حقيقة الجغرافيا
لم أدرك حقيقة الجغرافيا حتى أدركت هذا الموقف ..
يقول صاحبي:
كنت عائداً من العمل للمنزل بعد صلاة المغرب بقليل وعند إيقاف سيارتي أمام منزلنا لاحظت أن إطار السيارة التي أمامي من نوع (جي أم سي) مختلفا لا يبدو في حالة جيدة أو شيئاً غريبا أسودا بجانبها.
نزلت من السيارة انفض قشور الفستق من ثوبي وإذ ذاك الجرم الأسود يتحرك ببطىء شديد، أخذت نفساً عميقا وكأن شيئا لم يكن.
تقدمت بخطوات ثابتة نحوه وبصري شاخص إلى الأمام حتى لا أنظر للأسفل وعندما اقتربت منه وجدت إنسانا مختبئاً بجانب الإطار تحت السيارة، توقفت قليلا واستدرت يسارا وكأن شيئاً لم يكن.
دخلت المنزل وأنا مذهول وساكن الجسد متقلب المشاعر والأفكار.
ما قصة هذا الإنسان هل هو مصاب جريح يحتضر؟
هل أعود إليه وأتفحصه أم أتركه وشأنه، قلت في نفسي سأدخل في متاهات، وبحساب المخاطر سأتركه إلى أذان صلاة العشاء.
فربما يفيق ويذهب من تلقا نفسه (كفى الله المؤمنين القتال).
أصبحت الدقائق في ساعتي بطيئة لدرجة شعرت بأن طاقتها منخفضة.
وكلما عزمت على الخروج قبل أذان العشاء ظهرت في مخيلتي قائمة المخاطر والسيناريوهات الإجرامية.
وبعد انتظار عصيب سمعت صوت الحق (الأذان).
ذهبتُ مسرعاً إلى الباب الخارجي وحين أمسكتُ الباب شعرتُ ببرودة في أطرافي لم أستطع حينها فتحه وكأنني أتعامل معه لأول مرة.
أرجعت يدي واستجمعت قواي ثم أمسكت الباب من جديد وفتحته ببطىء شديد حتى وصلت لمقاس ضئيل يكاد يكفي فقط لحدقة العين لكي تنظر ما في الخارج، مقاس يصح بأن تقول هكذا يكون حجم بصيص الأمل.
نظرت إلى إطار السيارة بتمعن شديد وإذ هو موجود ذاك الإنسان ثابتاً لا يتحرك، هل أصرخ بتجاهه حتى يفر أم أذهب إليه.
عزمت الأمر وتوكلت على الله فذهبتُ إليه بخطوات متثاقلة وبصر شاخص إلى الأمام.
وقفت أمامه وكان ظهره باتجاهي قلت بصوت مرتفع (هيه)…..
فما هي ثواني حتى زحف خارج السيارة ونهض ينفض الغبار ويبتسم إلي بابتسامة الخوف، عمره لا يكاد يصل إلى ثمانية عشرة ربيعاً ومن قارة أفريقيا نحيل الجسد عيناه لها بريق لامع.
قلت له من حيث لا أدري ,,صلاة اِذهب إلى المسجد من هنا.
ذهب وأنا أتأمل حاله وعمره الفتي وغربته وفقره.
ما قصته لماذا هو هنا أين وطنه!
لن تدرك الجواب حتى تدرك حقيقة الجغرافيا فالإنسان لا شيء دون وطنه وأهله.
فعندما تتجرد من جميع ألقابك ودرجاتك المجتمعية وتعود إلى إنسانيتك الصرفة حيث الأُنس والرحمة والتعاون ستدرك أهمية الجغرافيا.
قفلة: قال ابن الرومي:
(ولي وطنٌ آليت ألا أبيعهُ &&وألاّ أرى غيري له الدهر مالكا)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي:عبدالمجيد بن سعيد
1442هـ 🌿🌿🌿🌿