنصرية هاتفية، أو غير مباشر، وقوبلت أنشطتها بتخوّف مجتمعي، إلّا أن القائمين عليها حرصوا على تكثيف أنشطتهم ودعواتهم الموجّهة للمجتمع المحلّي، لتوضيح حقيقة وسطية واعتدال وسلام الدين الإسلامي والشريعة، وبراؤهما من الاتهامات الباطلة. يعتمدُ اليابانيون غالبًا على وجهة النظر الغربية بشأن الإسلام أو العرب أو الشرق الأوسط، وفي الأسبوع الذي وَقَعت فيه الهجمات الإرهابية الشنعاء ارتفعت مبيعات الكتب المتعلقة بالإسلام والشرق الأوسط والقرآن والعقيدة الإسلامية، لأعلى مستوياتها على الإطلاق تاريخيًا، حسبما كَشَفت إحدى وكالات بيع الكتب المتمركزة بطوكيو. ويقول رئيس جمعية المسلمين في اليابان خالد هايكوجي: “عندما صرتُ مسلمًا وأنا في سن الرابعة والعشرين كان الناس عموما ينظرون إلى الاسلام باعتباره «ديانةً بربريةً وخرافية»، أما في وقتنا الحاضر فإن اليابانيين بشكل عام أكثر تعاطفا تجاه المسلمين عما كانوا عليه في العام الماضي، وتبدو عليهم الحيرة من التناقض بين ما سمعوه عن تعاليم الإسلام، وبين التاريخ الحديث للشرق الأوسط الذي شوهته الصراعات والحروب المتواصلة.”
تُقدّر التوقعات والدراسات الجانبية بأن عدد المسلمين في اليابان عام 2013 قد بَلَغ بين 140 – 150 ألف نسمة، منهم 7 – 8% فقط يابانيون، والبقية غير يابانيون، من الـ 7 – 8% اليابانيون، هنالك فقط 2% نساء، وقد دخلن معظمهن الإسلام بعد زواجهنّ بمسلمين. يشكّل إجمالي المسلمون من عدد السكان في اليابان 0.1% فقط. تتعاملُ الشرطة اليابانية بقدرٍ كبيرٍ من الاحترام للمسلمين، فلا تدخل المساجد بالبساطير، وتكفل الحكومة اليابانية حرية العبادة للمسلمين، بل وقد تساعدهم في ذلك، فعلى سبيل المثال بَنَت الحكومة اليابانية أول مسجد بطوكيو على نفقتها وبيد عمّالها. وتهتم اليابان بتعميق العلاقات مع دول العالم الإسلامي للوصول لمستويات مناسبة من التفاهمات حول معظم القضايا ذات العلاقة بالجاليات المسلمة باليابان.