التنظيف وإنهياراتي النفسية.

زمان كنت إذا عصبت أو حسيت بمشاعر غضب بدون مبرر وبدون سبب كنت أحبس نفسي في الغرفة وأبكي لحد ما تعدي هذه النوبات .. قبل سنتين بالضبط حاولت أوجه هذه المشاعر لشيء ما .. والمقربين مني ربما يتذكرون تلك الفترة القصيرة لانخراطي في مجال الرسم وحماسي لشراء الألوان والفرش والكراسات وتجربتي للرسم كمتنفس لعدة أسابيع رغم أن النتيجة لم تكن بالشكل المطلوب خصوصًا بأن هذه المشاعر تباغتني فجأة وبدون سابق إنذار ومن الصعب حمل عدة الرسم في كل مكان تحسبًا لإنهياراتي المفاجئة!!

وكنت أعتقد بإن هذه المشاعر بسبب تراكم ضغوطات من عدة زوايا لحياتي حتى باغتتني النوبة أثناء سفري مع العائلة وفي منتصف اللحظات الجميلة! و وسط استغراب من أفراد عائلتي عن دواعي هذا الإنهيار المفاجئ وعودتي للفندق وبكائي بإستمرار طوال الليل ، هذا الموقف خلق بداخلي إصرار لتوجيه هذه المشاعر السلبية بشكل صحي ومنظم ولذلك هأنا أكتب عن “التنظيف” ولا أبالغ بقولي أن هذه الطريقة سحرية فعلاً رغم الجهد البدني الذي تتطلبه!!


غسيل الملابس يدويًا ومسح المرايا وتلميع الأواني وغسل الأرضيات مرة تلو مرة كلها ساعدتني في احتواء إنهياراتي وتماسكي ، وهذه النتيجة جعلتني أفكر كيف لنشاط مثل هذا أن يساعدني على الهدوء والإستقرار!!


فبدأت أبحث وكانت هذه النتيجة ..

في أوقات القلق والتوتر يميل الناس إلى اللجوء إلى السلوك المتكرر مثل التنظيف لأنه يمنحهم شعورًا بالتحكم في موقف غامض

فريق من الباحثين بجامعة كونيتيكت

يقول الأستاذ المساعد في علم النفس درابي ساكسب بجامعة جنوب كاليفورنيا أن السبب في جعل التنظيف يخفض من مستويات التوتر والقلق بالنسبة لنا هو أن التنظيف يمنح الناس شعورًا بالتمكن من السيطرة على بيئتهم ، فالحياة مليئة بعدم اليقين والعديد من المواقف خارج أيدينا ولكن التنظيف يمنحنا القدرة في ترتيب أمورنا وفق إرادتنا في محيطنا الخاص.


وأيضًا يمكن لعلم النفس الذي يكمن وراء تأثيرات التنظيف التي تقلل من الإجهاد أساس تطوري!!

فيقول بهذا الخصوص مارتن لانغ عالم الأنثروبولجيا التطورية بجامعة ماساريك في جمهورية التشيك الذي يدرس السلوك الطقسي :”أن الناس يلجأون أحيانًا إلى الطقوس بما في ذلك التنظيف لتقليل الإجهاد الناتج عن أجزاء أخرى من حياتهم ، فالعقل البشري يحب التنبؤ بالأشياء ولأننا نود أن نعرف مالذي سيحدث لأنه سيسمح لنا بالبقاء على قيد الحياة واستخراج الموارد من البيئة ، فعندما نفتقر للسيطرة أو ندرك أن الأمور فوضوية ولا يمكن التنبؤ بها قد نشعر بالقلق من جهة تطورية وهذا يعني أنه يكون دافعًا مفيدًا ، وكما يقول لانغ”إنه يدفعنا إلى اتخاذ الإحتياطات اللازمة ومحاولة السيطرة على بيئتنا لذلك ليس هنالك ما يثير الدهشة التي قد تضر بنا”.


فالخلاصة أن الطقوس التي نمارسها للتخفيف من حدة إجهادنا وتوترنا في الحياة مثل التنظيف ماهي إلا صمام أمان!!

يحمينا من الإنهيار ويسمح لنا ببعض الوقت للهدوء والتفكير لإعادة الأمور لمكانها الصحيح ثم نتفاجئ بالنهاية بالسعادة لأننا تخطينا هذه المشاعر بأقل الخسائر وبنتائج مرضية منعكسة على صحتنا الداخلية والخارجية.


وشخصيًا كنوره أشعر بالسعادة بعد التنظيف لأن بالنهاية كل شيء في مكانه وبشكله المطلوب وأشعر كأنني فرغت ورتبت مشاعري واتضحت لي الصورة بأن هنالك أشياء أهم أشعر بها غير هذه المشاعر والأهم أنني لازلت مسيطرة ومتماسكة.

Join