المنظمة البكماء
كنت قد قابلت أحد الزملاء في مهنة الاتصال المؤسسي في جلسة ودية، يعمل مديراً لوحدة العلاقات العامة والإعلام في إحدى المنظمات. ودار بيننا حوار مشوق حول مجال الاتصال المؤسسي وهموم الصنعة. وذكرت له في أثناء نقاشنا مقالاً قرأته قبل فترة قصيرة لأحد كتّاب الرأي في إحدى الصحف المحلية ينتقد فيه جانباً مهماً من جوانب أداء المنظمة التي يعمل فيها هذا الزميل العزيز، فردّٙ عليّٙ ببرود وتهكم: "دعهم يكتبون، لن تستطيع أن تسكت العالم، علاجهم التطنيش!".
بصراحة صدمني رده، لأنه خرج من متخصص، لا من مجرد فرد عادي من عامة الناس. نحن، العاملون في حقل الاتصال المؤسسي والعلاقات العامة والإعلام، نعيش في عالم "التواصل"، شغلنا الشاغل نشر المعلومات المفيدة عن منظماتنا وبناء العلاقات الإيجابية مع الجميع، ننفتح على جميع الآراء والأفكار نسمعها ونحترمها ونتفاعل معها، كل ذلك في إطار مهني، فلا شيء شخصي بالتأكيد، فهدفنا هو التواصل مع مختلف شرائح المنظمة وإيصال رسائلها وإبرازها بشكل إيجابي.
أما "التطنيش"، على رأي صاحبنا، فهو علة المنظمات الحديثة، خصوصاً في عالمنا العربي. إن كثيراً من منظماتنا العربية تُؤثِر الصمت حول ما يدور حولها، لأسباب غير مفهومة، قد تتصل بكبرياء المنظمة ومُسيّريها، ظناً منهم بأن ذلك يزيد من ثقل واحترام المنظمة التي لا تتنزل للرد على صحفي أو كاتب أو حتى مدوّن عادي. وهذا بالتأكيد ظنٌّ واهم؛ فالمنظمات التي لا تتفاعل مع ما يدور في محيطها ومجتمعها هي منظمات صماء بكماء، لا تعي قيمة الاتصال ولا تدرك أهدافه وفوائده في بناء أعمالها وسمعتها وانتشار مدى تأثيرها.
لا يجدر بمسؤول الاتصال المؤسسي الصمت حيال ما يدور حول منظمته في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية من معلومات سلبية الطابع، خصوصاً تلك التي تمس صميم عملها. فالصمت يشير إلى أمرين لا ثالث لهما؛ إما أن يكون الأمر صحيحاً، ما يُثبت المعلومة بل وينشرها ويفاقمها، أو أن يكون مسؤول الاتصال غافلاً مهملاً لا يقوم بمهمات عمله كما يجب. والصمت المؤسسي المطْبق قد يؤدي في حالات كثيرة إلى تفاقم المشكلة، وإلى التأثير سلباً على صورة المنظمة.
والمعلومات السلبية التي قد تنتشر عن أي منظمة يمكن تصنيفها إلى ٤ مستويات، ولكل مستوى طريقة تعامل مهنية محددة يجدر اتّباعها. وقد صنفتُ خطورتها باستخدام الألوان ودرجة قوة الرياح. وهي كما يلي:
المستوى الأول (الأزرق): الزوبعة
مستوى المعلومات المتناثرة والتي لا تشكل مجتمعة رأياً عاماً أو زخماً إعلامياً ملحوظاً. وهذه بمقدور مسؤول الاتصال في المنظمة تجاهلها. ويمكن علاجها عبر العمل الاتصالي المعتاد.
المستوى الثاني (الأصفر): الريح
مستوى المعلومات المركزة التي بدأت في التشكل لتكون رأياً عاماً وزخماً إعلامياً مؤثراً. وهذه تحتاج إلى تدخل إعلامي من المنظمة لتصحيح الوضع عبر بيان رسمي أو مؤتمر صحفي أو ربما تقارير مصورة خاصة.
المستوى الثالث (البرتقالي): العاصفة
مستوى المعلومات الموجهة للمنظمة بشكل مباشر من شخصية اعتبارية تعد من قادة الرأي في المجتمع KOL وتأخذ شكل الرأي الفردي إلا أنه يعتد به على مستوى النقد. وهنا يستلزم التدخل الإعلامي من قبل المنظمة بالطريقة المناسبة، وفي التوقيت المناسب.
المستوى الرابع (الأحمر): الإعصار
مستوى المعلومات المنشورة بوسائل جماهيرية واسعة النطاق، كأن تنشر في صحف أو محطات رسمية. وهذه المعلومات يجب التصدي لها بشكل عاجل عبر البيانات أو اللقاءات، بحيث يورد المتحدث الرسمي للمنظمة المعلومات الصحيحة ويرد على المعلومات المغلوطة. وتحدث هذه عادة في أوقات الكوارث والأزمات، ويكون التصدي لها جزءاً من إدارة الأزمة التي تمر بها المنظمة.
إن المنظمة التي تتفاعل مع ما يجري في محيطها، هي منظمة حية، ففي التواصل حياة للعلاقات بينها وبين مختلف شرائح جمهورها.
والمنظمة عندما تتواصل بفاعلية فهي تحترم نفسها وتحترم جمهورها، وجديرة بأن تُحترم.
لا يجدر بمسؤول الاتصال المؤسسي الصمت حيال ما يدور حول منظمته في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية من معلومات سلبية الطابع، خصوصاً تلك التي تمس صميم عملها. فالصمت يشير إلى أمرين لا ثالث لهما؛ إما أن يكون الأمر صحيحاً، ما يُثبت المعلومة بل وينشرها ويفاقمها، أو أن يكون مسؤول الاتصال غافلاً مهملاً لا يقوم بمهمات عمله كما يجب.