ملَك ومريم
(۱)
كانت الأرض مخضّرة جدا، في منتصف الربيع حيث الورود تزدهر بأناقتها والطيور تغني غناء الحياة، لا تفهم حديثها ولكنك تشعر بذلكالصوت الذي بها ينبؤك بأن دورة الحياة ما زالت تستمر رغم كل ما حدث وباقٍ يحدث. هنالك خلف حافة الطريق أشجار كثيفة قليلة حينتدخل منتصفها تظن من حجمها كأنك في غابة عظيمه لا تعلم نهايتها، وفي المنتصف بحيرةٌ صغيره تشع عليها الشمس بنورٍ لطيف حيثيعكس بعضا من ماء هذه البحيرة. كان ذلك الرجل يُرى ذاهبا هناك كل ليلة ويوم لا يعلم احد ماذا يفعل الا انه يذهب دائما جائلاً ببصرهوكأنه يترقب أمر مريب ثم يدخل لتلك الغابة الصغيرة ويختفي. أود لو اتحدث عن ذلك الرجل ولكن شيءٌ ما يمنعني عن ذلك، أخشى الحديثعنه ولا أستطيع، لربما هي الرهبه التي تُبديها نفسه لي، او لربما أنني فعلاً لا افهمه ويصيبني الذُعر من أن أخطئ القول، او كلاهما. فيأحد الأيام فجراً بينما كان في طريقه لمكانه الخاص او دعونا نطلق على المكان إسم الصومعه، ظهرت له فجأه فتاة من تلك البلده، لا أذكرالآن جيداً كل صفاتها ولكن قيل لي مره ان لها تلك العينين التي تجعل الراهب ذا اللب يقع باكياً من هولِ ما يرى، وكانت الى ذلك ذات فضولشديد، ليس ذاك الفضول المعتوه بل هو حبٌ لمعرفة المجهول، وقيل لي أيضا انها تقطن قرب مسكنِ أبيه وقد رأته كثيرا قبل ذلك. جديرٌ بالذكروما تذكرته الآن، أن صاحبنا ليس بغريب الأطوار منطوياً بل أمرٌ آخر، أمرٌ غريب.
ألقت عليه التحية من بعيد ولكنه لم ينتبه لذلك، لم يتعمد ذلك. ثم أقتربت أكثر من طريقه واعادة التحيه فردها لها وتصافحا.
"ما بك لم تسمع ندائي الأول، ثم ما بالك تأخرت كثيراً عن عادتك في المجيء، أأنت بخير يا مَلَك؟"
لقد مر وقتٌ طويل منذ أن سمع هذا الإسم، الذي يناديهِ به والداه.
"أعتذر عن ذلك، ولكن لم أعلم بوجود زائرٍ جديد، فهل لي أن اعرف لمَ أنتِ هنا؟"
نعم زائرٌ جديد، فأحيانا ما يقطع عليه الطريق بعض سكان البلده المتطفلين، ولكن يعودون خائبي السعي فهو يبتسم لهم ويرد التحيه ثم يكملطريقه الى البحيرة.
"رجاءً، لا تظنّ أنني هنا لإزعاجك، ولو أنني ارى الانزعاج في يديك، ولكن أريد الحديث معك، لدي أمر يجب أن تعلمه"
قالت ذلك وهي مندهشه، حيث انها اعتادت ان كل من رآها لأول مره يُظهر شيءً من اعجاب إثر جمالها، ولكن لم يكن ذلك مع مَلَك. نظر إلىالسماء لوهله ثم أظهر لها ايماءة الموافقه ثم أكملا السير معاً. كان الطريق للصومعة ضيقًا تحوطُه بعض الشجيرات الصغيره وقليلا من عيونالماء الصغيره في كل مكان، إثر أن فصل الربيع في بدايته. كانا يسيران في هدوء مَلَك في المقدمه وهي بجانبه إلى اليمين. بعد وقت قصيرمن السير، أصبحا في مقدمة تلك الصومعه والبحيرة أمامهما بمنظرها الساحر، التي أبدت الفتاة اندهاشها بقول "يا لربي ما هذا، أوَيحدث أن يكون في بلدتنا مكانٌ كهذا!" وقد سبق حديثها أن عينيها ازدادتا اتساعاً، وليتها علمتِ أن عينيها أعظم سحراً من ذلك المكان. جلَس مَلَك في مكانه المعتاد فوق صخرة عند البحيرة، وأما الفتاة ففضلت الجلوس قرب البحيره على اليابسة. لم يتحدث مَلك ومما زاد شعورالفتاة بالغرابة نحوه، فبدأت هي الحديث.
"حسناً، لا أظن ان مجيئي إليك يحمل أي معنى، ولكن لدي اليقين بأنك ستقدم المساعده، فأنا رغم جهلي بك أعلم بعضاً منك، ولهذا أتيت" لمتنهي جملتها ولكن لم تعلم كيف ستكمل، فما تريده كان أصعبُ من أن يُحكى.
مَلَك: "لا بأس يا مريم، أتمنى ان ما لدي ما أقدمه، ولكن اعلمي أن عندي أمر عظيم جداً ايضاً، وأريد المساعدة"
أكملت بذهول "إذا يبدو أننا في نفس المكان"
مَلك "نعم يبدو ذلك".
(۲)
…