لنبدأ من جديد
ذبذبات تصنع ايقاع الحياة، وترسم لوحة السكينة. وتبعث السلام، وتضيئ الكون، تشكل صوتًا رخيم هاديء يهمس في أذنك عن قُرب، يسافر بك في لحظات عبر الحقيقة، يخبرك أنك به اجتُبيت واصطُفيت وغمرت بأعظم نعمك، يأخذك سريعًا ليمر بك في لحظات بشريط حياتك كاملة، تشعر في هذه اللحظات بتسليم تام وسكينة، تهدأ وقد كنت قبلها المشحون، الخائف، الضال و بالصوت هُديت،وكفيت ،ووقيت، وتنحى عنك الشيطان!
مع كل تجربة جديدة نولد من جديد
شعورٌ مزلزل، يهز كيانك ويرعب أصغر ما فيك، ليثبت لك من جديد أنك ما زلت ذلك الطفل الصغير في مهد الحياة، غير أنك هذه المرة لست بين ذراعين أو على صدر ينبض رحمة، رغم أن الشعور مشابه والمعاناة واحدة، وطوق النجاة هو ذاته حبل العنق، وطريق الحياة هو ذاته طريق الغرق. ها قد عدت وما زلت تسمع تلك الذبذبات من جديد… تدرك بها إصرارك منذ تلك اللحظة وكم أنت عنيد، لا تعاكس التيار وامضي كما يريد وانظر من الزاوية التي تريد!
سيلين لك الحديد تمامًا كما يذوب لكرم يديك الجليد، سينصاع لك الحشود فأنت الرجل المنشود، ستقبل على الموت مكشوف الصدر عاريًا دون قميص أو حدود، ستمطر السماء رحمة ويمتلئ عقلك حكمة، ستكون النور في عيون الأوفياء والظلام في صدور الأعداء، ستكون عدلًا لا مساواة، جودًا لا كرمًا، نبلًا لا سلمًا، حبًا لا فرضًا، اخلاصًا لا محاباة، وفاءً لا مجاراة، إحسانًا لا مسؤلية!
معزوفة الحياة
تلامس جلدك قطرة ماء، تشعر أنك عدت لما قبل الذبذبات التي خلقت ايقاع الحياة، عدت لما قبل الروح لعالم اللاوجود عدت لتكون بين كاف و نون عدت لما أراد أن تكون، قطرة أخرى تلامس جسدك في لحظك استنكار وجحود، تمطر في الصيف! سحابة شهباء -تقول بازدراء- ويرد عليك الشجر والطير والحجر، ألا تفكر ألا تبتصر.. أعد النظر وتوقف لحظة. دع الحياة تمضي من أمامك، لا تكترث لما سيحدث، أشح برأسك عن الدنيا لتجد الدنيا؛ وقف على ناصية الأيام لترى الغير معتاد. لن تكتمل الصورة دون أن تمعن النظر تارة وتتجاهل تارة ولكن ستكتمل على أي حال حتى وإن أشحت النظر طويًلا!
تعيسة هي ليالي الفرح دون أن تمر عواصف الحزن بها، ضحلة هي الكلمات الجميلة دون تطفل المشاعر عليها، كل التفاصيل مملة لولا رتابة الأيام حولها، والملامح المتجردة بشعة لولًا التناغم بينها، والأجساد أطراف باردة لولًا دفيء الأرواح فيها، وأنا وأنت كعابرين لولا قلمي المرتعش وعينيك السابحتين، وحروفي لم تجتمع على ورق لتشكل الكلمات! بل في انعكاس عينيك لتشكل الشعور وتصف اللحظة.
الحياة ليست لغاية تدرك من خلالها، هي رحمة في بطن تسع وتسعين رحمة أخرى، لتجد بها معاني أخرى أعظم، لتسير بها في كل اتجاه، وتركب كل موجة، لتبحر وتغرق، لتمشي وتسقط، لتمارس وتفشل، لتجد المعنى في الشوك قبل الورد، لترى السعي يطرق كل باب وترى الرزق يدخل عنوة من النافذة! لتفهم أنه لا يجب عليك أن تفهم كل شي، ولتدرك أن الوعي قد يكون عمًا، وأن الحكمة تلازم الوقت والوقت يلازم التجارب والعاقل من لازم الوقفات بين هنيهة وأخرى.
ستبحر فكن ريحًا ، ستمضي فكن سعيًا، ستُبلي فكن صبرًا، ستكسِر فكن جبرًا، تهاجمك فكن درعًا، تسقطك فكن عزمًا، تبكيك فكن رحمة، تخذلك فكن عضدًا…
سيُرضي فكن شكرًا
حررت في نيويورك 25.08.2024